شكلت المواقع والمعالم الأثرية التي تروي الحكاية التاريخية لفلسطين على مدار سنوات الصراع أحد أبرز الأهداف التي يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى طمسها في محاولة لمحو شواهدها التاريخية وشرعيتها الفلسطينية والعربية.
وعمدت سلطات الاحتلال إلى تزييف الحقائق وتهويد المعالم التاريخية والإسلامية الفلسطينية، أو تدميرها ومصادرتها ومنع ترميمها وتقديم العناية اللازمة لها.
ويستمر الاحتلال في عمليات الحفر بالقرب من ساحات المسجد الإبراهيمي منذ أكثر من أسبوع، لبناء جسر ومصعد كهربائي للمستوطنين.
وحذر مدير أوقف الخليل جمال أبو عرام، من خطورة تنفيذ مشروع الاحتلال ببناء مصعد كهربائي للمستوطنين، لما فيه من تغييرٍ للمعالم التاريخية والدينية للمسجد.
وأكد أبو عرام في حديثه لوكالة “صفا”، أن مشروع الاحتلال يسعى لفرض واقع تهويدي جديد في المسجد الإبراهيمي، ولتعزيز وتسهيل اقتحامات المستوطنين.
وأفاد بأن أوقاف الخليل نظمت وقفتين لرفض ما يقوم به الاحتلال من حفريات تمهيداً لتنفيذ مشروع المصعد، والتي تعرضت للقمع والاعتداء من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين.
وأضاف إن الأوقاف أغلقت مساجد مدينة الخليل الجمعة الماضية، ودعت المواطنين للتوجه إلى المسجد الإبراهيمي لأداء صلاة الجمعة ورفض ممارسات الاحتلال.
انتهاكات ليست وليدة اليوم
وحول خطوات وزارة الأوقاف لمواجهة ممارسات الاحتلال في حق المسجد، أفاد أبو عرام بأن الأوقاف لديها خطوات من المراسلات الرسمية للمنظمات والمؤسسات الدولية لتحمل مسؤولياتها تجاه المسجد.
وكانت اليونسكو أدرجت مدينة الخليل والمسجد الإبراهيمي على لائحة التراث العالمي عام 2017.
وأشار أبو عرام إلى أن الانتهاكات التي يتعرض لها المسجد الإبراهيمي ليست وليدة اليوم، والاحتلال منذ نشأته يحاول السيطرة عليه وتهويده.
وأوضح أن أبرز الانتهاكات في حق المسجد تمثلت في تقسيمه مكانياً وزمانياً، عقب مجزرة المسجد الإبراهيمي عام 1994 حيث استشهد 29 مصلياً.
وبيّن أبو عرام أن الاحتلال سيطر على 63% من مساحة المسجد، ويمنع المسلمين من دخولها إلا في عشرة أيام في كل سنة، كما يغلق المسجد بقسميه أمام الفلسطينيين في 10 أيام أخرى من الأعياد اليهودية خلال العام.
وأضاف إن الاحتلال يعيق وصول الفلسطينيين إلى المسجد عن طريق البوابات الإلكترونية والتحكم في إغلاق المسجد بأقفال من قبل جنود الاحتلال.
“كما يمنع الاحتلال رفع الأذان في المسجد بمعدل 750 مرة في السنة بحجة إزعاج المستوطنين، ويمنع موظفي لجنة الإعمار والترميم من العمل داخل المسجد بحجج واهية وكاذبة”، بحسب ما أفاد أبو عرام.
وقال إن الاحتلال يمنع صيانة الثريات بالرغم من خطورة سقوطها على المصلين، ويمنع صيانة السماعات الداخلية للمسجد منذ شهور عقب تخريبها من قبل المستوطنين.
ولفت إلى أن الاحتلال يغلق الباب الشرقي للمسجد الذي يعتبر نافذة الطوارئ، ويغلق مكتب مدير المسجد ويسعى للاستيلاء على مقام اليوسفية بالضغط على الأوقاف لتسليم مفاتيحه.
استهداف المعالم الأثرية
وقال الباحث في الآثار جبر الرجوب إن فلسطين تحوي 35 ألف موقع أثري، ويقع ما يقارب ثلثها في الضفة الغربية المحتلة، و52% منها تتواجد في المناطق المصنفة “ج” الخاضعة لسيطرة الاحتلال الكاملة.
وأوضح لــ “صفا”، أن أعداد المعالم والمواقع الأثرية في فلسطين تقلصت إلى سبعة آلاف موقع ومعلم بعد عام 1967، عقب تدميرها من قبل قوات الاحتلال.
وأضاف إن قوات الاحتلال تمنع صيانة وترميم ما يزيد عن 54% من المعالم الأثرية الفلسطينية الواقعة في المناطق المصنفة “ج” ويهدد بمصادرة المعدات، بحجة وصفها بالأعمال غير القانونية.
وأفاد الرجوب بأن الاحتلال يستهدف مواقع تسرد التسلسل التاريخي والحضري لفلسطين من كهوف، وقبور، مقامات، وأبراج، ومساجد وكنائس، عن طريق تدميرها أو ضمها داخل جدار الفصل العنصري وتهويدها.
وبيّن أن الاحتلال تعمد تغيير مسار بناء جدار الفصل العنصري لضم الموقع الأثري “بيت مرسم” في الخليل، لمصادرته ومنع الفلسطينيين من الوصول إليه، مشيراً إلى أن جدار الفصل العنصري دمر 255 موقع أثري فلسطيني وصادر ما يقارب 15% من المواقع والمعالم الأخرى في الضفة الغربية المحتلة.
ولفت إلى “مسار فلسطيني التراثي، الذي عملت عليه وزارة السياحة والآثار الفلسطينية حيث يمر بعدد من المواقع والمعالم الأثرية التي تسرد التاريخ الفلسطيني لتثبيت أحقية الفلسطيني في أرضه واالحفاظ على معالمنا التاريخية”.
وروى الباحث الرجوب عن المعلم الأثري كهف “بدو” في قرية بين لبان غربي مدينة الخليل، والذي كان شاهداً على المقاومة الفلسطينية للغزو الروماني.
وأضاف أن مساحة الموقع تزيد عن 1000م2 ويعود إلى الفترة اليونانية والرومانية، وسلطات الاحتلال تمنع من ترميمه وتقديم العناية المطلوبة للموقع.
ولفت إلى أن الكهف يعكس أبرز وسائل مقاومة الغزو الروماني ومهاجمته من الأنفاق والسراديب الممتدة داخل الكهف، مشيراً إلى “أن الاحتلال يزيف الحقائق ويدّعي عودة الكهف إلى تاريخ الاحتلال الغير موجود من الأصل”.
المصدر: صفا
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=127435