بوثائق عثمانية..فلسطيني يناضل لإثبات أحقية شعبه بالأرض

تشهد سجلات نفوس عثمانية الأصل، حصل عليها الفلسطيني سمير الشريف من باحثين، على الوجود الفلسطيني داخل مدن وبلدات احتلّتها إسرائيل عام 1948 ونسبَتها إليها.

السجلات التي بلغ عددها نحو 24، صدرت بين عامي 1903-1915، وضمّت أسماء أفراد لعائلات فلسطينية، عاشوا في مدن وقرى فلسطينية منذ الفترة بين 1770- 1780، وفق الشريف.

ويوضح الشريف للأناضول، أن سجلات النفوس هي إحصاء أجرته للسكان الدولة العثمانية التي حكمت فلسطين لقرون (1516-1917)، بحيث وثّقت فيها أسماء الأشخاص وأجدادهم وصلة القرابة والزواج والمصاهرة، فضلاً عن المهن التي كانوا يعملون بها.

وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أصدر الشريف 12 كتابًا ترجم فيهم سجلات النفوس العثمانية، معربًا عن طموحه في إيصال عدد الكتب إلى 15 مع نهاية العام الجاري.

وفي عام 2019، سلمت تركيا للسلطة الفلسطينية، نسخة من الأرشيف العثماني الذي يضمّ عشرات الآلاف من وثائق التسجيل العقاري، في أراضي الإمبراطورية العثمانية.

البداية

الشريف (60 عامًا)، الحاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم الإدارية، تحدث للأناضول عن أن فكرة ترجمة هذه السجلات بدأت حينما انتهى من كتاب يوثقّ تاريخ عائلته بعنوان “عائلة الشريف.. تاريخٌ ورجال”.

هذا العمل استغرق أعوامًا في البحث وجمع المعلومات الخاصة بالكتاب في رحلة طويلة بدأت منذ عام 2000.

وبحسب الشريف، كان يرغب بإثرائه بمعلومات مقتبسة من سجلات النفوس العثمانية، التي حصل عليها بعد جهدٍ مضنٍ عام 2020، من أشخاص كانوا يملكون نسخًا إلكترونية عنها.

وعام 2021، أطلق الشريف هذا الكتاب، وقال في حفل الإصدار “اليوم لعائلتي وغدًا لبلدي”، ومن هنا كانت نقطة البداية العلنية في توثيق العائلات الفلسطينية في المدن والقرى المحتلة عام 1948، نقلًا عن سجلات النفوس العثمانية.

لكنه بدأ فعليًا عام 2020 بترجمة السجلات الخاصة بمدينة المجدل، بلدته الأصلية التي هُجّر منها أجداده، حيث كانت تضمّ وفق اطّلاعه نحو 921 منزلًا فلسطينيًا.

ترجمة الكتاب استغرقت عامًا كاملاً، نظرًا لعدد صفحاته التي وصلت 600، فضلاً عن صعوبة اللغة العثمانية القديمة التي بدأ بتعلّمها آنذاك، وفق قوله.

ويتابع الشريف أنه حصل على بعض القواميس للغة العثمانية من باحثين، ساعدته في عملية تدقيق الكلمات والترجمة.

واليوم، يتفرّغ بشكلٍ أساسي لترجمة هذه السجلات في مهمة “مرهقة ومكلفة ماديًا”، تستغرق نحو 8-10 ساعات من العمل المتواصل يوميًا.

ورغم الصعوبات، ثابر الشريف على تحقيق هدفه حيث يقول: “لم أتلقّ أيّ دعم لترجمة وإصدار هذه الكتب، الدعم كان معنويًا، وزوجتي كانت الداعم الأول، وأنا أتحمّل كافة التكاليف المادية وسأواصل العمل كي أكمل باقي المدن الفلسطينية”.

وأشار إلى أن آلية إصدار هذه الكتب تأخذ وقتًا طويلاً كونه يرسل نسخة من المسودة لأشخاص مطّلعين ومتخصصين، من أجل تدقيقها وكتابة تقديم للكتاب ونبذة عن القرية المذكورة.

محتوى غني

يعتزم الشريف إصدار 24 كتابًا مترجماً للسجلات التي بين يديه العائدة إلى قرى ومدن قضاء قطاع غزة.

ويوضح أن كل كتاب تم إصداره يضمّ خريطة للبلدة أو القرية أو المدينة المستهدفة، ونبذة تعريفية عنها يكتبها شخص مطّلع أو مختار عائلة أو دكتور جامعي متخصّص.

وفي الجهة اليمنى من صفحات الكتاب، أرفق الشريف نسخةً من السجلات العثمانية الأصلية، فيما أورد ترجمتها في الجهة اليُسرى.

وفي كل كتاب، خصّص جدولًا يضمّ المصطلحات العثمانية الواردة في السجلات، وترجمتها في الناحية الأخرى، لتشكّل مرجعًا للقرّاء للتعرف على الكلمات المستخدمة في السجلات.

كما خصص الشريف فقرة في كل كتاب لـ”الملاحظات” التي استخلصها خلال عملية الترجمة، مثل وجود نجمة في السجلات العثمانية قرب أسماء بعض الأشخاص، وهي تدلّ على أن “المهنة غير موجودة” بالنسبة لهم، وفق قوله.

إلى جانب ذلك، أدخل الشريف بعض التعديلات على السجلات المترجمة، بحيث أضاف “تاريخ ميلاد الأشخاص بالتقويم الميلادي”، في حين كان موثّقا بالتقويم الهجري فقط.

وفي نهاية الكتاب، أنشأ الشريف فهرسًا بأسماء العائلات المذكورة وأرقام صفحاتها.

دليل حق

يقول الشريف إن ترجمة هذه السجلات لها أهمية خاصة لدى الباحثين الذين يوثّقون جذور عائلاتهم، كونها تُبيّن تسلسل أسماء الأجداد وغيرهم.

واعتبر أنها تمثّل الوثيقة الرسمية الوحيدة التي يملكها الفلسطينيون وتوثّق أسماء عائلاتهم وأجدادهم في القرى التي هُجّروا منها بقوة السلاح عام 1948.

“هذه السجلات تفيد بأن رفات الأجداد موجودة داخل القرى التي هُجّرت منها العائلات، وتدحض الرواية الإسرائيلية أن فلسطين أرض بلا شعب”، يؤكد الشريف.

وعبّر عن فخره بهذه الوثائق التي خرجت بعد أكثر من 100 عام، لتكون شاهدًا ودليلًا يؤكد أحقية الشعب الفلسطيني بأرضه.

وعن الكتب التي أنجزها، قال الشريف إنها تخص مدينة المجدل، وقرى “حمامة وبربرة وبطيمة والجيّة والجورة وهربيا والفالوجة وأسدود وكوكبة ونعليا”.

وأعرب عن اعتزامه إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية كاملة، في المستقبل، لعرض هذه السجلات المترجمة، وتسهيل وصول الفلسطينيين إليها.

كما ناشد الجهات المعنية بضرورة توفير الوثائق المفقودة لاستكمال توثيق عائلات باقي المدن والقرى الفلسطينية.

متحف منزلي

في إطار شغفه بالحفاظ على الموروثات التاريخية التي تؤكد أحقية الشعب بأرضه، حوّل الشريف جزءًا من منزله إلى متحف يضمّ مقتنيات أثرية يعود عمر أقدمها إلى 200 عام.

وعن ذلك يقول إنه حصل على معظم القطع التي يتراوح عددها بين 450 و500 قطعة، من أقربائه الذين وورثوها عن أجدادهم الذين عاشوا في مدينة المجدل.

إنجاز هذا العمل الدقيق اضطرّه لزيارة عدد من الدول للحصول على هذه المقتنيات من أصحابها، لضمّها إلى المتحف الذي “يحتفظ بإرث أباء وأجداد عائلة الشريف”.

ويوضح الشريف أن أجداده لم يغادروا مدينتهم عام 1948، إنما غادروها عنوةً عام 1950، حاملين معهم معظم مقتنيات المنزل.

الكثير من تلك المقتنيات التي حملها أجداده من بلادهم، ما زال الشريف يحتفظ بها في متحفه المنزلي، منها أدوات قديمة كانت تستخدم في الحياة اليومية، وأقفال الأبواب.

وبحسب الشريف، “بعض هذه المقتنيات كانت تستخدم في أعمال الطهي مثل مطحنة القهوة النحاسية، ومعصرة الطماطم، وبابور الكاز القديم، والمقلى النحاسية”.

كما يحتوي المتحف المنزلي مقتنيات تشير إلى مهن عمل بها أفراد العائلة في ذلك الوقت، كالأثواب القديمة المطرّزة التي تدلّ على مهنة صناعة النسيج (بالنول) والتجارة.

المصدر: الأناضول