أزمات نفسية يواجهها أطفال غزة من جراء الحروب الإسرائيلية

تعاني شريحة واسعة من الأطفال في قطاع غزة من أوضاع نفسية صعبة نتيجة الحروب الإسرائيلية المتتالية على القطاع، ولا سيما تعرض المئات من الأطفال للاستهداف المباشر من قبل الطائرات الإسرائيلية، وهذا ما بات واضحاً وموثقاً بالصور الحية خلال الحروب الماضية، إضافة إلى أصوات الانفجارات في المناطق المأهولة بالسكان والتي أحدثت فزعاً وهلعاً في صفوف الأطفال.
وشهد التصعيد العسكري الأخير على قطاع غزة مطلع ايار/مايو الجاري تسجيل عدد من الشهداء والإصابات في صفوف الأطفال، إضافة إلى تسجيل نسب مرتفعة في أعداد الأطفال ممن هم بحاجة إلى تدخل من قبل الأخصائيين النفسيين، لمعالجة الآثار النفسية التي أصابت الأطفال، حيث شرعت مدارس المرحلة الابتدائية والإعدادية في تنفيذ حصص تفريغ نفسي، في محاولة للحد من تفاقم الضغوط النفسية الواقعة على الأطفال، خاصة وهم مقبلون على اختبارات دراسة نهاية العام.
وتظهر الآثار السلبية النفسية على الأطفال من خلال أمور عدة، ومنها تغييرات في الدورة الطبيعية للنوم الخوف والهلع الليلي وهلوسات، إلى جانب اضطرابات مرتبطة بالتغذية في رفضهم للطعام وانخفاض الوزن واضطرابات في النمو وتغييرات عاطفية، حيث يخاف الأطفال أن يناموا ليستيقظوا على أصوات الطائرات والرصاص، بالإضافة إلى المشاكل المرتبطة بالخوف كالخوف من الظلام.
ووفق تقديرات من جهات رسمية مختصة بالصحة النفسية في قطاع غزة، فإن عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى مساعدة تتعلق بالصحة النفسية يمثل نحو ربع سكان القطاع البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة، والذين يعيشون تحت حصار إسرائيلي وحروب متكررة، في وقت أشار تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف حول الصراع في فلسطين وأثره على الأطفال الفلسطينيين، إلى أن الحرب تشكل آثاراً وضغوطاً نفسية متزايدة على جميع الأطفال، وتزداد الضغوط مع استمرار الحروب على قطاع غزة.
ووفق تقديرات خبراء ومختصين نفسيين، فإن هناك صعوبة كبيرة في احتمالية تعافي الأطفال المصابين بالضغوطات النفسية وحالات الهلع المتكررة، ويعود ذلك إلى الحروب الإسرائيلية المتكررة على القطاع، حيث أنه ومنذ العام 2008 تعرضت غزة لأكثر من 7 حروب عدا عن التصعيدات المحدودة، وتكرار الهجمات الإسرائيلية يعمق من الضغوط الواقعة على الأطفال.
ويقول المختص في علم النفس الدكتور درداح الشاعر إن جهودا كبيرة تبذل من قبل الجهات ذات الاختصاص في غزة لاحتواء الآثار النفسية السيئة الواقعة على الأطفال من جراء الحروب الإسرائيلية، وتعرض الأطفال لسماع دوي الانفجارات الضخمة، وتعرض منازل المدنيين للاستهداف المباغت بالصواريخ الإسرائيلية، وهذا أفرز حالات هلع ما زالت راسخة في أذهان الأطفال.
وقال لـ«القدس العربي» إن مدارس الأونروا تعمل على محاولة تخفيف الآثار النفسية السلبية الواقعة على الأطفال، من خلال إنشاء برامج صيفية لطلبة المدارس خلال الإجازة المدرسية، وتهدف هذه البرامج لتخفيف الضغوط النفسية عن الأطفال الذين يعانون من بعد ما الحروب الإسرائيلية، من خلال بث روح التنافس وإعطاءهم نوعا من الثقة بالنفس كي يعودون أشخاصا طبيعيين.
وأوضح أن الأهالي يشتكون من أوضاع نفسية يتعرض لها أبناؤهم أثرت على مستوى التعليم لديهم، ومن أبرز الأعراض التي باتت مشتركة لنسبة كبيرة من الأطفال، قلة النوم والقلق والتبول اللاإرادي، فضلا عن الميل إلى ملازمة أولياء أمورهم وتحاشي الخروج في الأماكن المفتوحة، والخوف عند سماع أصوات الطائرات التي تحلق في سماء قطاع غزة، ورفضهم الدراسة بسبب التشتت الذهني الذي يتعرضون له.
وتابع أن حالات العلاج بعضها بالإمكان حلها بنفس اليوم، وهناك حالات نفسية أخرى تأخذ وقتا أطول وذلك حسب الحالة التي يمر بها الطفل، وهو ما يعني أن هناك مشاكل تتطلب عقد جلسات متابعة للوصول إلى حل نهائي للضغوط الواقعة على المصابين.
ويقول صالح محمود والد أحد الأطفال الذين يدرسون في المرحلة الابتدائية «أبلغت من خلال المرشد التربوي في المدرسة أن طفلي يمر بمشكلة نفسية، من خلال عدم مشاركته الفعالة مثل بقية الطلاب، وهذا ناجم عن الواقع الذي يعيش فيه أطفال غزة من حروب وحصار، وتأثير ذلك سلباً على حياتهم النفسية وتراجع مستوياتهم التعليمية».
ويضيف لـ«القدس العربي» أن «السبب الذي أوصل طفله إلى الحالة النفسية الحالية، هو تعرض الحي الذي نسكن فيه لضربات إسرائيلية عنيفة خلال الحرب الأخيرة وبالتحديد خلال فترات الليل، حيث أن أطفالي كانوا يفزعون خلال القصف من شدة صوت الانفجارات».
ويخشى محمود من تراكم الآثار والضغوط النفسية على طفله وباقي الأطفال، في ظل وجود احتمال كبير لعودة التصعيد الإسرائيلي مجدداً على غزة، ووجود تهديدات إسرائيلية جدية بتوجيه ضربات جديدة، ما يكرس صعوبة الأوضاع النفسية على كافة المواطنين وليس فقط الأطفال.
وطالب المؤسسات المختصة بالإرشاد النفسي والتربوي، بالعمل على توسيع الدورات ومحاولة تخفيف الآثار النفسية التي تعاني منها نسبة كبيرة من الأطفال، وذلك باستغلال الإجازة الصيفية الحالية للمدارس، من أجل تأهليهم لاستقبال العام الدراسي المقبل بطاقة نفسية إيجابية.

المصدر: القدس العربي