يقوم بعض المسلمين بتكرار أداء الحج والعمرة لأكثر من مرة بدافع السعي لمزيد من الثواب والتقرب إلى الله ، إلا أن ذلك يثير تساؤلات عما إذا كان من الأفضل أداء الحج والعمرة أكثر من مرة أم أن الظروف التي تواجهها الأمة تستوجب إخراج نفقة ذلك من أجل مساعدات المحتاجين والمنكوبين ، خاصة من أبناء الشعب الفلسطيني .
وقد تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا بهذا المعني ، وفيما يلي نص الفتوى التي أصدرتها ردا على هذا السؤال :
قال تعالى “وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنًا”(سورة البقرة: 125) ، وقال (صلى الله عليه وسلم) “الحج مرة فمن زاد فتطوع” وقال (صلى الله عليه وسلم) “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” متفق عليه . ومعنى الآية الكريمة السابقة أن الله تعالى جعل البيت الحرام مثابة للناس يعودون إليه شوقًا بعد الذهاب عنه أي أن الله جعله محلا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه ؛ لا تقضى منه وطرًا ولو ترددت إليه كل عام استجابة من الله تعالى لدعاء سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في قوله “فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم” إلى أن قال “ربنا وتقبل دعاء”هناك تطمئن الأفئدة وترتاح النفوس وتزول الهموم وتتنزل الرحمات وتغفر الزلات .
ومعنى الحديث الأول ، أن الحج فرض على القادر المستطيع مرة واحدة في العمر ، فمن زاد فتطوع ونافلة في التقرب إلى الله ؛ وكذلك العمرة مطلوبة في العمر مرة وتسمى الحج الأصغر وهى في رمضان أفضل لمن أرادها دون حج ولا يكره تكرارها بل يندب ويستحب تكرارها للحديث الثاني “العمرة إلى العمرة الخ” لأنها كما ورد تمحو الذنوب والخطايا .
وقد أداها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أربع مرات . أما بشأن التصدق على الفقراء والبائسين فقد روى مسلم عن أبى هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لا يستر عبد عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ؛ من كان فى حاجة أخيه كان الله في حاجته ؛ ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ؛ ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة” متفق عليه
وعن أبى هريرة عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال “من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ؛ ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه فى الدنيا والآخرة ؛ ومن ستر مسلما ستره الله فى الدنيا والآخرة ، والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه” الحديث رواه مسلم وقال الله تعالى : “وافعلوا الخير لعلكم تفلحون” (سورة الحج : 77).
مما سبق يتبين أن الحج والعمرة ليسا واجبين على السائل بعد أداء الحج والعمرة الأولين ، بل يكونان تطوعًا ونافلة فى التقرب إلى الله ، وقواعد الشريعة وحكمة الله تعالى فى توجيه عباده إلى فعل الخير على أساس تقديم الأهم والأصلح ؛ وذلك يقتضى بأن يقدم السائل وأمثاله مصالح وحاجات إخوانه المسلمين المعدمين ، الذين هم فى مسيس الحاجة إلى مايؤويهم وما يستعينون به على قضاء حوائجهم الضرورية فليس لله حاجة فى الطواف ببيته من شخص يترك إخوانه البائسين فريسة للفقر والجهل والمرض لأن المسلمين جميعًا يجب أن يكونوا يدًا واحدة يتعاونون على البر والتقوى .
واذا تألم عضو من جماعة المسلمين يجب على إخوانه المسلمين أن يتجاوبوا معه ليزيلوا آلامه أو يخففوا عنه ، وأننا نرى أنه من الأولى بالأخ السائل مادام قد وفقه الله وأدّى حجة الإسلام مرة فأولى به أن يوجه ما يفيض عن حاجته إلى أوجه الخير والإنفاق على الفقراء والمساكين ، وخاصة في مثل هذه الظروف التي تمر بها الأمة . فنسأل الله تعالى أن يضاعف له الأجر والثواب ، فإن يسّر الله عليه واستطاع أن ينفق فى وجوه الخير والبر وعنده ما يستطيع به الذهاب لأداء العمرة مرة بعد مرة فلا مانع شرعًا .
وفقنا الله تعالى إلى فهم ديننا على الوجه الصحيح وألهمنا الرشد والقبول.
والله أعلم.
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=68470