الكشف عن مخطط إسرائيلي يقايض بؤرة “نور الحياة” بـ”الخان الأحمر”.. وتحذير من ترانسفير جديد

تشير الوقائع على الأرض إلى أن الزيارة التي قام بها مستشار الأمن القومي الأمريكي، الأسبوع الماضي، إلى المنطقة، والتي اشتملت على عقد لقاءات مع مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين، بهدف تهدئة الأوضاع المتوترة، لم تؤت بأي نتيجة، بسبب المواقف المتشددة التي يبديها أقطاب الائتلاف الإسرائيلي اليمين الحاكم، والتي تذهب صوب تصعيد الخطط الاستيطانية، وملاحقة الفلسطينيين، وتوجه تلك الأقطاب لتنفيذ مخطط إخلاء وهدم قرية الخان الأحمر، شرق القدس المحتلة، على خلاف ما دعت إليه الإدارة الأمريكية.

ولم تكد تمضي سوى ساعات قليلة على انتهاء زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جايك سوليفان، حتى بادر مستوطنون لإقامة بؤرة استيطانية شمال الضفة الغربية، سرعان ما عملت شرطة الاحتلال على إخلائها، خشية من إدانات دولية أولها من الحليف الأمريكي، وكذلك خوفاً من انفجار صدام ميداني مع الفلسطينيين المدافعين عن أرضهم، غير أن تلك الحادثة التي أثارت خلافات بين الائتلاف الحاكم، لم تكن سوى مقدمة لهجمات أكثر خطورة.

وقد سارعت سلطات الاحتلال لإرضاء الغاضبين على إزالة البؤرة، وفي مقدمتهم المتطرفين ايتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية، إلى تنفيذ عمليات هدم طالت منازل فلسطينية جنوب الضفة، فيما عبر الأول عن خطته القادمة، والمتمثلة في إخلاء بلدة الخان الأحمر، بشكل فوري.

“الخان الأحمر” في مرمى اليمين

وتوعد بن غفير بإخلاء هذه البلدة، رداً على إخلاء البؤرة الاستيطانية التي أقامها مستوطنون، بينهم حفيد الحاخام دروكمان، على أراضي قرية جوريش جنوب شرق نابلس، وأطلقوا عليها اسم “أور حاييم”، أي “نور الحياة”.

ونقلت تقارير عبرية عن بن غفير قوله إنه يجب أن تطبق السياسة نفسها على العرب، وكان بذلك يتوعد بإخلاء الخان الأحمر، وفقاً لقرار من محكمة إسرائيلية صدر سابقاً، وجرى تجميده خشية من حجم الإدانات الدولية الكبير، والتهديدات بملاحقة قادة إسرائيل أمام المحاكم الأوروبية والدولية.

ويتردد في إسرائيل أن بن غفير ليس وحده من ينادي بإخلاء الخان الأحمر، حيث هناك عضو الكنيست عن حزب “الليكود” داني دانون، الذي قدم طلباً مماثلاً خلال جلسة للحزب، فيما رد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن الرد على قرار المحكمة العليا بتأجيل إخلاء الخان الأحمر سيتم بعد جلسة مشتركة لوزراء الحكومة بهذا الخصوص.

وهناك خشية كبيرة من أن ينجح زعماء الأحزاب المتطرفة في دفع نتنياهو لتنفيذ خطة الإخلاء، التي تدعم من داخل الحزب الحاكم أيضاً، في إطار المقايضة على إخلاء البؤرة الاستيطانية “نور الحياة”، خاصة أن إخلاءها تسبّب في خلاف علني بين زعيم حزب “الصهيونية الدينية” سموتريتش، وبين وزير الجيش يوآف غالانت.

وإلى جانب الأحزاب المتطرفة، هناك أعضاء الكنيست من حزب “الليكود”، أعلنوا عن نيتهم القيام بجولة في قرية الخان الأحمر، يوم الإثنين، بهدف الضغط على نتنياهو للعمل على إخلائها.

وذكر موقع “واي نت” العبري أن هذه الزيارة ستتم قبل تقديم رد الحكومة الإسرائيلية أمام المحكمة العليا على قضية إخلاء القرية من عدمه، في الأول من الشهر المقبل.

ويؤكد الموقع أن هذه الخطوة تشكل تحدياً لنتنياهو، خاصة أن القضية كانت منسية نسبياً رغم التحريض الكبير الذي صاحبها في بداية أحداث ظهورها.

وهذا التجمع البدوي (الخان الأحمر) هو واحد من بين 45 تجمعاً فلسطينياً مهددةً بالمصادرة والسيطرة عليها، وهي تجمعات تمتد من القدس وحتى أريحا.

وتنذر عملية تهجير السكان من تلك التجمعات، بانفجارِ الأوضاع على نحو خطير في كافة المناطق الفلسطينية، خاصة في القدس المحتلة.

وكان كل من بن غفير وسموتريتش، طالبا غالانت بالامتناع عن إخلاء البؤرة الاستيطانية بعدما شرعت قوات الأمن بإخلائها.

وكان نتنياهو حاول تهدئة الأمور مع شركائه في الائتلاف، وقال عقب إخلاء البؤرة الاستيطانية: “إن الحكومة تؤيد الاستيطان فقط عندما يتم بشكل قانوني، وبتنسيق مسبق مع رئيس الحكومة، والأجهزة الأمنية، وهو ما لم يتم في هذه الحالة”.

أما غالانت، وهو عضو في حزب “الليكود”، ومن المقربين من نتنياهو، فقد قال: “كل عمل ميداني يجب أن يتم وفق القانون، وبالتنسيق الكامل، وخاضع لتقييم الوضع الأمني”.

وعقب ذلك الخلاف، كشف النقاب عن وجود أزمة أخرى بين سموتريتش، ووزير الجيش الإسرائيلي، حيث أعلن حزب “الصهيونية الدينية” أن غالانت يمنع نقل الصلاحيات إلى سموتريتش.

وكان الحزب يشير إلى وضع سلطة الإدارة المدنية لدولة الاحتلال في الضفة الغربية، وكذلك مكتب “منسق” أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية في يد سموتريتش، بناء على اتفاقيات الائتلاف، كونه حصل على منصب وزير في وزارة الجيش، وهو أمر عارضه قادة الجيش بقوة.

والإدارة الأولى مسؤولة عن إعطاء تراخيص الاستيطان، وكذلك تراخيص البناء للفلسطينيين في مناطق “ج”، والثانية تختص بإصدار التراخيص الخاصة بالعمل وشؤون التنسيق مع الفلسطينيين، وجعلها بيد سموتريتش سيمنحه مساحة كبيرة لإرضاء جمهور المستوطنين المتطرف.

والجدير ذكره أن قرية الخان الأحمر، تقع على مسافة 15 كيلومترا إلى الشرق من مدينة القدس، بالقرب من الشارع السريع رقم 1 المؤدي إلى أريحا، وتقع إلى الشرق من مستوطنة معاليه أدوميم، وتبلغ مساحة هذه القرية 40 دونماً، يعيش فيها 200 شخص يتوزعون على 45 عائلة.

وحاولت سلطات الاحتلال مرات عدة إخلاء السكان، وذلك منذ العام 2009، بحجة عدم الترخيص، ونفذت هجوماً شاركت فيه أعداد كبيرة من قوات الجيش والشرطة، إلا أنها فشلت في عملية الإخلاء، وانضم متضامنون أجانب وفلسطينيون قدموا من كل مناطق الضفة لمشاركة الأهالي في اعتصام مفتوح، رفضاً للعملية، وبسبب الإدانات الدولية الكبيرة، اضطرت حكومة الاحتلال إلى تأجيل أمر الاخلاء مرات عدة.

وفي تلك القرية قدمت دول أوروبية دعماً لإقامة مدرسة للأطفال، وتزعم سلطات الاحتلال الإسرائيلية أن الأراضي المقام عليها التجمع البدوي تعد “أرض دولة”، لكن سكان القرية ينفون هذه الادعاءات، وهذه القرية تكتسب أهمية إستراتيجية كونها تربط شمال وجنوب الضفة الغربية.

وتريد سلطات الاحتلال تنفيذ عملية الهدم، في إطار تنفيذ المخطط الاستيطاني الكبير المعروف باسم “E 1″، والذي يتضمن بناء آلاف الوحدات الاستيطانية على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية، لغرض ربط مستوطنة معاليه أدوميم مع القدس، وكذلك فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وكذلك فصل القدس عن باقي مناطق الضفة.

نكبة وترانسفير

وفي هذا السياق، حذر رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح من “نكبة وترانسفير” جديد بحق الشعب الفلسطيني، من خلال إقدام حكومة الاحتلال الفاشية على تنفيذ مخططها بالاستيلاء على قرية الخان الأحمر، وترحيل سكانها قسراً.

وقال في بيان صحفي: “إن ما يحدث من تجريف واستيلاء على أراضٍ في بلدة قلنديا، وصولاً حتى بلدة رفات، وأرض الحمراء في سلوان، البوابة الجنوبية للمسجد الأقصى، والتعدي على أراضي الكنيسة الأرثوذكسية، بهدف إقامة تجمعات استيطانية، يأتي ضمن مخطط تمزيق وعزل الأحياء الفلسطينية، والعبث بوضع مدينة القدس القانوني”.

وأكد أن ذلك يمثل “تحدياً صارخاً” لقرارات الشرعية، التي تحمي المدينة المقدسة بمعالمها التاريخية والدينية.

وأشار إلى أن إخلاء الخان الأحمر والتجمعات البدوية المجاورة وطرد الفلسطينيين منها، يأتي في سياق إقامة مشروع “القدس الكبرى” الذي يخطط له الاحتلال منذ فترة، تحت ما يسمى (E1)، عبر الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية الممتدة من شرق القدس وحتى البحر الميت، والهادف إلى تفريغ المنطقة من أي تواجد فلسطيني.

وشدد فتوح على ضرورة قيام المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، بإلزام دولة الاحتلال بالانصياع للقرارات الدولية، محذراً من خطورة ما تمارسه على استقرار المنطقة.

وفي السياق، طالبت وزارة الخارجية والمغتربين، المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية بترجمة المواقف والمطالبات إلى أفعال وإجراءات كفيلة بممارسة ضغط حقيقي على الحكومة الإسرائيلية، لوقف انتهاكاتها وتصعيدها الراهن في ساحة الصراع قبل فوات الأوان.

 ودعت المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية لطرح مبادرات ملزمة للجانب الإسرائيلي من شأنها وقف جميع إجراءات الاحتلال أحادية الجانب، وغير القانونية، وتحقيق التهدئة كمقدمة لاستعادة الأفق السياسي لحل الصراع.

وأكدت “الخارجية” أن وجود الاحتلال واستمراره هو السبب الرئيس لاستمرار الصراع، وما ينتج عنه من توترات في المنطقة، وقالت: “إن الوجود غير القانوني للمستوطنين في أرض دولة فلسطين واستباحتهم لها، والاستيلاء على كل ما يرغبون بالاستيلاء عليه، بحماية وإسناد وقوة جيش الاحتلال، يمثل برميل البارود الذي يهدد بتفجير ساحة الصراع في أي لحظة، خاصة أن المستوطنين لا يكتفون بسلب الأرض الفلسطينية، بل ويحاولون سلب الروح والحياة من الإنسان الفلسطيني في ظل صمت دولي مريب”.

يشار إلى أن جايك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، أكد خلال زيارته للمنطقة، والتي تخللها عقد لقاءات مع مسؤولين كبار في الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، أبرزهم الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي، كل على حدة، على أن الإدارة الأمريكية ستواصل دعم حل الدولتين، ورفض أي سياسات تعرض للخطر قابلية هذا الحل للحياة.

وشدد سوليفان أيضاً على الحاجة الملحة إلى تجنب اتخاذ أي طرف خطوات أحادية الجانب، قد تؤجج التوترات الميدانية، مشيراً بشكل خاص إلى ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي الراهن في الأماكن المقدسة في القدس.

كما ناقش دعم الولايات المتحدة للسلام والحفاظ على إمكانية التفاوض على حل الدولتين وتعزيز تدابير متساوية من الأمن والازدهار والحرية للإسرائيليين والفلسطينيين.

غير أن المخططات التي يريد قادة اليمين الإسرائيلي تنفيذها تشير إلى فشل هذه الزيارة في وقف الخطوات الأحادية التي من شانها أن تزيد من حدة التوترات.

وفي سياق قريب، حذر مركز الإنسان للديمقراطية والحقوق من تواصل الجرائم التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

وقال في بيان: “إن جرائم الإعدام ضد الفلسطينيين، والتي تزايدت عقب تصريحات بن غفير العنصرية، تأتي ضمن سياسة القوة المميتة التي يستخدمها ضد الفلسطينيين، لتهديد حياتهم واستقرارهم ويجعلهم في خطر دون مأمن من عنصرية الاحتلال، وعدم المحاسبة والمساءلة الكاملة للاحتلال على جرائمه التي يرتكبها الأمر الذي شجعه على ارتكاب المزيد من الجرائم”.

وطالب مركز الإنسان الأمم المتحدة ومكتب المفوض السامي التابع لها في الأراضي الفلسطينية ومجلس حقوق الإنسان بمتابعة الجرائم وفتح تحقيق فيها والعمل على محاسبة الاحتلال.

المصدر: القدس العربي