لا تدخر سلطات الاحتلال الإسرائيلي أي وسيلة إلا واستخدمتها بهدف السيطرة على الفلسطينيين، وقمع مقاومتهم، وتهجيرهم من أراضيهم، ومن هذه الوسائل إطلاق العنان للمتطرفين لتشكيل ميليشيات مسلحة ودعمها من الجيش والأجهزة الأمنية.
التأسيس والتسمية
في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 ظهر ألموغ كوهين وهو شرطي سابق، وعضو كنيست حالي عن حزب “عوتسماه يهوديت” المتطرف، والذي يتزعمه إتمار بن غفير، الذي يعد أحد تلامذة الحاخام مائير كهانا، مؤسس حركة “كهانا كاخ” الإرهابية، التي كان عضوًا نشطًا فيها، قبل حظرها من سلطات الاحتلال.
وفي آذار/ مارس 2022، أطلق كوهين ميليشيا خاصة في حفل كبير أقيم في مدينة بئر السبع وأطلق عليها اسم “دورية بارئيل”، على اسم قناص “حرس الحدود” بارئيل حداريا شموئيلي، الذي قتل عند السياج الأمني المحيط بقطاع غزة، في آب/ أغسطس الماضي.
وتحتوي “دورية بارئيل” على ثلاث كتائب هي: كتيبة النخبة والتي تخضع لتدريبات متقدمة تتعلق بمكافحة “الإرهاب”، وكتيبة التجول، وهي التي تتجول اعتياديًّا في الشوارع ولديها صلاحيات إطلاق نار، وكتيبة التكنولوجيا، وهي كتيبة غير قتالية وظيفتها إدارة كل شيء “من الأعلى”.
وقد توجه كوهين، الذي بادر إلى إقامة الميليشيا، إلى المتطوعين في “دورية بارئيل” وقال: “عندما تكون حياتك في خطر، أي عندما تكون أنت فقط في مواجهة الإرهابي، فأنت تصبح الشرطي والقاضي والجلاد، عندما تكون حياتك في خطر، اقتل، الأمر بسيط وسهل”.
الأهداف
ووفقًا لدراسة بعنوان: أتباع بن غفير يشرعون بتشكيل ميليشيات مسلحة مدنية، للكاتب وليد حباس، نشرها المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار” يدّعي القائمون على “دورية بارئيل” بأن السبب الأساس لإنشائها هو “انعدام الأمان” ونقص تطبيق القانون في النقب، وتصاعد في تحصيل الخاوات، وتجارة المخدرات، والاعتداءات، وعمليات المقاومة، ما يعني أنها تجمع ما بين الجريمة المنظمة وأعمال المقاومة، على اعتبار أن الأمرين هما عنف منظم من السكان الفلسطينيين، وهو عنف يقض مضجع الإسرائيلي ووجب محاربته.
وعلى موقع “دورية بارئيل”، يذكر القائمون عليها أنها تختلف كليًّا عما يسمى “الحرس المدني”، فالحرس المدني هم أشخاص مدنيون يحملون السلاح ويتطوعون لمساندة الشرطة الرسمية، لكنهم لا يستطيعون العمل وحدهم، ويشترط أن يرافقهم عناصر شرطة بزي رسمي ليضفي على عملهم التطوعي شرعية، أما “دورية بارئيل” فهي عبارة عن قوة شرطية مدنية مستقلة لا تتبع لأي مؤسسة رسمية، وقادرة على فرض عنفها على الشارع بدون أخذ الإذن من مؤسسات الدولة، وعلى الرغم من إصرار القائمين عليها على أنهم غير تابعين لأي حزب سياسي، أو توجه أيديولوجي، إلا أنهم في الواقع مدعومون مباشرةً وبوضوح من عناصر متطرفة جدًّا في تيار الصهيونية الدينية والكهانية الإرهابية، كما يوضح وليد حباس.
ووثقت منظمة “البلوك الديمقراطي”، التي تنشط ضد نزعات فاشية في “إسرائيل”، محادثات أعضاء ميليشيا بارئيل في تليغرام، في أعقاب إعدام الشهيد سند الهربد في رهط، كتب أحد عناصر الميليشيا: “رائع! هناك عشرات آلاف آخرون ينبغي أن يكون مصيرهم مشابها له”، وأضافت: “رسائل كثيرة في المجموعة تشبه منشورات كوهين. يجب عدم الاستخفاف”.
وأكدت “البلوك الديمقراطي” أن “الهدف الأساسي هنا (أي للميليشيا) هو إشعال الوضع، وليس حماية المواطنين”.
وكانت وحدة خاصة من قوات الاحتلال أعدمت الشاب سند الهربد (27 عامًا) من مدينة رهط في النقب المحتل، في 15 آذار/ مارس الماضي.
وذكرت نتائج التشريح في حينها أنّ الشرطي الإسرائيلي تعمّد إعدام الشهيد الهربد دون أن يشكل أي خطر عليه، بعدما أصابه برصاصتين في الظهر والمؤخرة.
التمويل
يقول الكاتب أمير مخول، في مقال بعنوان: “إسرائيل” تستحدث التنظيم الإرهابي اليهودي”، نشره موقع عرب 48، أن الممول الرئيس للميليشيا هي جمعية موسري – التنظيم اليهودي لحقوق الإنسان، وهي كما تعرّف نفسها “جمعية للدفاع عن حقوق الإنسان ورفع المظالم بناء على تعاليم التوراة”، والتي تحمل روح “عوتسماه يهوديت”.
وخلال الشهر المنصرم كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية عن جهات رسمية وغير رسمية إسرائيلية مشاركة في تمويل وتدريب ميلشيا مسلحة من اليمين المتطرف تحمل اسم “دورية بارئيل”، وتتخصص في الاعتداء على البدو في النقب المحتل، وهي: بلدية بئر السبع، ومؤسسة اليانصيب الوطني الإسرائيلي، والجمعية البلدية للثقافة والترفيه “كيفونيم”، ومركز الشباب الذي تديره منظمة “ستارت أب”.
وأوضحت “هآرتس” في تقريرها أن إعلانًا على الموقع الإلكتروني لـ”دورية بارئيل” أفاد أن المتطوعين الذين سينضمون لهذه الميليشيا سيحصل كل منهم على منحة دراسية بـ 10 آلاف شيكل.
دولة قامت على أكتاف الميليشيات والعصابات الإرهابية
من جهته، وفي حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” قال الكاتب والباحث ساري عرابي: إنّ “إسرائيل” قامت على أكتاف المليشيات، أو العصابات، كهالغاناة، وإرغون أو ايتسيل، وليحي أو شتيرن، ومن ثمّ فالبنية الإسرائيلية، والوعي الضمني للمجموع الإسرائيلي، يقوم على فكرة الإرهاب العصابي المنفلت.
وأضاف: من الواضح، أن “إسرائيل” تستعيد ذاتها بوصفها دولة عصابات، بمليشيات المستوطنين في الضفّة المحتلة، كـ”شبيبة التلال”، التي تتكون أساسًا من مستوطني مستوطنات شمالي الضفة المحتلة، أو ما يسمى “مستوطنات سفوح الجبال” مثل “إيتيمار” و”يتسهار”، وقد كان لهذه المليشيات دور في ترهيب فلسطينيي الداخل في مدن اللّد والرملة ويافا، وبإشراف رسمي من قوات الشرطة وحرس الحدود الإسرائيلية، بل وجرى توفير مقرات لها في اللد من رئاسة البلدية.
وتابع: هذه المليشيات تمتد في خط واحد بين مستوطني الضفة والمدارس الدينية للصهيونية الدينية في الداخل، ومن ثمّ فتأسيس مليشيات غير رسمية لترويع أهلنا في النقب يأتي في هذا السياق، من استرداد “إسرائيل” لنفسها من دولة عصابات، ولكن هذه المرة في ثوب ديني، بعدما بدأت مع النكبة في ثوب علماني.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=139250