مرضى الأورام في غزة..أحكام إسرائيلية بالموت البطيء

عشرات المناشدات أطلقتها عائلة الأكاديمي الفلسطيني محمود الكرد (45 عاماً)، المريض بسرطان الرئة منذ قرابة العامين من أجل الضغط على الاحتلال السماح للمرور من قطاع غزة إلى الداخل المحتل لتلقي العلاج في مستشفى المطلع بالقدس المحتلة.

وأكّدت عائلة الكرد لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أنّ ابنها كان قد حصل على تحويلة موثقة من مستشفى المطلع لتلقي العلاج الإشعاعي هناك، إلا أنّه ومنذ 10 أيام، رفض الاحتلال للمرة الرابعة تواليا السماح للأكاديمي الكرد بالخروج للمستشفى لتلقي العلاج، دون الإفصاح عن أي سبب لهذا المنع لمريض ينتظر الموت.

وعلى إثر تعنت الاحتلال، تدخلت عدة جهات حقوقية ودولية للضغط على الاحتلال للسماح للكرد لتلقي العلاج بمستشفى المطلع، وبعد معاناة شديدة وتدهور كبير طرأ على صحة الكرد، سمح أخيراً له بالمرور إلى مستشفى المطلع، وما هي إلا ساعات قليلة لوصوله للمستشفى المذكور، حتى أُعلن عن وفاته متأثراً بمرضه، مساء أمس الجمعة.

الكرد كان يمضي ساعات طويلة على فراش المرض ببيته الكائن في مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، بعد فشل آخر محاولة للسفر إلى القدس؛ هي الرابعة في واقع الأمر منذ اكتشاف إصابته بسرطان الرئة (درجة رابعة)، في أكتوبر/ تشرين الأول 2020م.

 وكانت النتيجة أن هذا الرجل الذي يحمل درجة الدكتوراه في التنمية والاقتصاد، وعمل أكاديميًّا في جامعات غزة، أنْ خسر من وزنه قرابة 63 كيلوجرامًا منذ اكتشاف السرطان.

وظهر الكرد في مقاطع مصورة له نشرها مقربون، وقد بدا هزيلاً بدرجة كبيرة، وغير قادر على الكلام إلا بمعاناة كبيرة.

وكان الكرد قد قال في حديثه المقتضب: “في شهر 10 لعام 2020: تم اكتشاف سرطان الرئة لدي، وقرر لي الأطباء أخذ جرعات من الكيماوي، وقد خرجت إلى مصر ومكثت ثلاثة أشهر، إلا أنّي واجهت معاناة شديدة في المصاريف والعلاج وغيره”.

وأكّد الراحل الكرد الحاصل، على درجة الدكتوراه في التنمية والاقتصاد، وعمل أكاديميًّا في جامعات غزة، أنّه خسر من وزنه قرابة 63 كيلوجرامًا منذ اكتشاف السرطان، مبيناً أنّ مرضى السرطان يعانون الأمرّين في غزة، المنع من السفر لتلقي العلاج من جهة، وعدم توفر العلاجات الخاصة بالسرطان في غزة من جهة أخرى.

وكان الكرد قد ناشد برسالة مقتضبة، أحرار العالم والأردن ومصر، “أن الوقت ليس في صالحه، وأنه ينتظر الموت، وأنّه من الضروري أن يأخذ علاجًا إشعاعيًّا”، وهو ما لم يتحقق.

ورصد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وفاة عشرات الفلسطينيين على إثر مماطلة الاحتلال في منحهم التصاريح اللازمة للخروج من قطاع غزة للعلاج، كان آخرهم المواطن أكرم أحمد السلطان (62 عاماً)، من سكان محافظة شمال قطاع غزة، والذي توفي بعد حرمانه من السفر لتلقي العلاج في مستشفى المطلع بمدينة القدس المحتلة.

وبوفاة الأكاديمي الكرد، يرتفع عدد حالات المرضى المتوفين نتيجة منعهم من السفر للعلاج في الخارج منذ بداية العام الحالي إلى 8 وفيات، منهم 3 أطفال.

ووفقاً لمتابعات المركز الحقوقي، فقد عرقلت سلطات الاحتلال منذ بداية العام وحتى نهاية سبتمبر 2022 سفر 5472 مريضاً يعانون من أمراضٍ خطيرةٍ، ولا يتوفر لهم علاج في مستشفيات قطاع غزة، مبيناً أنّ هذه القيود تتزامن مع تدهور المنظومة الصحية في قطاع غزة جراء الحصار المفروض على القطاع منذ 16 عاماً، وتسببت في نقص مزمن في قائمة الأدوية الأساسية، والأجهزة الطبية، ونقص الكادر الطبي المتخصص.

بدوره؛ يقول المدير العام لمجمع الشفاء الطبي، محمد أبو سلمية: إن النصف الثاني من العام الجاري، شهد ارتفاع نسبة الحالات الممنوعة من المرور من جانب الاحتلال الإسرائيلي من أجل العلاج في مستشفيات الضفة أو القدس المحتلة بنسبة تصل إلى 35%.

وأوضح أبو سلمية لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن المنع الإسرائيلي يأتي بشكلين، المنع التام أو إبقاء المريض تحت الفحص لفترة، في الوقت الذي لا يمكن لهذه الحالات الانتظار لفترات طويلة، حيث يجب تنفيذ البرتوكول العلاجي وفقاً لمواعيد محددة.

يُشار إلى أن مستشفيات قطاع غزة لا يتوفر فيها العلاج الإشعاعي أو المسح الذري الخاص بمرضى الأورام “السرطان”، إلى جانب النقص الكبير في أدوية العلاج الكيميائي، وهو ما يدفع نحو تحويل المرضى نحو مستشفيات القدس أو الضفة المحتلة.

ويلفت المدير العام لمجمع الشفاء الطبي، إلى أن 50% من أدوية العلاج الكيميائي الخاصة بمرضى الأورام غير موجودة في القطاع و40% من الأدوية الأساسية غير متوفرة، وهو ما يعكس حجم الأزمة التي يعاني منها القطاع الصحي.

وبحسب آخر الإحصائيات الصحية، فإنّ عدد مرضى الأورام في قطاع غزة ارتفع إلى نحو 16 ألف مريض بمعدل 90,8 لكل 100 ألف نسمة، إذ تشخص الصحة 2000 حالة سنويًّا، وهذه البيانات مرشحة للزيادة لتصل إلى 180 حالة لكل 100 ألف نسمة في عام 2040.

وبحسب تقرير حديث لمركز الميزان لحقوق الإنسان، فإنّ عرقلة الاحتلال وصول المرضى المستشفيات هي فعل غير مبرر، وأنّه برغم حالاتهم المرضية الصعبة، وبرغم تحويلهم للعلاج بموجب قرار من لجان وزارة الصحة المتخصصة، إلا أنه لا توجد ضمانة بأن المريض سيتمكن من الوصول إلى المستشفى والحصول على العلاج المناسب.

وأوضح أنّه في كثير من الأحيان تخضع الطلبات للمماطلة أو الرفض من سلطات الاحتلال، بل إنها في بعض الأحيان تمنح المريض موافقة على المرور، وعند وصوله الحاجز يمكن أن تعتقله هو أو مرافقه.

وطالب المركز الحقوقي السلطة الفلسطينية، بضرورة العمل على مضاعفة الجهود لتوطين الخدمات الصحية وتنمية القطاع الصحي من خلال الاهتمام بنظم الخدمات الصحية وحزم التدخلات الأساسية، وزيادة الاستثمار بما في ذلك الكوادر الطبية وتأهيل وترميم البنية التحتية في المرافق الصحية، وزيادة النفقات التشغيلية.