يقول الفنان المقدسي حسام أبو عيشة، إنه عندما يضع صورته على صفحته في فيسبوك وهو يشرب القهوة في منطقة “باب العامود” بالقدس المحتلة، فإن عشرة آلاف شخص يقولون له: “نيالك”.
يضيف الفنان الكوميدي المقدسي المعروف في حديث صحافي لإذاعة “أجيال” أنه ورغم أن القهوة ليست لذيذة، كما أنه لا يحب أن يشربها بكأس من الكرتون، إلا أن كلمة نيالك تعني أن هناك من يحلمون بأن يكونوا في القدس.
ويكمل: “لنا أن نتخيل أنه في شهر رمضان يصبح الشوق أضعافا.. أضعاف الشوق في الظروف العادية”.
ويضيف أبو عيشة أن بيوت المقدسيين في رمضان لا تغلق أبدا، حيث تفتح للأهل والأحبة من الضفة والداخل المحتل. كما أن المدينة لا تنام في الشهر الفضيل حيث تبقى مفتوحة منذ ساعات الصباح وحتى السحور.
وعلق بدوره على الوصف الذي أطلقه المتطرف ووزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير قائلا: “لقد أطلق على رمضان بأنه شهر الإرهاب، وهذه تسمية تهدف إلى تشويه شهر الرحمة والأمان والمحبة والتسامح”.
ولأجل هذا الغرض، يعمل مقدسيون بجد منقطع النظير من أجل تزيين حاراتهم المختلفة بحبال إضاءة كي تظهر المدينة في أبهى حلة عند استقبال الزائرين والمتعبدين.
ويبدو أن تنافسا غير معلن بين شبان البلدة القديمة يتجلى في الأحياء الذي تظهر ليلا بأبهى حلة، ولهذا الغرض، ينخرط عشرات الشبان وعلى نفقتهم الخاصة في عملية تزيين مكونة من عشرات حبال الزينة لكل حي.
وتمتد حبال الزينة من الأحياء الداخلية في البلدة القديمة إلى شارع صلاح الدين، حيث ينخرط شبان يستخدمون رافعات كبيرة من أجل استكمال أعمال التزيين.
وداخل إطار المسجد الأقصى، تجري الاستعدادات التي يشارك فيها مئات المتطوعين والمتطوعات من أجل تنظيف المسجد وشطفه وتلميع مكوناته.
ويعمل المقدسيون الشباب في التطوع من أجل تنظيف الساحات الكبيرة والواسعة والمصليات للمسجد الأقصى باستخدام خراطيم مياه كبيرة، فيما نساء وشابات يقمن بعملية تنظيف كاملة لقبة الصخرة والمسجد الأقصى.
وتبدو حالة الاهتمام متزايدة، حيث يمكن ملاحظة فتيات صغيرات يحملن قطع القماش المبلل من أجل تنظيف الأبواب والمحراب والنوافذ.
دعوة للاعتكاف
يطالب مقدسيون ومؤسسات فلسطينية مهتمة بالقدس، بأن يكون الاعتكاف في المسجد الأقصى منذ اليوم الأول للشهر الفضيل.
وكانت مؤسسة القدس الدولية قد أرسلت رسالة إلى فضيلة الشيخ عبد العظيم سلهب، رئيس مجلس الأوقاف الإسلامية في القدس، قبل أيام طالبت بضرورة اتخاذ إجراءات تقوّي الصمود وتعزّز الرباط وتوسّع نطاقه أمام اشتداد الهجمة وضراوة العدوان على الأقصى وذلك عبر فتح باب الاعتكاف في الأقصى اعتبارا من بداية شهر رمضان.
وقالت المؤسسة في رسالتها إن المسجد الأقصى هو شقيق المسجدين الحرام والنبوي، وفق الثابت من النصوص الشرعية، وهي مساجد شُدّت إليها الرحال تاريخيا، فلماذا يُستثنى الأقصى اليوم من فتحه للاعتكاف ويقتصر ذلك على العشر الأواخر من شهر رمضان؛ فيما المسجد الحرام والمسجد النبوي يفتحان على مدار العام والأيام؟
وجاء في البيان أن فتح باب الاعتكاف في الأقصى له أثر كبير في تمكين المرابطين من التوافد إلى الأقصى من كل أنحاء فلسطين المحتلة، خصوصاً وأنّ كثيرا منهم يعبُرون الحواجز أو يقفزون عن الجدار في رحلة حافلة بالعناء والمخاطرة، وإقفاله ليلاً يضطرهم لقصرِ حضورهم على يومٍ واحد؛ بينما لو فتح لهم للاعتكاف لبقوا فيه ليالي طويلة. وقالت المؤسسة إنّ الواجب يفرض أن نقابل تشدّد الاحتلال وتعجيزه المصلين والمرابطين بتسهيل وفودهم وتعزيز رباطهم، وفتح المسجد أمامهم في كل الأوقات وتسهيل اعتكافهم هو الحد الأدنى لذلك.
وشددت المؤسسة على أن الأقصى يتعرّض في شهر رمضان لهجمات شرطة الاحتلال ومستوطنيه، خصوصا مع توظيفهم الأعياد التوراتية كمواسم عدوان على المسجد، وأمام تقاطع “عيد الفصح” العبري مع الأسبوع الثالث من رمضان الموافق من 6 إلى 12-4-2023، فإن العدوان الأكبر على الأقصى سيكون في هذه الأيام كما حصل في العام الماضي.
وعلق الباحث المقدسي زياد ابحيص على ضرورة أن يكون الاعتكاف في الأقصى منذ اليوم الأول لشهر رمضان، قائلا إن تبرير ذلك يعود إلى أن الأقصى هو شقيق المسجد الحرام، وأحد ثلاثة مساجد تشد إليها الرحال، ولطالما كانت مفتوحة للمعتكفين على مدار العام. ولأنه وحده الذي يغلق بابه أمام المعتكفين إلا في العشر الأواخر من رمضان؛ بينما تفتح أبواب شقيقيه على مدار ليالي السنة.
وأضاف: “يعتبر الاعتكاف بوابة رباط للقادمين إلى الأقصى عبر الحواجز وعبر الجدار ومن المسافات البعيدة، ولأن الاعتكاف بوابة لحمايته والوقوف في وجه الاقتحامات الصهيونية له المتكررة”.
تنسيق للهدوء
في وقت سابق، قال مدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس عزام الخطيب إن “هناك تنسيقا مع الأردن للحفاظ على الهدوء داخل المسجد الأقصى خلال شهر رمضان”.
وحول الاستعدادات في الأقصى لاستقبال المصلين، قال الخطيب: “يعمل مع أوقاف القدس ألف متطوع داخل ساحات المسجد الأقصى لترتيب دخول وخروج المصلين على أبواب المسجد لمنع أي ازدحام”.
وتابع حديثه: “كما يوجد حارسات من أوقاف القدس سيعملن على تنظيم فصل الرجال عن النساء بحيث تم تخصيص قبة الصخرة وصحن قبة الصخرة لهن وباقي الساحات للرجال”.
وتشير التوقعات التي تحدث عنها الخطيب، إلى أن ما يقرب من 200 ألف – 250 ألف مصل سيدخلون القدس يوميا، بحيث يكون أغلبهم قادمين من الضفة الغربية وخارج فلسطين منذ صلاة الفجر حتى التراويح، حيث يرتفع عدد المصلين في أيام الجمعة.
وأكد أنه سيتم تركيب مظلات للمصلين، وعمل برامج دينة متكاملة، كما سيتم تأمين إفطارات للمصلين على موعد أذان المغرب وقبيل صلاة الفجر (السحور). إلى جانب بث صلاة التراويح يوميا عبر مواقع وصفحات أوقاف القدس.
وخلال الأيام الماضية، كثرت تصريحات حكومة الاحتلال حول نيتها تضييق الخناق على المقدسيين خلال رمضان، وهو الأمر الذي ضاعف من استياء التجار في البلدة القديمة وزاد من مخاوفهم من ضغط جديد على الحركة التجارية.
ويشير تجار إلى أن حركة السوق في البلدة القديمة بالقدس ضعفت بسبب الحصار والمناوشات ودعاية الاحتلال التي تهدف إلى زرع الخوف في قلوب التجار والبائعين والمصلين.
وقال تجار إن أحد عوامل إعاقة حركة الدخول إلى السوق في البلدة القديمة، يتمثل في تلك الحفريات التي يعمل عليها الاحتلال في منطقة باب العامود، وشارع السلطان سليمان، وصلاح الدين، والذي بدوره يعمل على عرقلة حركة المواصلات، وبالتالي صعوبة الوصول للأسواق.
وتشير إحصاءات شبه رسمية إلى أن التجار المقدسيين أغلقوا 400 محل تجاري من أصل 1350 في البلدة القديمة.
وتسود بين المواطنين تخوفات من أن تنفجر الأوضاع في المسجد الأقصى، خاصة وسط شهر رمضان، وتحديدا مع اقتراب الأعياد اليهودية، وهو ما ينذر باحتمالية ارتفاع العنف والاعتداءات من قبل المستوطنين.
وتعتمد البلدة القديمة في نشاطها التجاري على السياحة الخارجية، إلّا أن الاحتلال يعمل على تضييق الخناق على السياحة، حيث ينظر التجار إلى الشهر الفضيل على أنه فرصة لتعويض خسائرهم بفعل ضعف النشاط السياحي.
وقال أحد التجار المقدسيين إن استمرار إغلاق المحال التجارية يعتبر أمرا مخيفا، فهو يهدد حياة البلدة القديمة، فيما عدد الأسواق في نقصان واضح، فهناك 4 أسواق مغلقة في البلدة القديمة، من ضمنها 400 محل مغلق.
وأضاف التاجر أنه من دون محلات تجارية لا وجود للبلدة القديمة، وهو أمر يفرض وجوب تثبيت تجار القدس وتحديدا البلدة القديمة والشهر الفضيل فرصة لتعزيز ذلك.
وكانت صحيفة “إسرائيل هيوم” حذرت قبل أيام من أن شهر رمضان 2023 سيكون “الأكثر تفجرا” من أي وقت مضى في ظل تصاعد العمليات الفدائية.
المصدر: القدس العربي
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=140223