تحولات كبيرة في السنوات الأخيرة، ألمّت بمخيم اليرموك الذي يعد أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا، والبالغ مساحته كيلومترين مربعين، وعدد سكانه 200 ألف فلسطيني، قبل نشوب الأحداث وتهجير أهله منه، وسط مخاوف من اندثار المخيم، في حين أن أهله يصرون على العودة إليه.
المخيم الواقع جنوب العاصمة السورية، ينحدر معظم سكانه من قرى أقضية: الجليل، وقرى حيفا، وصفد، وطبرية، والناصرة، وعكا، والعديد من مدن وقرى فلسطين، ورغم كونه أكبر تجمع للفلسطينيين في سوريا إلا أن “أونروا” لا تعده مخيمًا رسميًّا.
التهجير
“المركز الفلسطيني للإعلام”، حاور الدكتور محمد سلمان -ناشط ومتخصص بشؤون مخيم اليرموك- قال: إن أهالي المخيم خرجوا منه جماعيًّا بعد عدم توفر الأمان داخله بعد تعرضه للقصف بتاريخ 17-12-2012، وسيطرة المسلحين عليه كاملًا.
وأوضح في مقابلة شاملة مع “المركز الفلسطيني للإعلام” أن ما دفع الأهالي للخروج الجماعي من المخيم هو الخوف من اشتداد المعارك فيه، وتحوله إلى جبهة ساخنة، يذهب ضحيتها الأهالي، خصوصًا بعد استشهاد الكثيرين من الأهالي في مجازر مثل شارع الجونة برمضان، واستشهاد 30 لاجئًّا، ومجزرة قبو جامع عبد القادر الحسيني وراح ضحيتها 300 شهيد.
وبعد انتهاء الأحداث، يؤكد سلمان أنه حتى الآن لم يعد إلى المخيم إلا عددٌ قليل، ولا توجد إحصائيات رسمية بعددهم، وعلى الأغلب عددهم 1200 عائلة، بحدود 6000 فلسطيني.
عدم العودة!
وأرجع سلمان أن عدم عودة الأهالي إلى المخيم بسبب استمرار “العفيشة” أي اللصوص الذين لا يردعهم أحد ومدعومون (من جهات لم يحددها) بعلنية السرقة، إضافة لعدم توفر الخدمات الحقيفية.
وتابع: كذلك عدم تعزيل كل المخيم من الردم والركام، وتركت أحياء كثيرة دون ترحيل وتشكل ثلث المخيم وأكثر، وهي أحياء: العروبة والتقدم و8 آذار، وأحياء كثيرة بغرب اليرموك والمخيم القديم نفسه.
ويشير إلى أن منظمة التحرير تتحجج بعدم وجود تمويل لمتابعة تعزيل هذه الأحياء، والآن وقفت أعمال التعزيل كافة، وزاد الطين بلة أنه طلب من الأهالي رمي الردم من بيوتهم إلى الشوراع.
وتابع: سُدت الكثير من الشوارع جراء إلقاء الردم من البيوت، علمًا أن معظم هذه الأحياء كانت نظيفة، مشيرًا إلى أن هذه الأحياء كان من الواجب تعزيلها أولًا؛ لكون أهلها من الفقراء، وكان من الممكن عودتهم سريعًا.
وفي 26/5/2018 خرج قرارٌ من القيادة السياسية في دمشق بوجوب عودة أهالي المخيم فورًا، وآخرها قرار من الرئيس السوري بشار الأسد قبل عام من الآن، الذي بلغه لناجي طلال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، والذي بدوره بلغه لفعاليات المخيم، وفق محمد سلمان.
وقال: “ومنذ تاريخ تحرير المخيم في 2018، شُكلت لجنة أولى من السادة: طلال ناجي الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، والمرحوم أبو عماد الخالدي سفير دولة فلسطين بدمشق، وأبو أحمد فؤاد نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وفادي سليمان من الجبهة الديمقراطية، ومهمتها التواصل مع القيادة السورية بخصوص المخيم، بالإضافة لعلي مصطفى أبو فراس رئيس هيئة اللاجئين العرب الفلسطينيين بدمشق”.
ووفق الناشط؛ فهذه اللجنة انبثق عنها لجنة ثانية وهي الفعالة وتتألف من 4 أشخاص، وهي التي ارتكبت الأخطاء الميدانية تجاه العمل بالمخيم رغم أنها أنجزت تنظيف أجزاء من المخيم.
وتتكون اللجنة من المهندس محمود الخالد، والمتعهد سامر الشهابي رئيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني بسوريا، وأبو علي الصالح المسؤول المالي الفعلي للجنة، وأبو شادي العم رئيس نقابة المتعهدين في سوريا سابقا.
وأشار سلمان إلى أن هذه اللجنة أخطأت بحق بعض الأحياء بالإيعاز برمي ردم البيوت للشوارع، ولحتى الآن بقيت الشوارع مغلقة.
معيقات الإعمار
وبشأن المعيقات لإعادة إعمار مخيم اليرموك، أشار إلى أن المعيق الأول هو محافظة دمشق، وعوز التمويل من كل الجهات، وتقصير أونروا، وعدم اهتمام منظمة التحرير، وضعف الفصائل وقيادتها بسوريا، خصوصا أن أغلب تلك القيادات لا تسكن المخيم.
وأكد أن المعيق الأكبر هو استباحة المخيم من اللصوص الذين يعرفون بالعفيشة، وسرقة أملاكه في وضح النهار دون حسيب أو رقيب، وعدم الجدية بتنفيذ الخدمات عمليًّا و جديًّا.
وقال: هناك دراسة أعدت لتكلفة تنظيف باقي أحياء المخيم، وقدّر المبلغ بـ250 ألف دولار أمريكي، وهو مبلغ زهيد لمنظمة التحرير، إن نوت أن تساعد مخيم اليرموك.
وفي السياق، قال محمد سلمان: إن المخيم سيعود لأهله عاجلًا أم آجلا، ولا يمكن أن يزول أو يتلاشى خصوصا بعد رفع خطر المخطط التنظيمي التدميري، ونجاح ناشطي المخيم بالدفع باتجاه هذه الإلغاء للمخطط التنظيمي الذي قاده المكتب التنفيذي لمحافظة مدينة دمشق برئاسة عضو المجلس رئيس دائرة الخدمات فيه سمير جزائرلي، والذي أبعد عن المكتب التنفيذي مؤخرًا بقرار من القصر الجمهوري.
وقال: سمير فعل الأفاعيل بالتآمر مع تجار برجوازيين وارتشى منهم، مقابل استباحة أرض المخيم، وإحالتها لعوائل من الميدان والتي تحلم باسترجاع المخيم لهم بعد أن باعوا أرضه لـ”أونروا” منذ 60 عامًا.
المجلس التنفيذي واللجنة المحلية
وأوضح سلمان أن المكتب التنفيذي بمحافظة دمشق لا يمثل المخيم، وفرض فرضا خلال الأحداث بصيغة خدمات لمخيم اليرموك، لكن ما اكتشفناه أن الموضوع كان احتواء وسيطرة، وفق قوله.
أما بالنسبة للجنة المحلية فهي من أهل المخيم، ويجب أن تعود لتخدم أهلها بجدية، وهذا مطلب مهم جداً وعنوان حقيقي لعودة المخيم لوضعه السابق.
وكان نشطاء فلسطينيون في سوريا، أعربوا عن ارتياحهم لقرار صدر من الرئاسة السورية، بإقالة كل أعضاء المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق، وتتولى إدارة أمور مخيم اليرموك، بدلًا من اللجنة المحلية التي كانت تتولى هذه المهمة.
وأشار سلمان إلى أن القرار جاء عقب رفض مجلس الوزراء السوري، طلبا تقدم به المكتب التنفيذي في محافظة دمشق، بتاريخ 18 أيار/مايو الماضي، لاستئناف العمل بالمخطط التنظيمي الجديد لمخيم اليرموك، والذي كان يهدد المخيم وجوديا.
واتهم سكان مخيم اليرموك، أعضاء المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق، بعرقلة عودتهم من منافيهم التي لجؤوا إليها هربا من المواجهات المسلحة التي كانت سائدة خلال السنوات الماضية، “ومحاولتهم تمرير المخطط التنظيمي الجديد، بالتواطؤ مع بعض التجار المنتفعين من تدمير المخيم”.
وكانت محافظة دمشق، أعلنت في 25 حزيران/يونيو 2020، عن مخطط تنظيمي لإعادة إعمار مخيم اليرموك على 3 مراحل، ضمن مدة زمنية تمتد لـ 15 عاما؛ الأمر الذي كان سيتسبب بتغيير تنظيمه الهندسي كثيرًا، واختفاء شوارع وحارات، بما فيها من منازل ومرافق وأسواق، وبما يهدد كيان المخيم ورمزيته المتعلقة بالقضية الفلسطينية، بحسب نشطاء.
وتشكلت “اللجنة المحلية”، التي يطالب أهالي مخيم اليرموك بإعادتها، بقرار صادر عن مجلس الوزراء السوري عام 1964، والذي أتاح للّجنة المحلية إدارة المخيم بشكل مستقل، وأعطاها صلاحيات مشابهة تماماً لمجالس البلديات في سورية، إلا أنها لا تتبع لأي محافظة، ويرأسها مواطن “فلسطيني”، تعينه “الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب” بالتعاون مع “القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي/ التنظيم الفلسطيني”.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=137154