مصارف عصرية لأموال الزكاة الشرعية

مصارف جديدة للزكاة فرضتها معطيات العصر الحاضر المتسارعة والمتغيرة في آن، والتي وضعت المذكي في حيرة وقت إخراجه زكاته خوفًا من خروجها عن بوتقة المصارف الشرعية للزكاة في حالة دفع زكاته فيها. ومن أمثلة هذه المصارف الجديدة: (إنشاء مشروعات خيرية، بناء المستشفيات والمدارس، مشروعات لمحو الأمية … وغيرها)، فهل يجوز دفع أموال الزكاة في مثل هذه المصارف الجديدة؟
إنشاء مشروعات خيرية
أشار لشيخ جاد الحق علي جاد الحق -رحمه الله- في رده على سؤال حول دفع أموال الزكاة في إنشاء المشروعات الخيرية، إلى أن مصارف الزَّكاة محدَّدة بنصِّ القرآن الكريم، قال تعالى: {إِنَّما الصَّدَقَاتُ للفُقَرَاءِ والمَسَاكِينِ والعَامِلِينَ عَلَيْهَا والمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وفِي الرِّقَابِ والغَارِمينَ وفِي سَبِيلِ اللهِ وابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 60). هذه هي جملة أوجُه المستحقِّين للزكاة والصدقات، وكان من بينها بل السابع في تعدادها الإنفاق في سبيل الله، وقد خصَّه بعض الفقهاء بأنه الإنفاق فيما يُعين المجاهدين في سبيل الله، وتوسَّع فيه آخرون -ومنهم العزُّ بن عبد السلام- بأنَّه الإنفاق الذي يكون من شأنه تعزيز شأن المسلمين وتقويتهم سلمًا أو حربًا.
ويضيف: هذا الرأي الأخير رأي له وجاهتُه اليوم ويحتمله النصُّ القرآني، ويمكن العمل به، وبخاصة بالنسبة للمسلمين إذا كانوا أقلية في بلدة من البلدان، وكانوا في حاجة إلى منشآت صحية أو تعليمية يتعلمون فيها شئون دينهم ولغتهم (لغة القرآن الكريم).
ويختم الشيخ جاد الحق بالقول: وعلى هذا، يجوز الإنفاق من أموال الزكاة على إنشاء المشروعات الإسلامية؛ كبناء المعاهد الدينية والمدارس والمستشفيات وتمويلها، ودفع مرتَّبات الذين يعملون فيها، وتجهيزها بما يلزم من أدوات، مع إعطاء الأولوية في إنفاق جزء من الزكاة على الفقراء والمساكين من المسلمين، فقد قدَّمهم الله في الذِّكْر في هذه الآية الكريمة.
بناء المستشفيات
أما بخصوص دفع أموال الزكاة في بناء المستشفيات التي تداوي مرضى المسلمين أو المساهمة مع الدولة في بناء بعضها، فيقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي جمهورية مصر العربية الأسبق: لقد حدَّدتِ الآية الكريمة مصارف الزكاة في قوله تعالى: {إنَّمَا الصدَقاتُ للفقراءِ والمساكينِ والعاملِينَ عليها والمُؤلَّفةِ قلوبُهمْ وفي الرقابِ والغارمِينَ وفي سَبيلِ اللهِ وابنِ السبيلِ} (التوبة: 60)، والأصناف الواردة في الآية الكريمة عبارة عن فئات وطوائف محدَّدة من المسلمين، لم يدخل تحتها بناء المستشفيات والمُستوصفات ومكاتب تحفيظ القرآن وبناء المدارس والمعاهد الأزهرية إلا تحت قوله تعالى: (وفي سَبيلِ اللهِ)، فقد اختلف الفقهاء في تفسيرهم وفهمهم المراد من قوله: (وفي سَبيلِ اللهِ).
ويتابع واصل: الذي استَخلَصَه بعض العلماء ورجَّحوا الأخذ به أن سبيل الله ينصرف إلى جميع وُجوهِ الخير، ومنها الأصناف المَذكورة إذا كان يستفيد منها الفقراء والمساكين بالدرجة الأولى.
ويضيف: الواضح أن الحق -تبارك وتعالى- قد أطلق هذا المصرف من غير تقييد ولا تحديد، وجعله عامًّا ليشمل جميع أوجه البرِّ والخير وسائر المصالح الشرعية التي هي ملاك أمر الدين والدولة، ويدخل في عمومه إنشاء المستشفيات بجميع أنواعها.
ويشير إلى أن الدولة وإن كانت هي المسئولة فعْلا بالإنفاق من ميزانيتها على توفير الخدمات لشعبها، فلا مانع من تعاون الأفراد والجماعات معها، لقوله تعالى: {وتَعاوَنُوا على البرِّ والتقوَى ولا تَعاوَنوا على الإثْمِ والعُدوانِ} (المائدة: 2). وكذلك امتثالا لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “مثَلُ المؤمنِينَ في تَوادِّهمْ وتَراحُمهمْ وتعاطُفِهمْ كمثَلِ الجسدِ، إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحُمَّى”. لذا ينبغي على كل فرد أن يتحمل جزءًا من هذا العَناء، وتَتفرَّغ الدولة لأشياء أخرى ربما تكون أكثر أهميةً ولا يشارك فيها الأفراد؛ مثل: شق الترع وبناء الجسور وتأمين الأفراد داخليًّا وخارجيًّا، إلى غير ذلك من المهام الصعبة الملقاة على عاتق أي دولة.
ويختم بالقول: وعليه فيجوز شرعًا دفْعُ جزء من أموال الزكاة إلى المستشفيات التي تعالج المرضَى الفقراء غير القادرين، لكن بشرط أن تكون نية المزكي عند الدفع منعقدة لاحتساب ما دفع من الزكاة، وأن لا يحرم من الزكاة بقية الأصناف الأخرى المذكورة في الآية الكريمة.
الزكاة تمحو الأمية
    وفيما يتعلق بدفع أموال الزكاة في مشروعات محو الأمية يقول الشيخ جعفر الطلحاوي، من علماء الأزهر الشريف: يجوز أن يرصد من مال الزكاة لمحو الأمية وذلك لمصرف الزكاة “في سبيل الله”، وهو المصرف السابع من المصارف الواردة في الآية الكريمة.
ويضيف: وكلمة “في سبيل الله” اللفظ فيها عام، فلماذا يتم قصره على نوع خاص؟ وعليه فيدخل فيه جميع وجوه الخير، حتى تكفين الموتى وبناء الجسور والحصون وعمارة المساجد وغير ذلك.
ويتابع: قال صاحب الظلال عند شرحه لآية الزكاة وخاصة عند مصرف “في سبيل الله”: وذلك باب واسع يشمل كل مصلحة للجماعة تحقق كلمة الله.
وفي تفسير المراغي: “والحق أن المراد بسبيل الله مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة”. وضرب لذلك مثالا بتأمين طرق الحج وتوفير الماء العذب والغذاء وأسباب الصحة للحجاج.
وينهى الطلحاوي بقوله: لا شك أن محو أمية الأميين من المسلمين تعتبر في قمة مصالح المسلمين، امتثالا لأول أمر أنزله الله تعالى على البشير النذير – صلى الله عليه وآله وسلم- في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق: 1-5).

صحفي **