“عدالة”: التشريعات في وزارة الأمن الداخلي الإسرائيلية عنصرية ضد العرب وغير قانونية ولا دستورية

يؤكد مركز “عدالة” داخل أراضي ٤٨، في رسالة إلى المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، والمستشارة القضائية للكنيست، أن التعديلات التي يصر عليها عضو الكنيست إيتمار بن غفير، حول عمل الشرطة ووزارة الأمن الداخلي والصلاحيات التي يطمع في الحصول عليها من خلال التشريعات التي ألزم بها الائتلاف الحكومي الجديد في الاتفاق بينهم، هي عنصرية بالدرجة الأولى. مؤكداً أنها موجهة ضد العرب بالأساس، وهي غير دستورية وغير قانونية بموجب قانون أساس- الحكومة، وكذلك تنتهك قانون أساس– حرية الفرد وحقه في العيش بكرامة ومساواة.

 ويستذكر مركز عدالة” أن في يوم 12.12.2022 تم تقديم اقتراح قانون في الكنيست من قبل رئيس حزب “قوة يهودية”، إيتمار بن غفير، والذي يقضي بتوسيع صلاحيات وزير الأمن الداخلي، وإخضاع الشرطة بشكل تام لسلطته وسياساته. يذكر أن تقديم اقتراح القانون يأتي كجزء من الاتفاقات لتشكيل الائتلاف الحكومي الجديد، والذي تم الاتفاق عليه بين حزب الليكود وحزب “قوة يهودية” في يوم 25.11.2022، بموجبه سيتولى عضو الكنيست ايتمار بن غفير، المدان بالارهاب وعشرات التهم الجنائية، منصب وزير الأمن القومي (وزير الأمن الداخلي مع صلاحيات أوسع من السابق)، وبالتالي سيكون مسؤولًا عن عمل جهاز الشرطة وبالتعديلات المطلوبة في اقتراح القانون ستمنحه صلاحيات واسعة في حالات معينة، ومطلقة في حالات أخرى.

يذكر أيضاً أنه تمت المصادقة على اقتراح القانون في الكنيست بالقراءة الأولى يوم 20.12.2022، حيث يتم في هذه الأثناء تداوله في اللجنة الخاصة التي شكلت لمناقشته، تمهيداً للمصادقة عليه في القراءة الثانية والثالثة في الأيام المقبلة. وينص جوهر الاقتراح على خضوع المفتش العام للشرطة وجهاز الشرطة بأكمله لـ “مبادئ وسياسات الوزير”، ويمنحه صلاحيات واسعة ومطلقة في كثير من مجالات عمل الشرطة، وبينها تعليمات وتوجيهات في كل ما يتعلق بالتحقيقات، التعامل مع الملفات القضائية، التقديم للمحاكمة، التفتيشات وسياسات إطلاق النار وغيرها.

قانونيًا، يعمل جهاز الشرطة في دولة الاحتلال وفق بنود وقوانين معينة منصوص عليها في كتاب القوانين بشكل واضح، مثل قانون العقوبات 1982، قانون العقوبات 1996 وقوانين أخرى، مثل هذه القوانين هي التي تقرر طريقة عمل الشرطة ومتى يمكن فتح تحقيق، تنفيذ اعتقال، استدعاء الشهود، الحفاظ على حقوق المشتبه بهم ومن يتم التحقق معهم، إغلاق الشوارع والتظاهر، وغيرها. مثل هذه الصلاحيات والتعليمات لها علاقة مباشرة في الحفاظ على حقوق المواطنين، وقسم منها معد لحماية حقوق المواطنين أمام سلطة وبطش الشرطة. وأما اقتراح القانون المقدم يمنح الوزير صلاحيات فوق القانون وفي أحيان معينة قد تلغيه بالكامل.

وينوه مركز “عدالة” أنه هنا تظهر الإشكالية الدستورية والفجوة العميقة في اقتراح القانون المذكور: أولًا، لا يمكن قانونيًا السماح بأن تكون السياسيات العامة أو التعليمات الشخصية فوق القانون المنصوص في كتاب القوانين، والتي تم تشريعها وسنها في الكنيست واعتمادها رسميًا منذ عقود. ثانيًا، كون القوانين تحمي حقوق المواطنين، لا يمكن تخطي أي بند من بنود هذه القوانين من خلال سياسات جديدة.

ويتابع “عدالة”: “لذلك، هذا الاقتراح يخالف البند 34 لقانون أساس– الحكومة، الذي يمنع أن يمتلك أي وزير صلاحيات مطلقة، مثل صلاحيات الشرطة، خاصة في مجالات التحقيق، التفتيش، الاعتقال، التوقيف، التقديم للمحاكمة وتطبيق القانون، إذ تتحول سلطة القانون في هذه الحالة إلى سلطة السياسة، وهو ما يوصف بالدول الدكتاتورية”.

ثالثا، اقتراح القانون غير دستوري كونه ينتهك بالضرورة مبدأ المساواة أمام القانون، والذي يشمل المساواة في تطبيق القانون، ويمنع التطبيق العنصري والتمييز بين المجموعات السكانية المختلفة. بالتالي، ستؤدي المصادقة على هذا القانون إلى انتهاك الحقوق الدستورية للمواطن بالكرامة والحرية والمساواة والأمن، المستمدة من قانون أساس– حرية الإنسان وكرامته.

كذلك، ينوه المركز الحقوقي أن اقتراح القانون الذي يمنح وزير الأمن الداخلي صلاحيات واسعة ومطلقة خطير جداً، وذلك لشخص مقدم الاقتراح، والذي سيتولى بنفسه ذات المنصب، حيث إنه لا يخفي عدائيته للعرب والفلسطينيين، بل ويتفاخر بها بتصريحاته على الملأ. بهذا، التغييرات والصلاحيات التي يريدها في عمل الوزارة والأجهزة التابعة لها، لا سيما جهاز الشرطة، ستؤدي إلى ازدياد التمييز والعنصرية والتنكيل بمجموعات سكانية معينة من الأقليات في إسرائيل بالمجمل، وضد الأقلية الفلسطينية والمجتمع العربي بشكل خاص.

 منبها إلى أن هذه التغييرات بسياسة التحقيقات والتقديم للمحاكمة، خطيرة، والأخطر سياسة إطلاق النار وإعفاء رجال الشرطة من المحاسبة والعقاب، وما يؤكد ذلك هو ما نشره مقدم الاقتراح، المعروف بعنصريته، يوم 8.5.2021 على صفحته في منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك، إذ يقول: “أطالب المستوى السياسي بمنح رجال الشرطة صلاحية إطلاق النار دفاعًا عن حياتهم ضد المخربين العرب الذين يلقون الحجارة والزجاجات، ومنحهم حق استعمال الأسلحة النارية وعدم استعمال وسائل معدات تفريق المظاهرات فقط”.

 كما قال بن غفير مؤخرًا، في مقابلة نشرت في موقع “واينت”: “علينا إعادة الأمن والردع، هناك ضرورة لتغيير تعليمات إطلاق النار، وإصرارنا على هذا الأمر في المفاوضات الائتلافية الحكومة لم يأت من فراغ”.

حصانة للقتلة

ويؤكد “عدالة” أيضاً أن موضوع الحصانة التامة للقتلة ولمرتدي الزي الرسمي وإعفاءهم من المحاكمة والإفلات من العقاب لا يقل أهمية عند مقدم اقتراح القانون العنصري الذي نشر يوم 17.12.2022 مقاطع من مقابلات أجراها مع الصحافة، وكتب: “أريد تهجير كل المخربين من البلاد، ومنح حصانة للجنود ورجال الشرطة واستعادة الأمن والسيادة والسلطة للشوارع في إسرائيل”.

استهداف العرب

وينبه عدالة إلى أنه لأجل كل ما ذكر أعلاه، يجب اعتبار اقتراح القانون هذا عنصريًا ضد المواطنين العرب، ويضطهدهم بشكل واضح ويعاملهم باعتبارهم أعداء يجب التعامل معهم وفق سياسات متغيرة، وليس وفق قانون واضح ومكتوب في كتاب القوانين، وليس من قبيل الصدفة ذكر مقدم الاقتراح في شرح اقتراحه أن الحكومة والوزير يحددون سياسة الجيش، وهذا ما يجب أن يحدث مع الشرطة كذلك.

ويتابع: “من المهم التأكيد على أنه مع كل ما ذكر وكتب أعلاه، لا يمكن تجاهل أن جهاز الشرطة حاليًا يعمل وفق أجندات وسياسات عنصرية وتمييزية، بغض النظر عن اقتراح القانون الموجود حاليًا، ويتعامل مع المجتمع العربي كمجتمع معادٍ. إذ لا يمكن التغاضي عن أن الجهاز ذاته هو من قام في أحداث أكتوبر 2000 بقتل، بدم بارد وبأوامر مباشرة، 13 فلسطينيًا مواطنين في إسرائيل، وأن لجنة التحقيق التي عينت للتحقيق في الجرائم، وفي سبب تفاقم المواجهات بين الشرطة والمواطنين كتبت في توصياتها واستنتاجاتها أن “على الشرطة تذويت حقيقة أن المواطنين العرب ليسوا أعداء، وغرس هذه المفاهيم في أذهان رجال الشرطة ومنعهم من التعامل معهم باعتبارهم أعداء”.

ويذكر أنه على الرغم من مرور عقدين على هذه التوصيات، إلا أن التعامل العدائي والقمعي للشرطة ضد المواطنين الفلسطينيين لم يتوقف. بل على العكس تمامًا، ارتكب رجال الشرطة المزيد من الجرائم، وقتلوا المزيد من المواطنين الفلسطينيين في الداخل، منهم المربي يعقوب أبو القيعان عام 2017 خلال تهجير واقتلاع قرية أم الحيران في النقب وسكانها من منازلهم، والقمع والتنكيل بالمتظاهرين خلال هبة الكرامة في أيار 2021، والتمييز في تطبيق القانون بين العرب واليهود/ ومحاكمة العرب بأقسى الأحكام بسبب التظاهر، وعدم محاكمة قتلة الشهيد موسى حسونة من اللد، وإغلاق ملفات القتلة والاعتداءات على المتظاهرين العرب من قبل المستوطنين المسلحين بعد تدخل مباشر وضغط من وزراء وأعضاء كنيست، ومقتل محمد كيوان من أم الفحم، وغيرها من الجرائم.

ويقول “عدالة” إن مقدم اقتراح القانون يحاول اليوم، من خلال اقتراحه تحويل المعاداة العنصرية والتنكيل بالعرب إلى أمر قانوني ورسمي يتم تشريعه من قبل الكنيست والحكومة، ما سيزيد من تفاقم العنصرية والعنف والتنكيل من قبل الشرطة بالمواطنين العرب.

لأجل كل ما ذكر أعلاه، يطالب مركز عدالة بوقف عملية تشريع هذا الاقتراح، وعدم المصادقة عليه، باعتباره غير قانوني ولا دستوري وذا تبعات لا تحمد عقباها.

 الخطوط العريضة للحكومة الإسرائيلية الجديدة:

يؤكد “عدالة” أن هذه النقاط تشكل إعلانًا واضحًا وصريحًا عن توجهات الحكومة العنصرية والقمعية وتعزيز الفوقية اليهودية وتعزيز الفصل العنصري، خاصة في البند الأول منها، والذي ينص على أحقية اليهود في كل أرض فلسطين التاريخية، وكذلك العمل على تعزيز مكانة القدس كاملة كعاصمة لإسرائيل وتعزيز الاستيطان في الأراضي المحتلة.

لا تترك الاتفاقيات الائتلافية والتشريعات ومقترحات القوانين المرافقة لها أي مجال للشك حول توجهات هذه الحكومة وإلى ماذا تهدف: تعزيز نظام الفصل العنصري “أبرتهايد” في المناطق المحتلة، إلى جانب تعزيز الاضطهاد والتمييز العنصري الممنهج ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، والتعامل معهم باعتبارهم أعداء، وتعزيز تعامل الشرطة وجهاز الأمن العام (الشاباك) معهم بشكل قمعي.