في مثل هذه الأيام من مايو عام 2021، شهدت أراضي الـ48 المحتلة اندلاع “هبة الكرامة”، بالتزامن مع معركة “سيف القدس” ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والمسجد الأقصى، وبالرغم من مرور عامين، إلا أن “إسرائيل” ما زالت تتعامل مع تبعاتها بصعوبة وحذر، وتخشى تجددها.
ويوافق اليوم الأربعاء، الذكرى السنوية الثانية لمعركة “سيف القدس”، التي خاضتها المقاومة في قطاع غزة، دفاعًا عن القدس والمسجد الأقصى المبارك وأهالي حي الشيخ جراح.
وبالتزامن مع المعركة اندلعت “هبة الكرامة” في الداخل الفلسطيني المحتل، إذ تداعت الجماهير الفلسطينية في كل أراضي الـ48 إلى الشوارع، وشهدت المدن والبلدات مواجهات وتظاهرات عنيفة، تنديدًا بالعدوان على غزة والمسجد الأقصى.
وخلال “هبة الكرامة” استُشهد الشاب موسى حسونة في مدينة اللد، التي شهدت أشد المواجهات، فيما أصيب المئات، واعتقل جهاز “الشاباك” وشرطة الاحتلال ما يزيد عن 2800 شاب.
وتأتي الذكرى الثانية لـ”سيف القدس” و”هبة الكرامة” اليوم، بالتزامن مع عدوان إسرائيلي غادر على قطاع غزة أدى لاستشهاد 15 فلسطينيًا، بينهم ثلاثة من قيادات سرايا القدس.
تحاول كبحها منذ عامين
ومنذ عامين تحاول “إسرائيل” كبح جماح فلسطينيي الداخل، والانتقام من ساحة أراضي الـ48، التي هبت دفاعًا عن الأقصى وغزة، في الوقت الذي كانت تظن فيه أنها تتعامل مع “مواطنين على مقاسها” في دولتها المزعومة.
الهبة التي شكلت صدمة للاحتلال وطعنة في خاصرة مشاريع الأسرلة، جعلت من “إسرائيل” تحتجز معتقلي “هبة الكرامة” إلى اليوم؛ فبعد عامين ما زال العشرات في السجون، وآخرون في الحبس المنزلي.
وبعد أكثر من عام ونصف على اعتقالهم، بدأت محاكم الاحتلال بجلسات محاكمة معظم شبان الهبة، إلا أن الأحكام الصادرة بحقهم كانت صادمة وعالية، مقارنة بالخلفية التي اعتُقلوا عليها، وهي التظاهر.
وحاولت “إسرائيل” تلفيق تهم أمنية كبيرة لعدد من معتقلي الهبة، والذين بلغ عددهم ما يزيد عن 2800 معتقل، تم الإفراج عن معظمهم، لكنهم ما زالوا تحت الرقابة.
أما من تبقوا في المعتقلات فيزيد عددهم عن 350 فلسطينيًا من الداخل والنقب، وتوجه إليهم محاكم الاحتلال تهمًا عديدة أبرزها “محاولة قتل يهود، وإلقاء حجارة وزجاجات حارقة”، وآخرين تتعامل مع ملفاتهم وكأنها أمنية، وتمنع عنهم الزيارة، بعدما أطلقت عليها “ملفات سرية”.
انتقام بأروقة المحاكم
ويقول المحامي ماهر تلحمي، من طاقم المدافعين عن معتقلي هبة الكرامة: “إنه على الرغم من مرور عامين على أحداث هبة الكرامة إلا أن التداول القضائي والأحكام ما زالت قاسية، وكأنه يتم معاقبة جميع المتظاهرين والانتقام منهم”.
ويشدد على أن اعتقال شبان “هبة الكرامة”، في الأساس مخالف للقانون، لأنهم كانوا متظاهرين، واعتدت قوات شرطة الاحتلال عليهم، وفرقتهم بالقوة، وهذا انتهاك لحرية التظاهر والتعبير عن الرأي.
ويؤكد تلحمي أن التعامل بالقوة المفرطة مع هبة الكرامة في الداخل، كان يعكس حجم الصدمة التي عاشتها وما زالت “إسرائيل”، من التضامن والتلاحم الفلسطيني بالداخل، مع الساحات الفلسطينية ممثلة بالضفة والقدس وغزة.
ويشير إلى أن محاكم الاحتلال ما زالت في بدايات جلسات محاكمة معتقلي الهبة، فيما حاكمت أخرين بأحكام عالية وصلت ما بين 5 إلى 12 سنة، وهو ما يعكس حجم الانتقام من المعتقلين، وليس مجرد محاكمة على تهم.
من جانبه، يقول الناشط مراد حداد لوكالة “صفا”: “إن معتقلي هبة الكرامة يواجهون اليوم تهمًا جاهزة وملفقة، فيما تعمدت محاكم الاحتلال التعامل بتواطؤ وبطء مع هذه المحاكمات، لإبقائهم رهن الاعتقال وقت أكثر”.
ومن وجهة نظره، فإن ما يجري مع معتقلي “هبة الكرامة” قرارات سياسية، ورسائل واضحة لتخويف وتهديد الشبان في الداخل، وليس فقط سياسة معاقبة لهؤلاء الشبان.
ويشدد بالقول: “إن كل التهم الموجهة للشبان كاذبة وبعيدة كل البعد عن الحقيقة، وهناك من الدلائل ما تشير إلى ذلك، إلا أن شرطة الاحتلال تكذب ونيابته ومحاكمه تبصم لها”.
خطط يحطمها النضال
بدوره، يؤكد الناشط محمد الطاهر جبارين، بأن سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها المنظومة الإسرائيلية في المحاكم وعلى أرض الواقع، عبر المحاكمات للشبان، وملاحقة الناشطين منذ “هبة الكرامة”، تعكس حجم الصدمة الذي ما زالت تعيشها “إسرائيل” من الفلسطينيين في أراضي الـ48.
ويقول لوكالة “صفا”: “إسرائيل راهنت كثيرًا علينا بمشاريع الأسرلة، وأعني هنا أنها راهنت على محو هويتنا الوطنية الفلسطينية، من خلال ضخ ملايين الشواقل لتلك المشاريع على مدار عقود، في محاولة لسلخنا عن قضيتنا الأساسية”.
ويستدرك “لكن هبة الكرامة شكلت ضربة كبيرة لهذه المشاريع، ولذلك فإن كل تبعات هبة الكرامة ما زالت قائمة، وإسرائيل تتعامل معنا باستراتيجية وخطط تم وضعها، لمحاولة استدراك ما حدث بالهبة”.
ويشير إلى أن خطط الاحتلال الآن تتركز على “ضرورة عدم تكرار مشهد هبة الكرامة، مهما حدث في الساحة الفلسطينية”.
ويشدد على أن “جميع هذه الخطط ستتحطم على صخرة العقيدة الوطنية لدى شباب الداخل، والتي تشهد الميادين قبل وبعد هبة الكرامة، أنها راسخة وباقية، لا تغيرها أي مشاريع أو يجعلها تتراجع أي زمن”.
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=141446