فقد والده صغيرا..عُماني يؤسس صرحا خيريا لأيتام ظفار

لم يكن يدري د.عبد الرب اليافعي أن مرارة اليتم التي عاشها في طفولته ستتحول يوما إلى مصدر إلهام ودافع لعمل عظيم يتمثل في خدمة الأطفال الأيتام في محافظة ظفار، جنوبي سلطنة عُمان، عبر تأسيس جمعية خيرية.

تجربة اليافعي الإنسانية بعد موت والده وهو صغير، وإحساسه بما يشعر به الأيتام، كانت حافزا رئيسيا له لإدخال البهجة على الأيتام في المحافظة، من خلال جمعية “بهجة العمانية للأيتام” التي تكرس مواردها لدعم المحتاجين ومساعدتهم في تخطي الصعاب، والأخذ بأيديهم حتى يصبحوا قادرين على دعم أنفسهم وأسرهم.

جمعية خيرية تستند إلى تجربة إنسانية

وفي حديثه مع موفد “الأناضول”، يوضح اليافعي أن جمعية “بهجة العمانية للأيتام” وُلدت إثر شعوره بأهمية الأمر “بعدما عانينا هذا الأمر، إذ توفي الوالد ونحن صغار، وأحسسنا بالآخرين نوعا ما أو على الأقل تخفيف معاناة اليتيم وما يحز في نفسه من هذه المرارة.”

ويضيف: “بدأت من هناك تجميع قصاصات ومطويات من جمعيات أخرى موجودة داخل العالم العربي، وجمعنا هذه القصاصات واستمارات البحث، ثم قدمناها إلى الجهات المعنية في السلطنة. والحمد لله كان هناك تجاوب وإعجاب بالفكرة، فتم إشهار (ترخيص) جمعية البهجة العمانية للأيتام في 2014، بفضل الله.”

ويتابع اليافعي: “انطلقت الجمعية خلال فترة قصيرة، وكانت انطلاقتها فوق التوقعات وفوق الحسبان، والأمر يتخطى النجاح الإداري، بل هو متعلق أيضا بتأييد الله وبركته لأنك قد رعيت هذه الشريحة من الأيتام. يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: “إنما تُنصَرون بضعفائكم”، سبحان الله نجد تيسيرا كبيرا في أعمال الجمعية ونلقى البركة في أعمالنا”.

مسيرة ناجحة في دعم الأيتام

بعد نحو سنتين على انطلاقها، فازت جمعية “بهجة العمانية للأيتام” بالمركز الثاني على مستوى الخليج العربي، كأفضل جمعية أيتام في دول مجلس التعاون.

يقول اليافعي: “تساءلنا عن سبب فوزنا وحصولنا على المرتبة هذه، على الرغم من حداثتنا وخبرتنا المتواضعة في هذا المجال، فقالوا لنا: لا ننظر إلى الحجم وكثرة المال والكم، وإنما ننظر إلى المدة القصيرة التي استطعتم أن ترتقوا بهذه الجمعية إلكترونيا وماليا وإداريا، وما قدمتموه من إنجازات خلال فترة وجيزة.”

ويعزو اليافعي نجاح جمعيته إلى أنها “كانت سباقة في ميدان السوشال ميديا وأول جمعية تطبق البطاقة الإلكترونية وتطبيقات الأندرويد والأيفون داخل السلطنة، إذ استطعنا خلال مدة قصيرة أن نصل إلى أكبر شريحة من الأيتام في محافظة ظفار”.

ويستطرد قائلا: “بسبب هذ النشاط، حصلنا على جائز سنابل من مملكة البحرين كأفضل جمعية على مستوى دول الخليج أو المركز الثاني تقريبا من جمعية إنسان في الرياض، ثم حصلنا على جائزة حقوق الإنسان داخل السلطنة، ثم جائزة أوكيو في 2020 كأفضل جمعية داخل سلطنة عمان”.

وكانت الجمعية حصلت قبلها على جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي، “إذ كانت أول جائزة نحصل عليها، وهي التي أعطتنا الدافع القوي نحو الانطلاق بهذا العمل الخيري.”

تكاتف المجتمع العماني إزاء الأيتام

يشير اليافعي إلى أن “مفهوم مبيت الأيتام في دار ليس موجودا في السلطنة بشكل واسع لأن الأسر متكاتفة، فالطفل اليتيم إذا مات والداه، أو أحدهما، غالبا ما يكفله ذووه من الأخوال والأعمام ولا يدخل دار الأيتام. هنا تتدخل الجمعية وتوفر لهذا الطفل دعما ماليا وماديا عندما يكون من الأسر الفقيرة المعسرة. والحمد لله، نجحنا في تحقيق الهدف بدعم الجمعية والشركات والمؤسسات وحكومتنا الرشيدة”.

وحول الشريحة التي تدعمها الجمعية، يقول: “نهتم بالأيتام الذين تُوفي آباؤهم منذ الولادة وحتى سن الـ 18، إذ نرعاهم ماليا ونفسيا وتعليما وصحيا. وبعد الـ 18 يصل هذا اليتيم إلى مرحلة طالب علم، فيتم تعليمه حتى يكون معتمدا على نفسه ويحقق الاكتفاء الذاتي لعائلته كدعم مالي. ونصبوا إلى أن يكون هؤلاء من عظماء المستقبل”.

قصص النجاح

ويسرد اليافعي قصص نجاح للجمعية مع عدد من الأيتام، من بينها “قصة نجاح لبنت يتيمة تزوجت وهي صغيرة جدا، وعانت كثيرا مع الزوج الذي لم يكن يعاملها تربويا، فكان يضربها أحيانا، وهذا موجود في كل مكان”.

ويتابع: “حرم الزوج هذه البنت، التي تبلغ من العمر 18 عاما تقريبا، من رؤية أمها وأهلها لمدة 3 سنوات تقريبا، على الرغم من أن المسافة بين بيت الزوجية وأهلها لا يتجاوز 10 كيلومترات. فاهتمّت الجمعية بهذه الحالة، وأحالت الموضوع إلى الجهات المعنية في الحكومة، فتم اتخاذ اللازم، وأعيدت اليتيمة إلى أهلها وبيتها.”

ويشير إلى أن “الجمعية في مرحلة تأهيل لهذه الفتاة التي فقدت تقريبا 50 بالمئة من بصرها، من كثرة البكاء في الليل والنهار”، موضحاً أن “حالتها النفسية مستقرة الآن، وكذلك وضعها التعليمي، نوعا ما.”

ومن بين قصص النجاح الأخرى التي رعتها الجمعية، دعم أحد الأيتام في مشروع للمبيعات التجارية عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي حتى نجاحه، إذ ارتفع مدخوله وصار مكتفيا ماديا. وعليه، سحبت الجمعية دعمها لأنه صار في وضع يسمح له بالتبرع لمصلحة الجمعية.

الأوقاف كدخل ثابت للجمعية

تحرص جمعية “بهجة العمانية للأيتام”، وفق اليافعي، على إيجاد مصادر دخل ثابتة وعدم الاكتفاء بالتبرعات، حتى تتمتع بالقوة والاستمرارية اللازمة لمواصلة عمل الخير.

ويلفت إلى أن الجمعية أتمت خلال سنتين “إنشاء أول عمارة من سبعة طوابق وقفا للأيتام. والآن أطلقنا المبنى الخيري الثاني بنظام فندقي 4 نجوم، والذي سيكون وقفا للأيتام أيضاً. فقد خرجنا من بوتقة الأبنية الوقفية العادية إلى المباني الفندقية، والمشروع الثالث سيكون بناء مصنع إن شاء الله.. وهكذا”.

تفاعل المجتمع العماني وثقافة العمل الخيري

يقول اليافعي إن “المجتمع (العُماني) متكاتف جدا. وأعتبر هذا قوة كبيرة للجمعية وأحد أسباب نجاحها. فأقوى دعم للجمعية يأتي من أفراد المجتمع المحلي من خلال التبرعات الفردية، ثم يأتي بعد ذلك دعم الشركات”، مشيرا إلى أن دخل الجمعية يقارب أحيانا 100ألف ريال (380ألف دولار) شهريا.

ويشير إلى أن الجمعية ترعى جميع شرائح الأيتام الموجودين داخل عمان، سواء أكانوا عمانيين أو غير عمانيين، مسلمين أو غير مسلمين، باعتباره عملا إنسانيا.

ويوجد في السلطنة حوالي 70 جهة، من جمعيات وفرق ولجان خيرية، تقدم دعما ماليا ومعنويا للأسرة المحتاجة والأيتام والمعسرين، وفقا لبيانات وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات.

المصدر: الأناضول