يشكل اتجاه المواجهة بين الفلسطينيين والاحتلال، إلى منحى خطير بتحولها إلى حرب دينية، لدى العواصم المطبعة مع إسرائيل، مخاوف حقيقية في تل أبيب، وخشية تعرض تلك الأنظمة لحرج مع شعوبها، خاصة بعد اقتحام الوزير المتطرف إيتمار بن غفير ساحات الأقصى.
مع العلم أن أصدقاء إسرائيل في المنطقة فوجئوا باقتحام إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى، وأصيب كبار المسؤولين وضباط الأمن في العواصم المحيطة بها بالقلق، وهم المسؤولون عن الاتصال اليومي مع تل أبيب، خاصة أن يومين فقط مرّا على هذه الحكومة، وقام زعماؤها بتهنئة رئيسها بنيامين نتنياهو، لكن الاقتحام سقط عليهم كالقنبلة بالفعل، فبن غفير ليس شخصا عاديا كما كان، بل عضوا في مجلس الوزراء، ورئيس حزب في الائتلاف.
جاكي خوجي، محرر الشؤون العربية في إذاعة جيش الاحتلال، ذكر أن “الانطباع السائد في العواصم العربية المطبّعة مع الاحتلال أنه إذا كانت هذه هي سياسة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فقد بات واجبا معرفة من صاحب القرار فيها؛ بن غفير أم نتنياهو، ومن يحرّك من؛ لأنها تدرك أن أوقاتا عصيبة أمامها، واحدة تلو الأخرى، ما دفعها لاستنكار الاقتحام بكلمات شديدة، رغم أن بعضها اختارت كلماتها بعناية، وبدلاً من أن “تدين”، فقد “أعربت عن أسفها”.
ونقل في مقال نشرته صحيفة معاريف، وترجمته “عربي21″، عن دبلوماسي أجنبي متمرّس في المنطقة، أنه “لن تكون هناك فرصة ثانية لهذه الدول العربية لاحتواء أي أزمة قادمة، لأنه في ظل الوضع الراهن، ليست هي الوحيدة التي تضع أجندة إقليمية، والمسجد الأقصى موضوع مدوّ، وإسرائيل بذلك تلعب بالنار، وكل عاصمة عربية لها علاقات معها توجه الأسئلة إليها: أين تتجه حكومة نتنياهو؟ صحيح أن هناك علاقات استراتيجية بينها، وإسرائيل قوة إقليمية، ولدى هذه الدول الكثير ليخسروا إذا أبعدوا أنفسهم عنها، لكنهم أمام الأقصى لا حول لهم ولا قوة”.
وأشار إلى أنه “إذا انتهى الأمر بهذه الدول المطبّعة، وكان عليهم الاختيار بين الأقصى والعلاقات مع إسرائيل، فقد يتخذون قرارات من شأنها الإضرار بالعلاقات، ليس بسبب أهمية الأقصى بالنسبة لها، لكن بسبب الخطر الذي يواجهونه منه خشية بدء الشارع العربي في الاحتجاج، وفي هذه الحالة لا يحتاج من حماس تسخينه، بل سيتصرف من تلقاء نفسه، وفي هذه الحالة ستوجه الجماهير غضبها المباشر للأنظمة العربية نفسها، ما يعني أن إسرائيل تمتلك صاعقة قد تشعل العواصم العربية بعيدا عنها”.
وأكد أن “أي حدث من نوع اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى، فسوف تعتبره هذه الأنظمة العربية بمثابة هجوم إسرائيلي على أمنها القومي، ما قد يهدد علاقاتها، مع أن إسرائيل احتفلت قبل شهرين بمرور 28 عاما على السلام مع الأردن، وبعد شهرين سيمرّ 44 عامًا على السلام مع مصر، وخلال ديسمبر أقيمت مأدبتان في تل أبيب، أولاهما لسفير البحرين خالد الجلاهمة، وثانيهما لسفير الإمارات محمد آل خاجة، احتفالا باليوم الوطني لبلديهما، وبحضور إسرائيلي أيضا، بما فيه بن غفير ذاته”.
وزعم أن “هذه الدول العربية المطبّعة لا تخفي العلاقة مع إسرائيل فحسب، بل تريد المزيد، لكنها تعرف أن هذه العلاقات قد تتضرر إذا اشتعلت النيران في المسجد الأقصى، ولذلك كيف تتوقع هذه الحكومة إحلال التطبيع مع الرياض وهي تشعل الأقصى، في هذه الحالة سيتم إغلاق الخيار السعودي، صحيح أن وزراء إسرائيليين اقتحموا الأقصى سابقا، لكن بن غفير في الذهن العربي ليس مجرد وزير، بل يقود تيارا يرى في الأقصى منطقة مقدسة لليهود”.
وأوضح أن “تزامن شبح الحرب الدينية حول الأقصى مع تفاقم الظروف الاقتصادية للدول العربية يجعل الوضع فيها محفوفا بالمخاطر، ويطرح علامات استفهام حول مدى استقرار هذه الأنظمة، وبالتالي فإن احتمال إشعال الفتيل الديني يزيد من ثقل هموم الحكام العرب، ما دفع مسؤولا مصريا لإبلاغ نظيره الإسرائيلي أن حكومته تلعب بالنار إذا كانت تنوي السماح لبن غفير باقتحام الأقصى بشكل دائم من الآن فصاعدًا، وإذا كان التوتر في غزة له حل، ويمكن التعامل مع حماس، فإنه في الحالة مع الأقصى، لا أحد يعرف ما هو الحل الذي ينتظرنا”.
لا تبقي هذه القراءة الإسرائيلية كثيرا من استشراف مستقبل التطبيع مع الدول العربية في حال واصلت حكومة الاحتلال تحدي الفلسطينيين والعرب والمسلمين في الاقتحام المتكرر للأقصى، لأنه يضع كل هذه الاتفاقيات في مهب الريح، في حال اشتعل الوضع الفلسطيني، وإمكانية امتداده إلى الدول العربية والإسلامية، لأن الاحتلال يتعمد المسّ بأقدس مقدساتهم في المسجد الأقصى، وفي هذه الحالة تزداد المخاوف الإسرائيلية من طي صفحة التطبيع، أو على الأقل توقفها.
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=139783