بمرور 5 أعوام على قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فإن الدول التي حذت حذوه لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.
مثل القرار الذي أعلن في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2017، وأرفق بإعلان عزم واشنطن نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس صدمة للفلسطينيين خاصة، والعالم عامة.
وفي حين توقعت إسرائيل أن يمثل القرار حافزا لدفع المزيد من الدول إلى اتخاذ خطوة مشابهة، فإن هذه الآمال ما لبثت أن تبددت.
غواتيمالا وهندوراس وكوسفو
بعد نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس منتصف مايو/ أيار 2018، نقلت غواتيمالا وهندوراس وكوسفو سفاراتها أيضا إلى المدينة.
وكانت باراغوي من أوائل الدول التي نقلت سفارتها من تل أبيب إلى القدس في مايو 2018، ثم أعادتها في سبتمبر/ أيلول من العام ذاته.
كما أعلنت هندوراس أنها تدرس إعادة سفارتها إلى تل أبيب.
وأعلنت العديد من الدول أنها تدرس نقل سفاراتها إلى القدس ولكنها لم تقدم على هذه الخطوة.
ولكن بعض الدول أعلنت فتح مكاتب تجارية لها في القدس مثل البرازيل وجمهورية التشيك والمجر.
وتحرك الفلسطينيون بفاعلية تساندهم دول عربية وإسلامية وحتى أوروبية باتجاه الدول لحثها على عدم اتخاذ خطوة نقل سفاراتها.
وقاوم الاتحاد الأوروبي بشدة أي محاولة من أعضائه لنقل السفارات إلى القدس، في وقت عارضت فيه دول العالم نقل سفاراتها إلى المدينة.
مخاوف من النقل
وقال يوناثان فريمان أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية، في تصريحات للأناضول: “نعم بالفعل هي دول قليلة، فالغالبية العظمى من الدول لم تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ولم تنقل سفاراتها”.
وأضاف: “أعتقد أن هذا لم يحدث لأنه ما زالت هناك مخاوف لدى هذه الدول من ردود الفعل”، معتبرا أن الولايات المتحدة “نجحت في القيام بهذه الخطوة بسبب قوتها وأهميتها للكثير من الدول”.
واستدرك: “لكن بالنسبة لدول أخرى فإنها تخشى من ردود فعل سكانها إذا ما قامت بمثل هذه الخطوة، أو تأثير ذلك على علاقاتها مع الفلسطينيين ومع دول أخرى، وقد تخشى أيضا تهديدات أمنية”.
وتابع: “السفارات بغالبيتها العظمى ما زالت في تل أبيب، ولكن يتم الحديث أكثر عن أن الاعتراف بالقدس عاصمة (لإسرائيل) هو أمر يمكن أن يحدث، فلم تعد هذه القضية أمرا محرما، إنها على الطاولة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين إسرائيل والدول”.
وأردف فريمان: “أعتقد أنه مع مرور الوقت فإن المزيد من السفارات ستفتتح في القدس، أو حتى فتح مكاتب في القدس وهذا أيضا أمر مهم وإسرائيل تبحث ذلك مع الدول”.
وبعد مكالمة صاخبة آنذاك بين ترامب والرئيس الفلسطيني محمود عباس عشية الإعلان، قرر الفلسطينيون قطع علاقاتهم السياسية مع الولايات المتحدة.
وبقيت العلاقات مقطوعة حتى مغادرة ترامب للبيت الأبيض حيث أعادت الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن هذه العلاقات بوعد إعادة فتح القنصلية الأمريكية العامة في القدس لتتولى العلاقات مع الفلسطينيين بمعزل عن سفارة واشنطن.
وكان قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة تنفيذا لقرار اتخذه الكونغرس الأمريكي عام 1995، وهو ما ألزم إدارة بايدن بعدم التراجع عن القرار الذي اتخذه ترامب.
ولكن الإدارة الحالية قالت إن الحدود النهائية لمدينة القدس أمر يخضع للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين باعتبار أن القدس إحدى قضايا الحل النهائي للتفاوض بين الطرفين.
الاعتراف الأمريكي
وقال فريمان: “أعتقد أن إعلان ترامب كان هاما للغاية، فهو غيّر طريقة التفكير عندما يتعلق الأمر بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني”.
وأضاف: “هذه الخطوة التي اعتقد الكثيرون أنها ستتسبب في إعادة العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي إلى الوراء، فإنها حقيقة دفعتها إلى الأمام وهو ما شهدناه في توقيع عدد من الدول العربية اتفاقات سلام مع إسرائيل في عهد ترامب”.
وأردف فريمان: “لم يكن فقط اعترافا بالقدس عاصمة، وإنما هو قبول أيضا بما قالته إسرائيل على الدوام حول مكان عاصمتها”.
وتابع: “في حين اعتقد الكثيرون أن الإعلان الأمريكي سيتسبب في خلافات بين الولايات المتحدة والعالم العربي فإن هذا لم يحدث”.
وأعرب عن اعتقاده: “بأن ما أظهره هذا الاعتراف هو أنه ليس من الضروري أن يكون لإسرائيل اتفاق مع الفلسطينيين قبل اتفاقها مع الدول العربية فبالتأكيد حدثت اتفاقيات مع دول عربية”.
واعتبر فريمان أن “الاعتراف بالقدس لم يتسبب بالضرر لموقف الولايات المتحدة في العالم العربي أو الوساطة بين إسرائيل والعالم العربي”.
ورأى أن “الاعتراف أعطى لإسرائيل المكانة لتقول للعالم إن السلام لا يتعلق بالفلسطينيين فحسب، وإنما يمكن الحديث عن السلام مع دول عربية أخرى، وهو ما حدث فعلا”.
وزاد: “لكن الفلسطينيين قالوا إن القرار الأمريكي أعطى غطاء للممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في مدينة القدس”.
وأكمل فريمان: “في الوقت ذاته أكد الفلسطينيون أن القرار الأمريكي لن يثنيهم عن مطلبهم بأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية”.
وفجرت الخطوة الأمريكية مواجهات بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية استمرت عدة أيام.
وفي حين رأى الفلسطينيون أن القرار يغلق الأبواب أمام إمكانية السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فإن فريمان رأى عكس ذلك.
وقال: “أعتقد أن هذه الخطوة لم تغلق وإنما فتحت الطريق لفرص السلام مع الفلسطينيين، أعتقد أن الفلسطينيين يدركون الآن أنه لم يعد في صالح الدول العربية والإسلامية أن تضع المصالح الفلسطينية أولا، فهذه الدول تقدم مصالحها قبل مصالح الفلسطينيين”، وفق تقديره.
واستطرد: “أعتقد أن الشعب الفلسطيني يدرك أن هناك ما سيتم كسبه من العلاقات السلمية، فهم يرون ثمار السلام بين إسرائيل والدول العربية في المجالات التكنولوجية والمعرفة والاقتصاد”.
وتابع: “في الحقيقة فإن الفلسطينيين سيحصلون على مكاسب أكثر من خلال السلام، وهم يدركون أن هناك ما سيخسرونه إذا لم ينتهجوا طريق السلام”.
وكانت إسرائيل أعلنت عزمها منح مزايا للدول التي تنقل سفاراتها إلى القدس أو الاعتراف بالمدينة عاصمة لها، وهو ما لم تستجب له بعد الغالبية العظمى من دول العالم.
المصدر: الأناضول
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=138982