2023..هل يُلقي حجرا في مياه غزة الراكدة؟

أغلق عام 2022 أبوابه في قطاع غزة على حالة من الركود في المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، التي قد تتحول، وفق تقدير محللين سياسيين واقتصاديين، إلى حراك نسبي في بعض الملفات، خلال العام الجديد تفرضه المتغيرات الحاصلة على الساحة الفلسطينية.

ويرى المحللون، في حوارات منفصلة مع وكالة الأناضول، أن قطاع غزة يقف خلال العام الجديد على جملة من الاستحقاقات على رأسها مستقبل العلاقة بين إسرائيل والقطاع.

ورغم حالة الهدوء النسبي التي شهدها القطاع خلال عام 2022 إلا أن الفصائل الفلسطينية وأبرزها حركة “حماس” أنذرت من اندلاع جولة جديدة من القتال خلال 2023 في أعقاب تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة.

كما قد يكون لملف تبادل الأسرى بين حركة “حماس” وإسرائيل، بحسب المحللين، نصيب خلال هذا العام، في ظل تصريحات أطلقتها مسؤولون في “حماس” وذراعها العسكري كتائب “عز الدين القسّام”.

وعلى الصعيد السياسي، يعتقد المحللون أن الحراك الذي بذلته الجزائر، خلال عام 2022 من أجل لم الشمل الفلسطيني سيتواصل، لكن دون وجود نتائج حقيقية على أرض الواقع.

واقتصاديا، استبعد المحللون حدوث انفراجة في القطاع، متوقعين استمرار الحال على ما كان عليه خلال 2022.

ميدان غزة

شكك مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، هاني المصري، باستمرار حالة الهدوء النسبي التي سادت قطاع غزة خلال عام 2022.

وقال المصري، في حديث لوكالة الأناضول، إن قطاع غزة ينتظره إثنين من السيناريوهات المرتبطة بالوضع الميداني والعسكري.

يتمثّل السيناريو الأول، بحسب المصري، بـ”أن تُلقي الأحداث والتوترات الجارية في الضفة الغربية ومدينة القدس، بظلالها على قطاع غزة”.

وقال المصري عن ذلك: “من الصعب على قطاع غزة أن يستمر بضبط النفس في حال ارتكب الاحتلال أعمال كبيرة تمسّ المسجد الأقصى، أو مرتبطة بالتهجير أو الضم أو مجازر بشرية في ظل حكومة إسرائيلية متطرفة ومجنونة”.

ويتوقع المصري أن الشعب والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، سيواجهون تلك الإجراءات بحيث يعتمد كل طرف على إمكانياته.

وأما السيناريو الثاني، فهو استمرار حالة الهدوء النسبي بغزة في حال لم ترتكب إسرائيل أعمال كبيرة، بحسب المصري.

واستكمل قائلا: “الطرفان لا يريدان مواجهة مًكلفة، كما أن القطاع لا يستطيع أن يتحمّل أعباء كبير كل فترة زمنية قصيرة”.

ويعتقد المصري أن السيناريو الثاني، بحسب المؤشرات الحالية هو الأقوى حدوثه بنسبة تصل إلى 60 بالمئة، مع وجود مزيد من التصعيد لكنه يستبعد أن يكون نوعيا.

ملف تبادل الأسرى

أسدل عام 2022 الستار على تصريحات أطلقتها قيادات من حركة “حماس” حول رغبتها في عقد صفقة تبادل أسرى جديدة مع إسرائيل، محذرة الأخيرة من المماطلة في ذلك.

وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، هدّد زعيم “حماس” بغزة يحيى السنوار إسرائيل بـ”إغلاق ملف الجنود الإسرائيليين لدى “كتائب القسّام” (الجناح العسكريّ لحماس) إلى الأبد”، فيما قال المتحدث باسم كتائب “القسّام”، أبو عبيدة، إن “قرار زيادة غلّة الجنود الأسرى ما زال ساري المفعول وتحت التنفيذ في ظل تعنت الاحتلال في ملف تبادل الأسرى”.

ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني، أن تلك التصريحات تعكس رغبة حقيقية لدى الحركة للذهاب في صفقة تبادل، والتي تواجه تعطيلا إسرائيليا، وفق قوله.

ويرجّح الدجني أن يذهب رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديدة بنيامين نتنياهو، لعقد صفقة تبادل أسرى مع حركة “حماس”، لتحقيق هدفين.

الأول، وفق الدجني، يرتبط بـ”تحييد قطاع غزة عن الأحداث الجارية في الضفة الغربية وعدم الرغبة في الدخول بمواجهة عسكرية معه”.

أما الهدف الثاني، فهو مرتبط بـ”اعتقاد لدى نتنياهو حول قوته وسلطته وأنه قادر على اتخاذ قرار حاسم في هذا الملف خاصة وأن هؤلاء الجنود تم أسرهم في عهد حكومته السابقة فمن الأخلاق أن يساهم في الإفراج عنهم وفق تقديراته”، كما قال الدجني.

ويوضح أن عام 2023 من الممكن أن يشهد صفقة تبادل أسرى جديدة، لكنه يعتقد أن تعثّر هذا المسار من شأنه أن “يُفجّر الأوضاع بغزة”.

واستكمل قائلا: “تعثر مسار التبادل ممكن أن يفجر الأوضاع بغزة وربما نشهد صفقة تلي المواجهة”، لافتا إلى أن “الفصائل والاحتلال يحاولان تجنّب المواجهة العسكرية لكن المحدد النهائي يكون الميدان”.

وأشار إلى أن التصريحات الأخيرة لأبو عبيدة، تعدّ بمثابة “رسالة سياسية للمجتمع الإسرائيلي أن المقاومة لم تتردد في زيادة الغلة وأن هذا الملف يجب أن ينتهي”.

المصالحة الفلسطينية

شهد ملف المصالحة الفلسطينية حراكا جزائريا منذ بداية عام 2022، حيث تم التوصّل في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لاتفاق مصالحة باسم “إعلان الجزائر”، وقّعت عليه الفصائل الفلسطينية.

لكن هذا الملف لم يُحقق أي نتائج عملية على أرض الواقع فيما لم يخرج “إعلان الجزائر” إلى النور بعد.

وقال المتحدث باسم حركة “فتح” حسين حمايل، إن وفدا من حركته اجتمع بوفد من حركة “حماس”، في الجزائر، الأسبوع الماضي.

وأضاف في تصريح لوكالة الأناضول، إن “ذلك اللقاء لم يخرج بأي جديد ولم يتم الاتفاق فيه على أي بند”.

وأوضح أن “حركته ملتزمة بكل ما وقّعت عليه في إعلان الجزائر”.

واستكمل قائلا: “يبدو أن حركة حماس لديها حسابات أُخرى في موضوع المصالحة ولا تمتلك إرادة لذلك”.

في المقابل، قال قيادات من “حماس”، في تصريحات سابقة، إن حركتهم “جاهزة ومستعدة لتنفيذ بنود إعلان الجزائر”.

وفي السياق، يقول مدير مركز القدس للدراسات، التابع لجامعة القدس، أحمد رفيق عوض، إنه من “الصعوبة توقع تحقق المصالحة الفلسطينية خلال عام 2023”.

وأضاف في حديث لوكالة الأناضول، أن مواقف حركتي “فتح” و”حماس” والعراقيل التي اصطدمت باتفاقات المصالحة الماضية، ما زالت موجودة.

وأردف: “الجهود الجزائرية المتواصلة فيما يتعلق بإنهاء حالة الانقسام لن تفضي بأي جديد خلال العام كما أن الجزائر لا تمتلك القدرة أو الأدوات لفرض ذلك على الفصائل”.

لكنه يعتقد أن حالة من “التهدئة قد تسود العلاقة المتوترة بين الطرفين لكن دون حدوث تقدّم في ملف المصالحة”.

ويرجع عوض ذلك إلى “وجود رغبات خارجية باستمرار حالة الانقسام، وأبرزها الرغبة الإسرائيلية التي تريد أن يبقى الشعب مفككا ومفتتا”.

واستكمل قائلا: “هناك ضغوط إقليمية أيضا تريد أن يبقى الفلسطينيون منقسمين وذلك لما يعود عليهم -الأطراف الإقليمية- من مصالح”.

وأشار إلى وجود قوة داخلية -لم يسمّها- ترى في “بقاء حالة الانقسام مصلحة لها”.

ولفت إلى أن تحقق المصالحة يتطلب “وجود إرادة حقيقية بين حركتي فتح وحماس”، خاتما قوله: “المصالحة قرار فلسطيني رغم كل شيء بحاجة إلى إرادة”.

الوضع الاقتصادي

يتوقع مدير عام الغرفة التجارية في غزة ماهر الطباع، استمرار حالة الركود التي شهدها القطاع الاقتصادي خلال عام 2022، وما سبقه من أعوام الحصار الإسرائيلي.

وقال الطباع، في حديث لوكالة الأناضول، إن عام 2023 سيكون امتدادا للأعوام التي شهدت تضييقا على القطاع الاقتصادي وتدميرا له، وألقت بظلال سلبية على أوضاع السكان وحالتي البطالة والفقر.

وأردف: “أعوام الحصار شهدت أيضا هجمات وحروب إسرائيلية عسكرية أثرت بشكل واسع على القطاع الاقتصادي”.

وأوضح أن كافة المؤشرات الاقتصادية في غزة تنامت خلال السنوات الماضية باتجاهات سلبية.

وخلال الأعوام السابقة، لم يشهد القطاع الاقتصادي، بحسب الطبّاع، أي انفراجة أو حلحلة في الأوضاع بغزة.

وأشار إلى أن غياب الحلول الجذرية لقضايا قطاع غزة الاقتصادي يؤدي إلى استمرار حالة الضعف في هذا القطاع.

ويرجّح الطبّاع زيادة الأزمات الاقتصادية خلال عام 2023 بشكل أكبر من خلال زيادة معدلات البطالة والفقر في ظل حالة الركود المستمرة.

واستكمل قائلا: “قطاع غزة يشهد حالة ركود لانعدام القدرة الشرائية ونتيجة للتضخم الذي يضرب العالم، ما يحصل كارثة حدوث التضخم بدون دخل للسكان”.

وأشار إلى أن تصاريح العمل التي منحتها إسرائيل لأعداد من العمال في غزة، تعدّ مؤشرا جيدا، لتحسين أوضاع عائلاتهم الاقتصادية.

وبيّن أن مدخولات هؤلاء العامل لن تؤثر على الاقتصاد العام بالقطاع، إلا في حال ارتفع أعدادهم إلى ما يزيد عن 40 ألف عامل.

وطالب الطبّاع المؤسسات الدولية بـ”تدخل فاعل والضغط على إسرائيل لرفع حصارها وتحسين الواقع المعيشي في غزة”.

وبحسب المرصد “الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان فإن نحو مليون ونصف فرد من سكان قطاع غزة البالغ عددهم مليونين و300 ألف نسمة يعشون حالة الفقر بفعل الحصار والقيود الإسرائيلية المفروضة على القطاع منذ 2006.

المصدر: الأناضول