فلسطينيو العراق..لاجئون منسيون في واقع مأساوي

يعيش نحو 5 آلاف لاجئ فلسطيني في العراق أوضاعًا معيشيةً واقتصادية مأساوية، ويتعرضون لانتهاكاتٍ كبيرة بشكلٍ مستمر، نتيجة التغيرات السياسية والأحداث التي تشهدها البلاد؛ مما فاقم من معاناتهم، في ظل تجاهل أممي لمعاناتهم، وغياب أي تحرك فلسطيني لإنهائها.

ويُحرم فلسطينيو العراق من أبسط حقوقهم الإنسانية والخدماتية كلاجئين، ولا يتمتعون بأي حماية دولية، أسوة ببقية اللاجئين الفلسطينيين الذين تشملهم سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، نظرًا لأنهم غير مُدرجين ضمن سجّلاتها

ومما ضاعف حجم معاناتهم، وقف معاملتهم كالمواطن العراقي، بعد إلغاء الحكومة العراقية القرار (٢٠٢) لعام ٢٠٠١، القاضي بمعاملة اللاجئ الفلسطيني معاملة العراقي، الأمر الذي أفقدهم أي تعريف أو امتياز قانوني.

ومؤخرًا، ألغت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “بدل الإيجار” لعدد كبير من العائلات الفلسطينية، فباتت أوضاعهم هشة على جميع الأصعدة، ولاسيما الاقتصادي المنهار أصلًا.

هذا الوضعُ المزري دفعهم للتلويح بتنظيم اعتصام مفتوح وإضراب عن الطعام بوجه المفوضية الأممية، في حال عدم الاستجابة لمطالبهم الإنسانية.

وفي تموز/ يوليو الماضي، قدم ناشطون من فلسطينيي العراق، مذكرة إلى المفوضية الأممية، اعتبروا فيها أنّ المفوضية لم تتفاعل بما يتناسب وحجم معاناة الفلسطينيين في العراق، من ناحية المنح المالية والطبية والطوارئ وبدل الإيجارات والتأهيل المهني، وإعادة التوطين.

اضطهاد وتمييز

المتخصص في أوضاع فلسطينيي العراق محمد مشينش يقول لوكالة “صفا”، إنّ التضييق على اللاجئين في العراق بالقوانين والتعليمات ما زال مستمرًا حتى اللحظة، إذ يتعرضون للاضطهاد والتمييز، والتضييق عليهم في مساكنهم وسُبل عيشهم.

ويوضح أنّ أحد أبرز وجوه معاناة هؤلاء اللاجئين يتجسد في وضعهم القانوني غير المستقر، رغم وجودهم في العراق منذ 75 عامًا.

ويجد فلسطينيو العراق صعوبة في الحصول على فرص عمل، ما يدفعهم للتوجه نحو الأعمال الحرة، وهي الحيز الذي يستطيع الفلسطيني أن يعمل فيه، ورغم ذلك يواجهون تضييقًا مستمرًا، كما يضيف مشينش.

ويشير إلى أنّ معظم اللاجئين الفلسطينيين يعملون ضمن بيئة متهالكة، تفتقر لأدني مقومات الحياة، وذات موارد شبه معدومة، ما جعلهم يعيشون في حالة فقر شديدة.

وترتفع في أوساط اللاجئين نسب الفقر والبطالة، حتى أصبح60% منهم يعيشون تحت خط الفقر، وسط تجاهل وتهميش دولي وأممي لمعاناتهم، وتنكر لأي نداءات استغاثة تصدر عنهم عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.

ولا يمتلك اللاجئون في العراق أي وثائق سفر فعالة، مما يحرم الكثير منهم الالتقاء بأبنائهم وعوائلهم المغتربين في بقية دول الشتات من عشرات السنين.

وطالب الباحث مشينش، مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتوفير الحماية اللازمة للاجئين الفلسطينيين، والدفاع عنهم وعن حقوقهم، وتوفير سبل العيش الكريم لهم بشكلٍ عاجل.

فراغ قانوني

أما الصحفي الفلسطيني حسن الخالد من العراق، فيوضح لوكالة “صفا”، أن اللاجئين الفلسطينيين يعيشون منذ العام 2017، في فراغ قانوني، فلا قانون يُنظم حياتهم، فيما تُترك أمورهم بيد موظف أو مدير في دوائر الدولة العراقية.

ويشير إلى أن إلغاء الحكومة العراقية القرار “202” أدى إلى حجب الراتب التقاعدي عن أسرة الموظف المتوفي، وحرمان عائلته من الاستفادة منه، إضافة إلى عدم شمول الفلسطينيين في تعويضات المتضررين من الأعمال “الإرهابية”.

ويضيف أن الفلسطيني مُنع من حق التملك حتى لو كان عقارًا واحدًا للسكن، إلى جانب عدم شمول المعتقلين الفلسطينيين في قانون العفو العام.

ويقول الخالد: “كان اللاجئ يتوقع أن تقف المفوضية السامية إلى جانبه، وألا تكون سببًا في زيادة معاناته وأن توقف برنامج “بدل الإيجار”، لكنها لم تكتف بذلك، بل أوقفت منذ نحو خمس سنوات أكثر مشاريعها الإغاثية والتنموية، وأهمها صرف العلاج للمرضى، والمنح المالية للطلاب والأسر المتعففة”.

ويؤكد أنّ اللاجئين الفلسطينيين يريدون عيش حياة كريمة تتوفر فيها كافة المقومات التي تضمن مستقبلًا كريمًا لأبنائهم، مطالبًا بوضع قانون ينظم حياتهم لحين عودتهم إلى بلدهم فلسطين.

ويشدد على ضرورة أن تتحمل مفوضة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مسؤولياتها تجاه هؤلاء اللاجئين، وتوفر الحماية اللازمة لهم، وتحافظ على حقوقهم كلاجئين، وتعاملهم بكل شفافية.

حقوق مسلوبة

ولا تتوقف مأساة فلسطينيي العراق عند ذلك، بل تُغلق جميع المعابر البرية لأغراض السفر أمامهم، وتُحصر تنقلاتهم الخارجية في المطارات الجوية ذات التكلفة العالية، كما يقول ناشط فلسطيني من بغداد لوكالة “صفا”.

ويوضح الناشط، الذي فضّل عدم التصريح بهويته لحساسية الموقف، أن معاناة الفلسطينيين في الحصول على فرص عمل أو العلاج أو التعليم خارج العراق تتم وفقًا لتعليمات جديدة، فمن يتجاوز مكوثه شهرًا واحدًا خارج العراق، تكون عودته صعبة إلى البلاد، ويحال إلى مجلس تحقيق، بسبب الغياب.

ويلفت إلى وجود عشرات الوفيات غير المعلن عنها، نتيجة تردي الأوضاع، فضلًا عن وجود محاولات انتحار للبعض، بعد أن أوصدت في وجوههم كافة الحلول.

وحول وجود تحركات لإنهاء معاناة اللاجئين، يقول الناشط الفلسطيني “تلقينا وعودًا كثيرة من شخصيات فلسطينية زارت العراق سابقًا، حول مناقشة أوضاعنا كلاجئين وإيجاد حلول لمعاناتنا، لكن دون جدوى، ولم يلتقي أي مسؤول مع أي لاجئ فلسطيني للاستماع إلى مشاكلهم ومعاناتهم”.

لكن “في ظل غياب دور الجهات الرسمية الفلسطينية وعدم إيجاد أي حلول لإنهاء معاناة اللاجئين، إلى جانب التضييق المستمر عليهم، حَمَلَ ناشطون فلسطينيون تلك الأعباء على عاتقهم، وتحركوا في أكثر من اتجاه لرفع المعاناة، رغم محاصرتهم من أطراف فلسطينية”، وفق الناشط الفلسطيني.

ويضيف أن “اللاجئين استنفذوا كل السبل مع المفوضية الأممية بشأن واقعهم المزري للغاية، سواء على المستوى الداخلي، أو على مستوى المفوضية، والتي ترمي الكرة بملعب الحكومة العراقية وتقول لا شأن لنا بوضعكم”.

ويبين أن وجهاء فلسطينيين قدّموا طلبًا رسميًا للمفوضية الأممية من أجل مقابلة رئيس الحماية الدولية، و”في حال الرفض وعدم الاستجابة لمطالبهم الإنسانية؛ سيلجأ اللاجئون إلى اعتصامات مفتوحة وإضراب عن الطعام والماء تضامنًا مع المعدمين”.

وتوقع أن تشهد الأيام المقبلة خطوات تصعيدية، إذا استمر تعنت المفوضية في تجاهل واقع اللاجئين، والذين لم تشملهم وكالة “أونروا” في خدماتها منذ عام 1984، وحتى اليوم.

المصدر: صفا