لم يقتصر خيرهم وعطاؤهم على المحتاجين والفقراء.. لكنهم قرروا أن يجسدوا المعنى الحقيقي لكرم ديننا الحنيف وروعته وشموليته.. اتفقوا على أن يقدموا نموذجا لرجال الأعمال المسلمين الواعين بقضايا أمتهم الراغبين في تحمل المسئولية الاجتماعية والإنسانية تجاه أبناء مجتمعهم.. إنهم أصحاب جمعية "كرم الإسلام الخيرية" الذين فتحوا أبواب الخير أمام عشرات الآلاف من الشباب والنساء والشيوخ والأطفال من المحتاجين وغيرهم.
البداية كانت منذ ما يقرب من 17 عاما عندما اتفق 27 من رجال الأعمال القادرين على إنشاء جمعية خيرية تفيض بخيرها على الجميع وتشمل بعطفها ورعايتها فقراء المسلمين وأيتامهم وذوي الحاجة منهم فقيرا كان أم غنيا.
لم يكن الأمر مجرد أموال يتم توزيعها على الفقراء.. لكن فكرة الجمعية قامت على بحث ودراسة وإستراتيجية تضمن استمراريتها وتوسعها في المستقبل وتحقيق أكبر قدر ممكن من النفع على أكبر عدد من الناس وفق أولويات احتياجاتهم.. لذا قام أصحاب الجمعية منذ إنشائها بوضع مجموعة من الأهداف السامية لها. وترافقت تلك الأهداف مع دراسة احتياجات المواطنين المختلفة وتصنيفها طبقا لأهميتها.. وجاء إطعام الطعام وكفالة الأيتام وتجهيز الشباب غير القادرين للزواج في صدارة قائمة الأولويات.. ومن هنا انطلقت خطة الجمعية للسير بخطى ثابتة نحو تحقيق تلك الأهداف.
فبدأنا بإقامة مائدة مفتوحة طوال العام بمنطقة الجبل الأصفر.. تستقبل تلك المائدة كل جائع بصرف النظر عما إن كان فقيرًا أو غنيا فهي مفتوحة أمام الجميع.. وتستمر في تقديم وجباتها طوال اليوم بدءًا من الصباح الباكر وحتى نهاية اليوم، حيث تقدم طعام الإفطار والغذاء والعشاء لتحقق أهم أهداف الجمعية وهي تجسيد القيمة الحقيقية لمعنى الكرم في الإسلام.
وبمرور الوقت تحولت المائدة إلى منزل يلتقي فيه الفقير والغني وانضمت إليها آلاف الأسر وعابري السبيل من أهالي منطقة الجبل الأصفر والسيدة عائشة ومدينة نصر.. والتحم الجميع في صورة مبهره لفتت أنظار الكثيرين ولاقت المائدة دعما ورعاية وحرصا شديدا من سكان المنطقة فأصبحت بالنسبة لهم منزلا وملتقى ودارا لفقرائهم ومصدرا لإطعام أغنيائهم.
الدكتور حمدي طه رئيس مجلس إدارة جمعية كرم الإسلام يتحدث عن الجمعية وأهدافها وأنشطتها ويبدأ بالمائدة ويقول.. هنا في الجمعية وبالتحديد على المائدة المفتوحة تستطيع أن تتلمس المعنى الحقيقي للتكافل فهي تضم بين جنباتها مختلف الفئات الكل يشعر هنا بالألفة وعدم الحرج.. والكل أيضا يساهم ويقدم ما يستطيع، ودفعنا نجاحنا في المائدة إلى البحث عن طريقة لتوسيعها.. وكان شهر رمضان فرصة مناسبة لهذا الغرض لذلك أقمنا 128 مائدة تمتد من مدينة السلام شرق القاهرة وحتى المنيل بالجيزة، ورأينا ثمار إقامة تلك الموائد بأعيننا.. فلا يمكن أن تشعر بأهميتها ومدى الخير الذى تقدمه للناس إلا إذا وقفت بين روادها.. ستشعر بسعادة غامرة يصعب وصفها قولا.. لكنها تحتاج منك إلى أن تجرب بنفسك.
ويضيف د.طه: بمجرد أن بدأنا في تنفيذ فكرة الموائد سواء المائدة المفتوحة أو مائدة رمضان.. التف حولنا رجال الخير والمتبرعون والمتطوعون.. واكتشفت أنا شخصيا أن نقطة خير واحدة كفيلة بأن تفجر حولها آلاف النقاط وأن تفيض من حولها.. فقط على الإنسان أن يبدأ في فتح باب الخير وسيجد العون والسند من الله.
التوسع في النشاط
ويستكمل د.طه الحديث عن الجمعية قائلا.. بمرور الوقت بدأ نشاط الجمعية يتسع لتتحول من جمعية صغيرة إلى مؤسسة خيرية اجتماعية ضخمة تضم داخلها أنشطة متعددة ومميزة.. فرعاية الأيتام في الجمعية لها نظام مختلف كثيرا عن جمعية أخرى بمعنى أن الجمعية تتكفل بالأيتام منذ طفولتهم وحتى زواجهم بما في ذلك من رعاية مالية وتعليمية وطبية وعند زواجهم تساعدهم في التجهيز، سواء كان اليتيم ولدا أو بنتا.. ولا يقتصر الأمر عند التجهيز لكنا أيضا نقيم لهم حفلات زفاف كبيرة في نادي المقاولون العرب وغيره.. ونتابعهم بعد الزواج ونطمئن عليهم باستمرار ومعظم من ساعدتهم الجمعية على الزواج يعيشون حياة مستقرة، ولم ينقطعوا عن الجمعية بل يحاولوا دائما أن يقدموا لها كل ما يستطيعون من خدمات.
وكل فترة نعيد تقييم التجربة.. لنتأكد من مدى نجاحها.. وخلال الأيام القادمة ستقوم بدعوة 10 ألاف شاب وفتاة ممن ساعدناهم على الزواج لحفل إفطار جماعي بنادي المقاولين.. وسندعو إليه بعض الشخصيات العامة ورجال الخير.. وسنترك الشباب والفتيات ليرووا لنا قصتهم وما هم عليه الآن.. وكيف أصبحوا فنحن نريد أن نشجع الجميع على الإقدام دون توان أو تردد على فعل الخير.. نريد أن نقول لمن يحتاج المساعدة إن هناك حقوقا لك عند القادرين ولا حرج في أن يمدوا أيديهم إليك بالعون والمساعدة؛ لأن ذلك جوهر ديننا العظيم.. فالهدف من التكافل في الإسلام أن يصح الجميع.. وأن يجد كل فرد ملبسه ومأكله وأن يعيش حياة كريمة ليصبح قادرًا على العطاء ليصب ذلك في النهاية في صالح المجتمع.. وهو ما تسعى إليه الجمعية.
ويضيف: لقد استمرت الجمعية في تتبع احتياجات المجتمع حسب أولوياته. فأدركنا أهمية التعليم في حياتنا في ظل ظروف محلية ودولية لم يعد لأي أمي مكان بها.. خاصة أن غير المتعلم الآن أصبح عائقا أمام تقدم مجتمعه.. لذا فقد بدأنا على الفور في إنشاء فصول لمحو الأمية في مناطق عديدة بمدينة نصر أبرزها عزبة العرب والهجانة ومناطق أخرى بالحى السادس والعاشر.. وأعددنا خطة لتشجيع الفقراء على الالتحاق بالفصول وشرحنا لهم كيف سيستفيد أبناؤها من تعليمهم.. كنا نريد أن نوصل لهم رسالة بأن عليهم أن يختاروا مستقبلا أفضل لأبنائهم. ووجدنا تعاونا منهم ومن جهات عديدة. وقدمنا حوافز مادية لهم وكانت النتيجة رائعة. وما زالت الفصول مستمرة حتى الآن.
وبدأنا بعد ذلك نبحث في اتجاهات أخرى للخير.. ورأينا أن هناك موهوبين في مجالات كثيرة لكن فقرهم يمنعهم من تنمية مواهبهم.. فقررنا احتضان هؤلاء الموهوبين وبدأنا بموهوبي كرة القدم.. فأنشأنا مدرسة لرعايتهم وتنمية قدراتهم.. وقام مندوبونا بجولات في الشوارع يبحثون عنهم لينضموا إلى المدرسة ولم نتقيد في ذلك بالمؤهل الدراسي.. وألحقنا الموهوبين بالمدرسة وساعدناهم بعد ذلك في الالتحاق بنوادٍ كبيرة أبرزها نادي المقاولون العرب والنادي الأهلي.
ويضيف.. لقد شاهدت في رحلة الخير مع الجمعية أشياء غريبة.. فكلما بدأنا في مشروع خيري جديد انفتحت كل الأبواب أمامنا وذللت كل العقبات والصعوبات.. وشجعنا ذلك على الاستمرار.. فخلال الأيام القادمة ندرس شراء شقق للشباب الفقير لتزويجهم ونحاول الآن توفير التمويل اللازم له.
معوقات العمل الخيري
وأسأل الدكتور طه.. لكن في رأيك ما هي المعوقات التي تواجه العمل الخيري في مصر؟
سر نجاح العمل الخيري يتلخص في عنصرين أساسين هما الإخلاص والقدرة، فإخلاص النية لله تيسر كل صعب وتقهر المستحيل والقدرة المادية تجعلنا نمشي بخطى ثابتة وقوية وتشجع الجميع على مساعدتك وتضمن استمرار مشروعك الخيري.
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=68484