أميـة جحـا: بريشـة الفنان ننقل واقعنا الانساني

اميه جحا فنانة الكاريكاتير الفلسطيني

بريشتها نطقت فلسطين الحزينة، وبخطوطها ترجمت بعضًا من أحاسيس الوطن ودموعه،  ونقشت مفتاح العودة -رمز فلسطيني للدلالة على التمسك بحق عودة اللاجئين- إلى جانب اسمها ليكون شعارًا لها ولرسوماتها.
 
ولكن الفنانة "أمية جحا" رسامة الكاريكاتير الفلسطينية لم تقف عند حد إمساكها بريشة الفنان والتحدث بلغة الواقع، وقررت أن تخط أبجديات صناعة جيل بأكمله من فناني الكاريكاتير والرسوم المتحركة كي يحتفظ الطفل الفلسطيني بماضية وذاكرة الوطن وجذور الأرض.
 
وطوال مشوارها الفني تمكنت من ترجمة أحاسيس الوطن وأحلامه الضائعة وعن حكايتها مع الفن, ودورها في إيصال معاناة مدينتها المكتوية بنار الحرب والحصار كان لـ"نافذة الخير" اللقاء التالي معها.
 
وفيما يلي نص الحوار:
* بطاقة تعريفية عن الفنانة أمية جحا؟
أمية جحا فنانة ورسامة كاريكاتيرية من مواليد فبراير 1972 بمدينة غزة, تخرجت من قسم الرياضيات بجامعة الأزهر بغزة عام 1995م بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى على الجامعة. وتزوّجت من المهندس رامي سعد الذي استشهد في الأول من مايو 2003، ورزقت منه بطفلة اسمها نور, وبعد ثلاث سنوات تزوجت من المهندس وائل عقيلان والذي استشهد نتيجة رصاصة إسرائيلية استقرت في أمعائه مسببة له معرض عضال كان المسبب الرئيسي لوفاته، بعد منع "الحصار" سَفره عبر المعبر للعلاج في أي دولة عربية.
أرسم في العديد من الصحف المحلية والعربية والمواقع الإخبارية لأكون أول رسامة كاريكاتير في فلسطين والعالم العربي تعمل في صحيفة سياسية يومية, عملت معلمة للرياضيات لمدة ثلاث سنوات ثم استقلت عام 1999 لأتفرغ للرسم.
وشاركت في العديد من المعارض المحلية والعربية والدولية، وفزت بالمرتبة الأولى على محافظات فلسطين بالكاريكاتير في مسابقة الإبداع النسوي التي أقامتها وزارة الثقافة في مارس 1999م.
أسست شركة "جحا تون" لإنتاج لرسوم الكرتون في عام 2005, وفي عام 2010 أصدرت مجلة "يزن" للأطفال.
عضوة في جمعية الفنانين التشكيليين، وعضوة في جمعية ناجي العلي للفنون التشكيلية في فلسطين. وحصلت على جائزة الصحافة العربية لعام 2001م لأفضل رسم كاريكاتير نشر عام 2000م, وحصلت على الجائزة الكبرى في مسابقة ناجي العلي الدولية للكاريكاتير والتي تنظمها جمعية التضامن مع الشعب الفلسطيني في تركيا بالتعاون مع مجموعة “هومور” للفكاهة والكاريكاتير في 2010.
 
*  حديثنا عن بدايتك مع الرسم والكرتون؟
بدايتي مع الرسم الكرتون منذ الطفولة حيث كنت أولي كل اهتماماتي بالرسم والفن التشكيلي خلال مراحل التعليم الابتدائية والإعدادية والثانوية, وقد كنت ألقى تشجيعًا من كافة أفراد العائلة؛ لأنني ما كنت أترك جدارًا في البيت أو حتى أرضية إلا وخربشت عليها، حتى الدفاتر والكتب.
وأولى سنواتي في الرسم كانت عادية؛ حيث كنت أرسم مناظر طبيعية وأشخاصًا ووجوهًا وتقليدًا لرسومات كارتون، وكذلك لرسومات رسامي الكاريكاتير التي كنت أراها على صفحات الجرائد، وخاصة الفنان الراحل ناجي العلي، وكذلك الفنان الراحل محمود كحيل.
وفي عام 1987 اغتيل الفنان ناجي العلي وكنت آنذاك في الخامسة عشرة من عمري وكان لخبر وفاته أثر كبير في حياتي؛ فقد دفع حياته ثمنا لأداء هذه الرسالة والقيام جعلني أوقن أن الفن ينبغي ألا يكون لطلب الشهرة وإنما رسالة يؤمن بها الإنسان.
وبدأت رسم الكاريكاتير في المرحلة الجامعية؛ حيث إنها مرحلة تتيح للطالب أن يعبر عن ذاته وموهبته، وتعطيه نوعًا ما مساحة لإبراز هذه الموهبة، وقد كان للتشجيع والإعجاب الذي أجده من الزملاء أو المدرسين دور كبير في المتابعة والتجديد، وكذلك الأهل الذين كانوا الحضن الأول لهذه الموهبة.
 
إبداع لنقل الواقع
* "لو لم أولد فلسطينية لما أصبحت رسامة كاريكاتير" وأنت تكررين هذه العبارة هل كان يمر في مخيلتك أنه من رحم الألم يولد الإبداع؟
نعم فمن رحم المعاناة يولد الإبداع، والفنان لأنه مرهف الإحساس والمشاعر يكاد يكون أصدق الناس في التعبير عن هذه المشاعر، وعما يعانيه شعبه ووطنه؛ فكانت الانتفاضة وكان الجرح الكبير الذي ينزف يوميًّا؛ لذا صرت أقرب للناس وأكثر إحساسًا بهم, و أسهمت انتفاضة الأقصى على وجه التحديد في تطور أدائي كفنانة وتطور ريشتي وأفكاري.
ولأن القضية الفلسطينية لا تأخذ بعدًا محليًّا أو عربيًّا فحسب، بل بعدًا عالميًّا، وكون ريشتي أسخرها لخدمة هذه القضية كان ظهوري أمرًا عاديًّا، ولكن الأمر غير العادي كوني امرأة اشتهرت في مجال مقصور على الرجال.
للمعاناة والأحزان دور كبير في بروز موهبتي وحظ وافر في شهرتي, فعندما استشهد زوجاي " أصبحت صاحبة لقب: زوجة الشهيدين، وهذا اللقب عندما يقترن بي كرسامة كاريكاتير أيضًا يعطيني بعدا أكبر من المصداقية والمهابة في قلوب الناس، فضلا عن أنني أصبحت أكثر إحساسًا بمعاناة شعبي، وأكثر اندماجًا في الهم الواحد، ومن ثَم صارت الريشة أكثر قوة وتعبيرًا وصدقًا، وأكثر إبداعًا، وأكثر حزنًا في أغلب الأوقات.
 
حلم العودة
* نقشت الفنانة أمية جحا "مفتاح العودة" ليكن شعاراً لها ولرسوماتها, فلماذا المفتاح بالذات؟
"مفتاح العودة" الذي أضعه في كل لوحة أرسمها لكي يبقى حق العودة نبراساً في ظلمة الزمان، وجرساً يدقّ في عالم النسيان ويجب أن نذكره دائماً ونعيد التذكير به في كل مراحل حياتنا، حتى في هذه الفترة العصيبة من الألم التي نحياها، فهو حق مقدس لن تنازل عنه.
والمفتاح هو رمز فلسطيني للدلالة على التمسك بحق عودة اللاجئين وحق العودة حق ثابت أصيل، سنبقى ندافع عنه حتى آخر يوم من حياتنا وقطرة دم، وهو هدف يسعى إليه كل الفلسطينيين وبطرقهم المختلفة.
 
* قبل أعوام افتتحت الفنانة أمية شركة "جحا تون" للكرتون ومنذ أشهر مجلة "يزن" للناشئة؟ فكيف استخدمتهم للتأثير على الأطفال وإبراز معاناتهم للعالم؟
في عام 2005 أنشئت شركة "جحا تون" لأنني مولعة بمواكبة كل ما هو جديد في حقل رسوم الكرتون؛ لأنه أكثر الوسائل جذبًا للصغار وقدرة على التأثير في نشأتهم وسلوكهم التربوي.
وأول أهداف الشركة هو احتضان الأطفال ممن لديهم موهبة في رسم الكرتون، وتنميتها وتدريبها للارتقاء بها إلى عالم فن الكاريكاتير؛ فالكرتون هو نواة الكاريكاتير وأنا بدأت من حيث هذا العالم؛ فكنت أرسم الكرتون وأكتب قصص الأطفال، وخطوة خطوة اكتملت لدي الموهبة.
أما ثاني أهدافنا  فهو إنتاج أفلام الكرتون, ففي الآونة الأخيرة غزت برامج الكرتون المستوردة عقول أطفالنا، ولم يَعُد يخفى على أحد مدى سموم التغريب والانحراف، فكان لا بد أن نتحرك لنرسم  كرتون إسلامي عربي وطني يعبر عن ذاتنا وهويتنا، برامج تربي أطفالنا على موائدنا لا موائد الغرب، وتغذيهم بالأفكار الحميدة الإيجابية.
والمخطط الإسرائيلي الآن هو أن ينسى الطفل الفلسطيني ماضيه وأرضه وحلم العودة، وأن ينسلخ عن ماضيه وحدود وطنه وسنبذل قصارى جهدنا كي يحتفظ الطفل الفلسطيني بذاكرة الوطن وجذور الأرض.
 
* "حكاية مفتاح" فيلم كرتوني من إنتاج شركتكم وأثار ضجة عالمية, ما هي الرسالة التي وجهتيها من خلاله؟
نحن شركة "جحا تون" و أنتجنا هذا الفيلم خصيصاً لتبقى قضية اللاجئين حية في وعي وذاكرة أبناء فلسطين في مواجهة المحاولات الإسرائيلية لمحو هذه الذاكرة وتهويدها, من خلال الفيلم نزرع في الطفل الفلسطيني المفاهيم الوطنية الأصيلة لكن على وعي بكل ما يجري حوله وبكل الخطط التي تحاك بالقضية الفلسيطينة.
فإسرائيل تزرع في صغارها كراهية العرب والمسلمين وتزور الحقائق والتاريخ وتنشئهم على حب قتل الفلسطينيين وانتزاعهم من أرضهم, ونحن أصحاب الأرض الحقيقيين يجب أن نغرس في أطفالنا حب الأرض والدفاع عن واسترجاع مقدساته.
 
تأثير الفن
* البعض يقول أن الفن يستطيع أن يصنع ما لم تقدر على فعله السياسة, فما تعليقك على ذلك؟
أنا على قناعة أن للفن دور كبير في الحياة بصفة عامة وفي كل مرة كنت أرسم فيها كنت أحدث نفسي ماذا ستفعله تكب الصورة والألوان هل ستؤثر على حياة الناس وأفكارهم؟, أم أنها ستغير حدة الأوضاع السياسية؟.
ولكلٍ منا دوره في تغير الأوضاع وحياة الناس وفي مقاومة المحتل فالسياسي له دور والمقاوم على أرض المعركة يحمل البندقية والرشاش, والفنان والرسام سلاحه هو قلمه وريشته وكلمته ويجب على الكل أن يأخذ وضعه ومكانه الصحيح.
 
* ما هي طموحاتك المستقبلية؟
أنا أطمح للكثير من الأشياء فلدي مخزون كبير من الطموحات والأحلام والأمنيات، أتمنى أن أترجمها إلى  أشياء ملموسة ولا أحتكرها لذاتي، بل تكون بصمة نتركها لمن خلفنا ليسيروا ذات الطريق والدرب.
طموحي في مجال الرسوم المتحركة وصناعة الكرتون في شركة "جحا تون لرسوم الكرتون"، فالكاريكاتير هو رسم يعبر عن حدث بشكل ثابت فهو مولود صغير بالنسبة إلى الكرتون، في حين أن الرسوم المتحركة تصنع أحداثاً ولها تأثير سحري على عقول الأطفال والناشئة.
وصانع رسوم الكرتون العربي يحمل رسالة أعظم من رسالة رسام الكاريكاتير, وعن طريق أفلام الكرتون نزرع في الصغار القيم والمبادئ التي من الصعب زحزحتها من عقولهم الصغيرة