تساءل المؤرخ وأستاذ دراسات الشرق الأوسط الحديث بجامعة كولومبيا، رشيد الخالدي، إن كانت الولايات المتحدة ستبني سفارتها في القدس على أراض مصادرة من الفلسطينيين.
وفي مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” قال الخالدي إن إدارة بايدن تضاعف من قرار سلفها المتهور دونالد ترامب والاعتراف بمزاعم إسرائيل بالقدس عاصمة لها، وهو قرار خرق سياسة أمريكية عمرها 70 عاما.
وتمضي وزارة الخارجية بخطط لبناء السفارة في القدس على أراض سرقتها إسرائيل مباشرة بعد قيامها من اللاجئين الفلسطينيين ومنهم مواطنون أمريكيون.
وأضاف الخالدي أن إدارة ترامب اعترفت في عام 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقلت سفارتها عام 2018 من تل أبيب إلى القدس، ومنذ ذلك الوقت تعمل السفارة في منطقة أرنونا، في بناية القنصلية. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، نشرت لجنة البناء والتخطيط في منطقة القدس، ملامح مفصلة قدمها المسؤولون الأمريكيون في 2021 لبناء مجمع دبلوماسي على مساحة من الأرض عرفت مرة باسم “ثكنات اللنبي”. وكانت معظم مساحة الأرض في ثكنات اللنبي مملوكة لفلسطينيين تعود جذورهم في القدس إلى أكثر من ألف عام، وقال الخالدي: “أجّر أجدادي وبقية العائلات المقدسية الأرض لبريطانيا في نهاية حكمها لفلسطين”.
وفي الوقت الذي لم تؤكد فيه وزارة الخارجية الأمريكية هذه الخطط علنا، إلا أن مسؤوليها قالوا إن السفارة الجديدة ستكون في القدس، حيث أكدت إدارة بايدن اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل. ونقل موقع “ذي إنترسيبت” عن متحدث باسم الخارجية قوله: “ستلعب عدة عوامل، منها تاريخ الموقع في عملية اختيار موقع البناء”. إلا أن الخطط المقدمة لبناء السفارة الجديدة، والتي أعلنت عنها السلطات الإسرائيلية بشكل واضح، تُظهر أن العمل في المشروع على ثكنات اللنبي يمضي قدما.
ويقول الخالدي إن ملكيتهم للأرض واضحة، فقد كشف مركز عدالة للأقلية العربية في إسرائيل قبل فترة، عن عقود تأجير وجدها في الأرشيف الإسرائيلي وتوثق العملية التي وقّعت فيها بريطانيا عقود التأجير مع “عائلتنا وبقية العائلات في عام 1948. وبعد إنشاء إسرائيل، سيطرت الحكومة على المكان وظل لعدة سنوات مركزا لشرطة الحدود، ومنذ ذلك الوقت بقي فارغا”.
وذكر الخالدي أن هذا العام هو الذكرى الـ75 على إنشاء إسرائيل. وبدلا من السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى منازلهم حسب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي دعمتها الولايات المتحدة، دمرت إسرائيل مئات القرى الفلسطينية وصادرة الممتلكات التي رأت أنها مفيدة. وبنت إسرائيل موقفها القانوني لمصادرة الأراضي على قانون “أملاك الغائبين” في عام 1950، واستخدمت إسرائيل القانون لتجريد الفلسطينيين من ملكية الأرض التي تفكر اليوم الولايات المتحدة في بناء سفارتها عليها.
ويضيف المؤرخ الفلسطيني: “أعرف هذا لأنني واحد من ملاك الأرض الفلسطينيين الذين قدموا لوزيرة الخارجية في حينه مادلين أولبرايت وثائق ضخمة عام 1999، تظهر أن نسبة 70% على الأقل من هذه الأرض يملكها اللاجئون الفلسطينيون، بمن فيهم عشرات من المواطنين الأمريكيين الورثة لها”.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، أرسل مركز عدالة، والمركز للحقوق الدستورية، رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن طالبا فيها بالإلغاء المباشر لخطة بناء السفارة. وطلب المركزان مقابلة مع المسؤولين الأمريكيين لنقل مظاهر قلق المُلاك الأصليين للأرض، إلا أن وزارة الخارجية لم ترد.
وقالت وزارة الخارجية إنها تفكر ببناء السفارة على موقعين، وأنها ستقوم بممارسة الحذر المطلوب في عملية تملك الأرض. وفي الحقيقة، فالنسخ الإسرائيلية الأصلية للتبادل بين المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين تشير إلى أن موقع السفارة الجديدة سيقام على ثكنات اللنبي ومكان آخر قرب السفارة الحالية الواقع على خطوط الهدنة، لكي يستخدم في احتياجات دبلوماسية أخرى.
ويرى الخالدي أن بناء سفارة أمريكية في القدس على هذا الموقع وغيره، يمثل جريمة قانونية وأخلاقية. وسيعزز من مزاعم إسرائيل الحصرية بالمدينة التي لم يحدد مصيرها بعد كما يتفق المجتمع الدولي بما فيه أمريكا. وسيعطي الضوء الأخضر لعمليات الطرد الإسرائيلية التي لا تتوقف للفلسطينيين، بشكل يجسد سياسات الفصل العنصري في المدينة ويعزل القدس الشرقية عن بقية المناطق في الضفة الغربية.
ويضيف الكاتب أن إدارة بايدن تعيد معايرة سياساتها من الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بما في ذلك التبعات في حال عززت إسرائيل من سياسات التوسع غير القانوني وقمع الفلسطينيين وحرمانهم من حقوقهم، كما تعهد نتنياهو وحلفاؤه.
والتوضيح هنا أن معارضة الولايات المتحدة للاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية لم تكن إلا مجرد كلام. فعلى مدى عقود، تحسرت واشنطن من السلوك الإسرائيلي، في وقت ظلت متواطئة في تل أبيب من خلال تقديم أكثر من 3 مليارات دولار كمساعدات عسكرية كل عام، ومعظمها يستخدم ضد الفلسطينيين. ومهما كان الأمر، فيجب على إدارة بايدن رفض عملية البناء على أرض مصادرة، وإظهار أن الولايات المتحدة لا تتسامح معه، علاوة على التواطؤ في سرقة مزيد من الأراضي الفلسطينية في القدس أو أي مكان آخر.
والفشل في ذلك، سيزيد من جرأة نتنياهو وحكومته الخطيرة ويزيد من الشك بمصداقية الولايات المتحدة في المنطقة.
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=139998