اقتحم عشرات المستوطنين، اليوم الأحد، المسجد الأقصى المبارك، من جهة باب المغاربة، بحراسة مشددة من قوات الاحتلال الإسرائيلي، في أول أيام عيد “الأنوار” العبري المستمر لثمانية أيام.
وأفادت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس أن عشرات المستوطنين اقتحموا المسجد، وأن جنود الاحتلال انتشروا في ساحات المسجد وأخرجوا شباناً تواجدوا في الساحات، وعرقلوا دخول المصلين وطلاب المدارس الشرعية إلى المسجد.
وتابعت الدائرة أن أعداداً كبيرة من المستوطنين اقتحموا الساحات الداخلية على شكل مجموعات، كل مجموعة تتألف من 45 مستوطناً، قاموا بجولات استفزازية في ساحات الحرم، وتلقوا شروحات عن “الهيكل” المزعوم، وبعضهم قام بأداء شعائر تلمودية في الجهة الشرقية وقبالة قبة الصخرة قبل أن يغادروا الساحات من جهة باب السلسلة.
وكانت جماعات يهودية على رأسها المتطرف بن غفير، قد دعت لاقتحامات غير مسبوقة للمسجد الأقصى، لمناسبة عيد “الأنوار” اليهودي، الذي يبدأ اليوم الأحد، ويستمر حتى السادس والعشرين من شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
وكانت سلطات الاحتلال قد أزالت، قبل أيام، لافتة وضعتها الحاخامية الرئيسية الإسرائيلية، منذ عشر سنوات، تحرِّم دخول اليهود للأقصى، ووضعت أخرى تشجع اقتحامات المسجد، وأداء طقوس تلمودية في باحاته، وساحاته.
ويتعرض الأقصى، يوميًا، عدا الجمعة والسبت، لسلسلة اقتحامات من المستوطنين، ضمن محاولات الاحتلال لتقسيمه زمانيًا ومكانيًا، فيما تتصاعد وتيرة الاقتحامات خلال الأعياد اليهودية، ويتخللها اعتداءات على المصلين والمرابطين وإبعاد عن المسجد.
وعادة ما تستغل حكومة الاحتلال الأعياد اليهودية بهدف التصعيد في مدينة القدس، عبر تبرير الاقتحامات وإغلاق منافذ المدينة المقدسة وعزلها عن محيطها وتحويلها إلى ثكنة عسكرية ومنع دخول أبناء الشعب الفلسطيني لها، وقمع المصلين والمرابطين والاعتداء عليهم، وتوفير الحماية الكاملة للمستوطنين لاستباحة المكان وأداء طقوسهم التلمودية، وفرض وجودهم داخل المسجد.
وأبعدت شرطة الاحتلال عددًا من المرابطات إلى خارج باحات الأقصى. كما اعتقلت إحداهن وسط تضييق على كل المتواجدين في الساحات العامة.
وردا على منظمات الهيكل المزعوم وغلاة المتطرفين، أطلقت دعوات مقدسية وفصائلية للرباط في المسجد الأقصى طيلة أيام العيد.
استثمار العيد اليهودي
بدوره اعتبر الباحث المقدسي المختص في شؤون المسجد الأقصى زياد ابحيص أن هناك ست قضايا مهمة ستكون بين يدي العدوان المزمع على المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي في “عيد الأنوار” العبري.
وأضاف: القضية الأولى تتمثل في أن اليوم الأول لهذا العيد يشكل أهم الأيام في الطقوس والاحتفال، وهو ما يعني أن صباح اليوم قد يشكل ذروة اقتحامات هذا العيد، وأن مساء اليوم سيشهد محاولات جماعات الهيكل إشعال الشمعدان على أبواب الأقصى بالتزامن مع المباراة النهائية لكأس العالم مباشرة، بدءاً من الساعة 4:30 مساء بتوقيت القدس وعلى مدى الساعات التالية.
أما القضية الثانية، بحسب ابحيص، فترتبط بكون عيد الأنوار الحالي يشكل اختباراً مبكراً لنتنياهو وحلفائه اليمينيين، وبالذات بن غفير الذي ينتظر تولي حقيبة الأمن الداخلي في أقرب وقت. ورغم أن نتنياهو لم يشكل حكومته رسمياً، إلا أن ضغوط حلفائه لتحقيق أجندتهم في تهويد الأقصى ستكون في ذروتها.
ويكمل الباحث ابحيص الحديث عن القضية الثالثة، محذراً من أنه “لطالما راهن الاحتلال على نهائيات كأس العالم كفرصة انشغال يمكن أن يمرر خلالها أسوأ اعتداءاته، وله في ذلك تجارب مشهودة في 1982 و2006 في لبنان، وربما يشهد اليوم تجربة مشابهة.
ويربط ابحيص بين يوم العيد وموعد ترحيل الأسير المقدسي صلاح الحموري إلى فرنسا بوصفه يحمل الجنسية الفرنسية، ويرى في ذلك ممارسة تحاول تكريس أن المقدسي المولود في أرضه أباً عن جد مجرد “مقيم دائم” مؤقت الوجود في القدس كما يتوهم الصهاينة.
أما القضية الخامسة، والحديث للباحث المقدسي، فيرى أنه وخلال “عيد الأنوار” العبري سيتركز العدوان في فترتين: صباحاً خلال فترات اقتحام الأقصى مع محاولة “إشعال تعويضي” للشمعدان خلالها وأداء لمختلف الطقوس، ومساء بدءاً من الساعة 4:30 وما بعدها على باب الأسباط وعلى مختلف أبواب الأقصى.
ويتابع: “كما يتركز في مقدّسيْن إسلاميين: المسجد الأقصى في القدس، والمسجد الإبراهيمي في الخليل، حيث تجري محاولة لتكريسه كموقع احتفال مركزي بهذا العيد”.
وأخيرا يرى ابحيص أن إشعال الشمعة السابعة للشمعدان ستتزامن مع الاحتفالات المسيحية بـ “عيد الميلاد”، وهذه مناسبة يوظفها الاحتلال لتكريس ادعاء “التراث المشترك”، و”وحدة المصير المسيحية اليهودية”، لكنه في الوقت عينه يستغلها في القدس للتضييق على المسيحيين تحت عنوان الأعياد اليهودية التي تسمو فوق كل اعتبار، وهذا ما يناقض كل ادعاءاته، وهو ما ينبغي استثماره.
ناقوس خطر
بدوره قال رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، روحي فتوح، إن الدعوات التي يطلقها رؤساء الأحزاب اليهودية اليمينية لاقتحام المسجد الأقصى اليوم، والتي يتزعمها المجرم الفاشي، أحد أقطاب حكومة اسرائيل العنصرية بن غفير، لمناسبة “عيد الأنوار” اليهودي، تدق ناقوس الخطر، وما هي إلا مقدمة لتنفيذ مخططات خبيثة تستهدف المسجد.
وحذر فتوح، في بيان صحفي، من خطورة إشعال الشمعدان بساحة حائط البراق، معتبراً ذلك مقدمة لتنفيذ الاقتحام والتوجه به الى ساحة المسجد.
وأضاف أن الحكومة الإسرائيلية الفاشية تلعب بالنار، وتؤجج مشاعر مئات الملايين من المسلمين، وتنتهك القرارات الأممية، التي تخص مدينة القدس، والأراضي الفلسطينية المحتلة.
ودعا فتوح إلى ضرورة تفعيل المقاومة الشعبية في جميع نقاط التماس، والتجمع بالساحات، لإفشال ما يتم التخطيط له من قبل الفاشيين والعصابات الإجرامية اليهودية.
العرين تدعو للنفير
كما دعت مجموعة “عرين الأسود” إلى النفير، وقالت، في بيان لها الليلة الماضية: “ندعو أهلنا بالداخل المحتل والقدس الشريف وكل من يستطيع أن يصل إلى القدس فلتكن قبلته ووجهته، وندعو أهلنا بالضفة الغربية وقطاع غزة إلى صب جام غضبهم على الاحتلال”.
وأضاف البيان: “ايتمار بن غفير وعصابته الإجرامية قرروا أن يقتحموا مسجدنا وقبلتنا الأولى يوم غد ولمدة ثمانية أيام فلنجعلها جميعًا مقاومة وشعباً أيامًا لله وأيامًا من نار على الاحتلال ومستوطنيه”.
تحويل حجارة الأقصى لمجوهرات
وفي سياق استثمار العيد العبري نشرت مصادر إسرائيلية، يوم أمس، منشورات وإعلانات لبيع إحدى المنظمات الاستيطانية قطع مجوهرات مكونة من حجارة المسجد الأقصى.
وبحسب ما أفادت المصادر الإسرائيلية، فإن منظمة “بيدينو” الاستيطانية قامت ببيع حجارة المسجد الأقصى علناً بعد نشر إعلان عن بيع قطع مجوهرات تتكون من حجارة مأخوذة من داخل المسجد الأقصى لدى محل مجوهرات يدعى (مجوهرات موريا) يقع في الحي اليهودي بالبلدة القديمة في القدس المحتلة.
وكانت المنظمة الاستيطانية قد أعلنت عن “خصم يصل إلى 40%” على كافة هذه المجوهرات، وقالت إن ريع بيع هذه الحجارة سيرصد لدعم نشاطات التهويد التي تقوم بها جماعات المعبد الاستيطانية في تنظيم اقتحامات الأقصى.
وأعلنت المنظمة أن هذه الحجارة مأخوذة مما سمته “مشروع تنقية التراب في جبل المعبد” الذي أقدمت من خلاله ما تسمى “سلطة الآثار” على سرقة كميات من الطمي والأتربة التي رفعت خلال فترة حفر وافتتاح بوابات المصلى المرواني الشمالية في المسجد الأقصى المبارك قبل أكثر من 20 عاماً.
عيد صهيوني
وفي سياق متصل، قال الباحث المقدسي فخري أبو دياب إنه ليست كل الأعياد اليهودية هي بالفعل أعياد توراتية، فمثلا “عيد الحانوكا” ليس عيداً توراتياً، وإنما عيد يهودي صهيوني، ومثل هذه الأعياد تكون هي الأصعب على المسجد الأقصى من حيث زيادة عدد الاقتحامات.
وقال أبو دياب: “في هذا العيد، وانحراف المجتمع الصهيوني إلى اليمين المتطرف، حيث ستتشكل بعد عدة أيام حكومة لدى الاحتلال هي من أكثر الحكومات في تاريخ دولة الاحتلال تطرفاً، وقد تعطي إشارة البدء بفرض وقائع تهويدية على المسجد الأقصى”.
وأوضح أبو دياب أن المستوطنين سيعملون على استغلال هذا العيد لبدء تجسيد وترجمة سياسات الاحتلال التهويدية على المسجد الأقصى، وتغيير الواقع التاريخي وكذلك الوضع القانوني والواقع الراهن الحالي، ولذلك أتوقع أن يحدث هذا من خلال زيادة اقتحامات المسجد الأقصى وعدد المقتحمين في كافة أبواب المسجد، وكذلك أوقات اقتحامهم.
وشدد أبو دياب: “مع زيادة الدعم الذي سيتلقاه المستوطنون من الحكومة الجديدة، وسيكون لجماعات الهيكل الاستيطانية حظاً وافراً من هذا الدعم، سيزداد الضغط على الأقصى، وسيكون على موعد مع مزيد من الاعتداءات والانتهاكات في الأيام القليلة القادمة، لذلك فإن المسجد الأقصى والقدس على مفترق طرق حقيقي إذا لم يكن هناك وقفة صمود وثبات لإيصال رسالة للمستوطنين والمتطرفين أن هذا المسجد خط أحمر لن يستطيعوا أن يتجاوزوه أو يدنسوه”.
المصدر: القدس العربي
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=139298