جنباً الى جنب مع محاولات إسرائيل تهويد الزمان والمكان الفلسطينيين؛ يستمر الاحتلال في عملية تهويد المساجد في مناحي فلسطين عبر إغلاقها أو إحراقها أولاً؛ على يد مجموعات إرهابية من المستوطنين؛ ويعتبر ذلك حلقة في إطار سلسلة متكاملة وممنهجة من الاعتداءات على المساجد في فلسطين بغرض تدميرها وتغيير أهم المعالم الإسلامية لتهويدها في نهاية المطاف وطمس الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني .
ترسيخ يهودية الدولة
محاولة منها لتهويد المساجد في فلسطين؛ عملت المؤسسة الصهيونية بداية جاهدة من أجل السيطرة على أراضي الوقف الإسلامي؛ ففي عام 1948 بلغت مساحة أراضي الوقف الخيري الإسلامي في فلسطين 178 ألفا و677 دونماً. وقامت السلطات الإسرائيلية بوضع خطط بعد العام المذكور لمصادرة وتهويد تلك الأراضي والممتلكات والمواقع، وقد تم ذلك بالفعل عبر اتباع سياسات محددة يمكن إجمالها بما يلي:
ـ حلت إسرائيل المجلس الإسلامي الأعلى ولجنة الأوقاف الإسلامية؛ كما أصدرت قوانين جائرة للسيطرة على الأراضي الفلسطينية، ومن بينها ما يسمى قانون أملاك الغائبين، وسيطرت السلطات الإسرائيلية من خلاله على ممتلكات الأوقاف.
إضافة إلى ذلك تم إنشاء سلطة التطوير الإسرائيلية التي وضعت يدها على الأوقاف الإسلامية، من خلال شراء تلك الأوقاف من حارس أملاك الغائبين، الأمر الذي جعل القسم الأكبر من الأوقاف الإسلامية تحت سيطرة سلطة التطوير.
ومع استمرار محاولات تهويد المساجد في الداخل الفلسطيني وكذلك في الضفة الغربية؛ ودعم الجيش الإسرائيلي للمجموعة الإرهابية المشرفة على ذلك والمسماة “شارة الثمن”، يتأكد بكل وضوح مدى إصرار المؤسسة الصهيونية على ترسيخ فكرة يهودية الدولة عبر تهويد المساجد.
وبالأرقام استطاعت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بين الأعوام من 1948 إلى 1967؛ هدم وتدمير 130 مسجداً في المناطق التي أنشئت عليها إسرائيل، وتمثل نحو 41 ونصف في المائة من إجمالي عدد المساجد في الداخل الفلسطيني البالغ 313 مسجداً؛ وكانت السياسات الإسرائيلية السابقة بمثابة مقدمات لتدمير وتهويد المساجد في الداخل المحتل؛ وقد عزز التوجه الصهيوني القانون الصهيوني الصادر في عام 1953، والذي بموجبه تم تبرير المبيعات من قبل حرس أملاك الغائبين إلى سلطة التطوير، وذلك بغية قوننة المصادرة للأملاك والأوقاف الإسلامية؛ إضافة إلى ذلك بات نحو 8400 معلم عربي إسلامي في مواجهة سياسة التزوير والهدم الإسرائيلية.
بنت على أنقاضها خمّارات ومراقص
من الإجراءات التي اتبعتها السلطات الإسرائيلية لتهويد المقدسات الإسلامية وفي المقدمة منها المساجد؛ القيام بحملة واسعة النطاق طالت عددا كبيرا من المساجد والمقابر الإسلامية في داخل الخط الأخضر، وتمّ تحويل مسجد بئر السبع إلى متحف للآثار، وكذلك هي الحال بالنسبة لمسجد صفد في الجليل الفلسطيني.
وحولت السلطات الإسرائيلية مسجد قرية قيسارية في قضاء حيفا على الساحل الفلسطيني إلى خمارة للشباب اليهود، في حين تمّ تحويل مسجد ظاهر العمر في مدينة طبريا في الجليل إلى مطعم، أما مسجد عين حوض ـ الذي لا يبعد أهل القرية عنه سواء أمتار قليلة ـ فبات مرقصاً ليلياً لليهود. وفي مدينة حيفا حوّل الجيش الإسرائيلي مقبرة الاستقلال هناك إلى حي سكني لليهود.
وثمة محاولات حثيثة من قبل المؤسسة الإسرائيلية منذ السبعينيات من القرن المنصرم لهدم مقبرة قرية بلد الشيخ في جنوب شرق مدينة حيفا على سفح جبل الكرمل، حيث يوجد ضريح الشهيد المجاهد الكبير عز الدين القسام، الذي استشهد في أحراج يعبد قضاء جنين في التاسع عشر من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1935، وهو المجاهد الذي أسس لثورة فلسطين الكبرى عام 1936؛ ولم تتوقف السلطات الإسرائيلية عند هذا الحد، بل قامت بجرف العديد من المقابر الإسلامية في عكا ويافا والأقضية محاولة تهويد المنطقة.
إضافة إلى سياسة هدم المقابر والمساجد وجرفها، قام الجيش الإسرائيلي ـ تحت حجج أمنية وغيرها ـ بتحويل المساجد المقامة التي لم يستطع هدمها داخل الخط الأخضر إلى معابد لليهود. وتشير الدراسات المتخصصة إلى أن الجيش الإسرائيلي حوّل 14 مسجداً إلى معابد يهودية، ومنع المسلمين من الصلاة في 19 مسجدا، لتحول فيما بعد إلى مرتع للقمار أو مطعم أو حظيرة خنازير أو خراف، مثل مسجد البصة ومسجد عين الزيتون في قضاء مدينة صفد، وهناك 50 مسجداً ومقامًا إما مغلقا أو مهملا أو مهددا بالهدم والإزالة من الوجود؛ وفي الضفة الغربية تتكرر ة الاعتداءات على المساجد، وعلى سبيل المثال تم الاعتداء وإحراق وتدمير عشرات المساجد في المدن والقرى في الضفة الغربية، وكان من بينها إحراق الطابق الأول والثاني من مسجد النور في قرية برقة في قضاء محافظة رام الله والبيرة فجر يوم الخميس 15 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2011؛ وقبله بيوم واحد فقط تمّ إحراق مسجد عكاشة في مدينة القدس؛
ولم تتوقف إسرائيل عن سياساتها لجهة هدم وتهويد الأماكن المقدسة في فلسطين وكذلك المقدسات بعينها، فخلال أكثر من خمسة وخمسين عاماً على احتلال الضفة والقطاع، لم تتوقف الإعتداءات على المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، وكان من أبرز الاعتداءات محاولة إحراق الأقصى في عام 1969، ومجزرة الحرم الإبراهيمي في عام 1993، لهذا تحتم ضرورة الإسراع الى حماية المقدسات الإسلامية في فلسطين وفي المقدمة منها المساجد، سواء في الداخل الفلسطيني أو في الضفة الغربية بما فيها مدينتي القدس والخليل؛ وقد يكون من باب أولى توحيد الخطاب العربي والإسلامي إزاء خطر السياسات الإسرائيلية التي تهدد المساجد في فلسطين التاريخية، فضلاً عن مطالبة المنظمات الدولية ذات الصلة بالحفاظ على دور العبادة والمقدسات عبر الضغط على إسرائيل وانصياعها للقرارات الدولية والأعراف الخاصة بالمقدسات والأوابد التاريخية.
المصدر: عربي21
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=137717