قالت صحيفة “الغارديان”، إن فلسطين حاضرة بقوة في كأس العالم الذي ينظم في الشرق الأوسط للمرة الأولى، مقابل حضور إسرائيلي ضعيف ومنبوذ، رغم أن الطرفين لا يلعبان في البطولة.
ولفتت الصحيفة في تقرير ترجمته “عربي21” إلى أن مقاطع الفيديو التي انتشرت كالنار في الهشيم أظهرت مشاعر الكراهية ضد “إسرائيل” بين الجماهير العربية المشاركة في المونديال، مع أن كان الكثير من حكوماتهم قد أبرمت اتفاقيات للتطبيع، وبدأت في بناء علاقات تجارية، وأخرجت تعاونها الأمني إلى العلن.
ولا تقيم قطر علاقات رسمية مع “إسرائيل”، ولكنها منحت الإذن بتنظيم رحلات جوية مباشرة من “تل أبيب”، كما أنها سمحت للدبلوماسيين الإسرائيليين بالتواجد في إحدى وكالات السفريات في البلد لتقديم الدعم القنصلي.. ولكن إدراكاً منها لحساسية ذلك بالنسبة للرأي العام المحلي، فقد أصرت قطر على أن تكون الإجراءات مؤقتة، وألا تكون خطوات نحو إبرام اتفاقية تطبيع من النوع الذي وقعت عليه عدة بلدان عربية أخرى خلال السنوات الأخيرة.
وتاليا نص تقرير “الغارديان”:
في أحد مقاطع الفيديو يظهر مشجع كرة قدم مصري وهو يبتسم بهدوء بينما كان مذيع إسرائيلي يقدمه للجمهور على الهواء. ثم يقترب المصري من الميكروفون ليوجه رسالته قائلا: “تحيا فلسطين”.
وفي مقطع آخر من شوارع الدوحة هذا الأسبوع تظهر مجموعة من الرجال اللبنانيين وهم ينصرفون عن مقابلة حية مع مراسل علموا لتوهم أنه إسرائيلي. يصيح أحدهم في وجهه: “لا يوجد إسرائيلي. إنها فلسطين”.
بينما تدفق مئات الآلاف من الناس من كل أنحاء العالم على قطر هذا الأسبوع لمشاهدة مباريات كأس العالم، كانت تلك عينة من المواجهات المربكة التي وقعت بين مشجعي كرة القدم العرب والصحفيين الإسرائيليين. ما لبثت هذه المقاطع أن انتشرت كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الشرق الأوسط، لتشكل واحدة من كثير من مصادر الاحتكاك السياسي في البطولة التي لم تنفض عن كاهلها ما لا يحصى من القضايا المثيرة للجدل.
بالنسبة للبلد المضيف لمباريات كأس العالم لكرة القدم، كان لابد من خوض مفاوضات حساسة بشأن تواجد المشجعين من الشواذ جنسياً، وحول مظاهر التعبير عن الغرام في الأماكن العامة، وحول توفر البيرة والنبيذ. ما لم يحظ بنفس الاهتمام في الغرب، رغم أنه لا يقل أهمية، هو إيواء الإمارة لمشجعي ووسائل إعلام إسرائيل، في رضوخ لأحكام الفيفا مقابل استضافة البطولة التي تقدر تكاليفها بعدة مليارات من الدولارات.
لا تقيم قطر علاقات رسمية مع إسرائيل، ولكنها منحت الإذن بتنظيم رحلات جوية مباشرة من تل أبيب، كما سمحت للدبلوماسيين الإسرائيليين بالتواجد في إحدى وكالات السفريات في البلد لتقديم الدعم القنصلي لمواطنيهم. ولكن إدراكاً منها لحساسية ذلك بالنسبة للرأي العام المحلي، فقد أصرت على أن تكون الإجراءات مؤقتة، وألا تكون خطوات نحو إبرام اتفاقية تطبيع من النوع الذي وقعت عليه عدة بلدان عربية أخرى خلال السنوات الأخيرة.
وعلى الرغم من أنه لا إسرائيل ولا فلسطين تلعبان في البطولة، إلا أن الأخيرة حاضرة بقوة في كأس العالم الذي ينظم في الشرق الأوسط للمرة الأولى. قبل مباراة الافتتاح يوم الأحد، سارت مجموعة منظمة من الرجال القطريين نحو استاد البيت ودخلوه وهم يهتفون “الجميع مرحب به”، ويحملون معهم علماً ضخماً لفلسطين. قال حملة العلم في تصريح لصحيفة الغارديان: “نحن نعتني بالناس في فلسطين، وجميع الشعوب المسلمة والبلدان العربية ترفع الأعلام الفلسطينية لأننا نقف معهم”.
ورفع الأعلام الفلسطينية مشجعون من تونس والمملكة العربية السعودية والجزائر، وكان ذلك بارزاً في المباريات التي دخلوا إليها وهم يلفون الأعلام كالبرانس حول رقابهم. ويوم الخميس وقفت الشابة الفلسطينية رندا أحمر في سوق واقف المزدحم بالناس وهي تحمل علم فلسطين وتلوح به فوق رؤوس الجماهير التي جاءت من كل أنحاء العالم. وبينما هتف أحد المارة بعبارات مؤيدة لها، قالت: “إنها بلدنا، ولسوف نرفع راياتها في كل مكان”.
سوقت “الفيفا” لاتفاقها مع قطر بالسماح للإسرائيليين بالطيران إلى الدوحة من خلال الزعم بأن الصفقة تستوجب كذلك السماح للفلسطينيين بالسفر من “تل أبيب”، ولكن بعد مضي ما يقرب من أسبوع على انطلاق البطولة، فإنه ليس واضحاً كم عدد الذين تمكنوا من تجاوز إجراءات التدقيق الإسرائيلية الصارمة المطلوبة من أجل السماح لهم بالسفر. بعض من وصلوا إلى الدوحة سافروا في الواقع إما عبر الأردن أو عبر مصر.
حتى بداية البطولة كان ما يقرب من 4000 إسرائيلي و 8000 فلسطيني قد حصلوا على تأشيرات دخول إلى قطر، رغم أن وزير الخارجية الإسرائيلي قال إنه من المتوقع أن يتمكن ما يقرب من عشرين ألف إسرائيلي من الذهاب إلى هناك في نهاية المطاف.
وتمت إقامة مطبخ كوشير بالقرب من مطار الدوحة حتى يوفر للمشجعين الإسرائيليين مكاناً يلتقون فيه وطعاماً ينسجم مع المتطلبات الدينية لهم.
ولدى استعداده للوصول إلى الدوحة خلال نهاية الأسبوع، قال المواطن الإسرائيلي دابي نيفو إنه كان يشاهد بشيء من القلق تقارير عن النشاط الفلسطيني أثناء البطولة. وقال: “أرجو أن يرحب القطريون بنا وأن يكون كل شيء على ما يرام. أرجو بالفعل أن أتمكن من الالتقاء بالناس من كل أنحاء العالم وبشكل خاص من البلدان العربية – إذا ما رغبوا في الصداقة. فقط أريد التمتع بمشاهدة كرة القدم… لا صراعات من أي نوع على الإطلاق”.
وقال رجل إسرائيلي آخر، لم يبح إلا باسمه الأول وهو بهاء، إن تنظيم البطولة كان ممتازاً وكذلك الأجواء في البلد، فيما عدا سلبية واحدة ألا وهي أن “ٌأغلبية الجماهير هنا لا تقبل بوجود الإسرائيليين”.
وقال آخرون إنهم وجدوا البيئة مرحبة، ولكنهم مع ذلك يتوخون الحذر. وقال عومير لوفير: “لسنا نخشى التواجد هنا في قطر كإسرائيليين، فهم لطفاء جداً ونحن لا نشعر بعبء السياسة بين البلدين. في بعض الأوقات نقول إننا من قبرص – ولكن فقط في حديثنا مع الناس القادمين من البلدان العربية”.
وبحسب ما أظهرته مقاطع الفيديو، التي سرعان ما انتشرت كالنار في الهشيم، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية هي التي تحملت أكثر من غيرها عواقب مشاعر الكراهية المستمرة منذ أمد طويل والتي تكنها الشعوب العربية لبلدهم، حتى وإن كان الكثير من حكوماتهم قد أبرمت اتفاقيات تقر بالسيادة الإسرائيلية وبدأت في بناء علاقات تجارية، وأخرجت تعاونها الأمني إلى العلن.
في تصريح لوكالة الأسوشييتد بريس، قال المراسل الرياضي لقناة 13 الإسرائيلية، واسمه تال شورير، إن تعاملاته مع المسؤولين القطريين كانت لطيفة، ولكنه تعرض للدفع وللإهانة على يد الفلسطينيين وغيرهم من المشجعين العرب أثناء تقاريره المباشرة على الهواء من داخل المدينة.
يقول شورير إنه ما إن لاحظ أحد بائعي الهواتف النقالة أن إعدادات صديقه كانت بالعبرية حتى انفجر الرجل غضباً وراح يصيح في وجه الإسرائيلي مطالباً إياه بأن يخرج من البلد.
وقال: “كنت في غاية السعادة لأنني دخلت البلد بالجواز الإسرائيلي ظناً مني بأن ذلك سيكون أمراً إيجابياً. ولكن الأمر محزن، وغير لطيف. كان الناس يشتمونني ويهددونني”.
يوم الجمعة، خاض مراسل إذاعة “كان” الإسرائيلية الحكومية تجربة أكثر إمتاعاً حينما اختلط بالمشجعين، فاجتمع من حوله أنصار إيران المبتهجين وهم يحتفلون بالفوز على منتخب ويلز بهدفين مقابل لا شيء، فوضعوا على رأسه قبعة بهلوان موشحة بألوان علم بلادهم، بينما كان المذيعون في الاستديو يتابعون المشهد وهم غارقون في الضحك.
ونشر الدبلوماسيون الإسرائيليون مقاطع فيديو ناشدوا فيها مواطنيهم البقاء بعيداً عن الأنظار، وذلك بسبب إدراكهم لحساسية البطولة التي سوف تجذب آلاف القادمين من بلدان معادية مثل إيران، وحيث إنه على النقيض مما كان عليه الوضع في البطولات السابقة، فسوف يعيش جميع المشجعين الأجانب الذين يقدر عددهم بما لا يقل عن 1.2 مليون شخص، جنباً إلى جنب في نفس المدينة.
في حديث موجه للمشجعين، قال الدبلوماسي الإسرائيلي ليور هايات: “خفضوا من مستوى حضوركم الإسرائيلي وأخفوا هويتكم الإسرائيلية من أجل سلامتكم الشخصية”.
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=138706