مجموعة من الأسئلة تدور بخلد الكثير من الناس بخصوص الزكاة والضرائب؛ نظرا للتداخل الحاصل بينهما مثل: ما الفرق بين الزكاة والضريبة؟ هل يجوز لمن يدفع الزكاة أن يتهرب من الضرائب؟ وهل تغني الضريبة عن دفع الزكاة؟ هل يجوز أن أحسب الضرائب المفروضة على مالي من ضِمْن الزكاة الواجبة؟.
مجموعة من العلماء الأفاضل تصدوا للإجابة على التساؤلات السابقة، وأقروا بأنه على الرغم من أن الزكاة والضريبة يلتقيان في وجود عنصر الإلزام فيهما، وفي أنهما يؤديان إلى سلطة عامة، إلا أن بينهما أوجه خلاف متعددة. كما أكدوا على عدم وجود تعارض بين الزكاة والضرائب، وشددوا على أنه لا يجوز احتساب الضرائب المفروضة على المال ضمن الزكاة الواجبة.
فروق جوهرية
يقول الشيخ فيصل مولاي، نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث في الفروق بين الزكاة والضرائب: على الرغم من أن الزكاة والضريبة يلتقيان في وجود عنصر الإلزام فيهما، وفي أنهما يؤدَّيان إلى سلطة عامة، فإن بينهما أوجه خلاف متعددة؛ منها أن الزكاة عبادة، أما الضريبة فهي التزام مدني، وأن الزكاة يحدد نصابها ومقدارها من قبل الشريعة؛ فهي ثابتة لا تتغير، أما الضريبة فإن أولي الأمر يحددون مقدارها، وبإمكانهم تعديلها أو إلغاءها.
ويتابع: من الاختلافات الأخرى أن الضريبة علاقة بين المواطن والدولة، أما الزكاة فهي علاقة بين المكلف وربه، فهو يؤديها لأصحابها ولو لم يطالب بها. والضريبة محصورة الأهداف في الأمور المادية، أما الزكاة فلها أهداف روحية وخلقية وإنسانية، إنها عبادة وضريبة معا.
تصاعدية الضريبة ونسبية الزكاة
ويشير مولاي إلى أن هناك طريقتين لجمع الضرائب؛ الأولى تعرف بالضريبة النسبية، وهي التي تحدد بنسبة معينة واحدة مهما زاد المال الذي تفرض عليه، والثانية تعرف بالضــريبة التصــاعدية، وهي التي تزداد نسبتها كلما زاد المـال الذي تفرض عليه فتكون مثــلاً: (10%) للألف الأولى، و(12%) للألف الثانية، و(14%) للألف الثالثة… وهكذا.
ويقر بأن الزكاة لم تأخذ بالفكرة التصاعدية؛ بل إنها تفرض بنسبة واحدة مهما بلغ المال، فهي في النقود مثلا (2.5%) لمن يملك النصاب، ولمن يملك ألف ضعف للنصاب.
وأرجع نائب الأوربي للإفتاء والبحوث نسبية الزكاة لثلاث علل، قال في أولها: إن الغاية من الضرائب التصاعدية هي إعادة التوازن وتقريب الفوارق، وهذه الغاية يحرص الإسلام على تحقيقها، ولكن عن غير طريق الزكاة. فنظام الإِرث والوصية وتحريم الربا والاحتكار وسائر وسائل الكسب الحرام، ومصادرة المال الناتج عن كسب حرام، وغير ذلك من الوسائل كلها تساعد على تحقيق هذه الغاية.
وقال في العلة الثانية: إن الزكاة باعتبارها تؤخذ من الأغنياء وتعطى للفقراء، تساهم أيضا في تحقيق هذه الغاية، بينما الضرائب التصاعدية تؤخذ عندما تتوافر شروطها، وتصرف في مصارف الدولة العامة فيستفيد منها الأغنياء أيضا.
وعن العلة الثالثة لنسبية الزكاة قال: إن الزكاة باعتبارها عبادة لا بد أن تتمتع بصفة الثبات وعدم التغير، وهذا لا يمنع الدولة عند الحاجة أن تفرض ضرائب غير الزكاة، وقد يجد أولياء الأمور مصلحة في اعتماد الطريقة التصاعدية في بعض الظروف الاستثنائية، فليس هناك ما يمنع ذلك إن كان بحقه، أما الزكاة فليس فيها مجال للرأي والتعديل. وعلى هذا لا تغني الضرائب عن دفع الزكاة، كما أن إخراج الزكاة لا يُعفي من مطالبة الدولة للفرد بالضرائب عند لزومها.
لا تعارض بينهم
أما الدكتور يوسف القرضاوي فيؤكد على أنه لا تعارض مطلقا بين الزكاة والضرائب، ولكن لا تغني الضريبة عن حق الزكاة، وفي هذا يقول: مما لا شك فيه أن نظام الزكاة في الإسلام أقدر النظم جميعًا وأقواها على حل المشكلة الاقتصادية ومشكلة الدعم والقضاء على الفقر، وخاصة إذا طبق هذا النظام بأمانة وإيمان وعلم وعمل بإخلاص وإتقان. والضرائب الوضعية التي تفرضها الدولة فللإمام حق فرضها لتحقيق مصلحة أو منع ضرر.
ويتابع: الإسلام فرض الزكاة وبيَّن مواردها وحدد استخداماتها، وأباح في الوقت نفسه موارد أخرى كلما اقتضت المصلحة، وعلى ذلك فلا تعارض إذن بين الزكاة والضرائب الوضعية التي تقوم على الحق وتلتزم العدل في التحصيل والاستخدام، ويرفض الإسلام رفضا باتا الامتناع عن أداء الزكاة بحجة أن الضرائب الوضعية تحل محلها وتؤدي عملها؛ لأن الزكاة فرض على المسلمين لا يصح الإسلام إلا به، تُؤدَّى بأمر الله وتُوزّع في سبيلها المشروع؛ فهي عبادة تؤدَّى طاعة لله ورسوله، وجزاؤها في الدنيا بركة وزيادة وفي الآخرة جنة وسعادة.
وعن الضرائب الوضعية يقول القرضاوي: الضرائب الوضعية لا تقدر وحدها على ما تقدر عليه الزكاة في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وهي حق للإمام فقط، وننقل هنا ما قاله الإمام الغزالي: “إذا خلت الأيدي من الأموال ولم يكن مال المصالح يفي بحاجات العسكر، وخيف من ذلك دخول العدو بلاد الإسلام أو ثوران الفتنة من قِبَل أهل الشرك جاز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند”.
الضرائب من زكاة المال
وحول الحكم في حساب الضرائب المفروضة على المال من ضمن الزكاة الواجبة يقول الشيخ عطية صقر، الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر الشريف: “لا يجوز احتساب الضرائب المفروضة على المال ضمن الزكاة الواجبة؛ لأن الضرائب تشريع وضعي قابل للخفض والرفع والإلغاء، ولا يختص بوعاء معين ولا بمصرف معين، عكس الزكاة فرض الله وأحد أركان الإسلام، ولها مصارف معينة ووعاء معين. وقد قرر المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية أن ما يفرض من الضرائب لمصلحة الدولة لا يغني القيام بها عن أداء الزكاة.
**صحفي
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=68422