“الحرس الوطني”..عصابات بن غفير المسلحة لإخضاع فلسطينيي الداخل بالترهيب والإعدامات الميدانية

منذ الكشف عن خطة “الإصلاحات القضائية”، في مطلع العام الحالي، تزامناً مع انطلاق حكومة نتنياهو العنصرية والفاشية في توجهاتها، كان واضحاً أنها تستهدف أيضاً الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر، وأن هناك مخاوف من محاولة الخروج من الأزمة الداخلية على حساب الفلسطينيين. هذا ما ظهرَ، على سبيل المثال، بإلغاء خطة فك الارتباط مع غزة، والسماح للمستوطنين بزيارة مستوطنات شمال الضفة الغربية، وهذا بدأ يتحقق أمس أيضاً بالكشف عن تشكيل عصابات مسلحة خاصة تخضع لتعليمات مباشرة من وزير الأمن القومي المدان بالإرهاب إيتمار بن غفير، مقابل تنازله عن رفضه لتراجع نتنياهو عن “الإصلاحات القضائية”.

وأدانت جهات فلسطينية وإسرائيلية اتفاق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مع بن غفير، القاضي بتأييد الثاني للأول في تراجعه المؤقت عن التشريعات القضائية مقابل تشكيل “حرس وطني” تحت إمرته، وهو عملياً يعني تشكيل كتائب مسلحة بحجة تعزيز الحوكمة والنظام.

وسارع قادة المعارضة لاتهام نتنياهو ببيع الأمن الداخلي، مقابل بقائه في السلطة، وقالوا إنه من المحظور تشكيل كتائب مسلحة تحت غطاء القانون. وعن ذلك قال بن غفير نفسه إنه وافقَ على إزالة رفضه لتعليق التشريعات القضائية، مقابل التزام رئيس الحكومة نتنياهو بطرحها مجدداً للمصادقة عليها، كما هي نصاً وروحاً، بالقراءة الأخيرة في الدورة القادمة للكنيست، بحال لم تتحقق تسوية حولها مع المعارضة، خلال عطلة الربيع البرلمانية.

 يشار إلى أن “الحرس الوطني” هيئة أمنية مكونة من حرس الحدود، تم تشكيلها في يونيو/ حزيران الماضي، عقب هبة الكرامة في مايو/ أيار 2021. والحديث يدور عن قوة بوليسية يمكن تفعيلها بقوة لمكافحة أعمال عنف داخلية في عدة مواقع في البلاد، ومن مهامها حراسة المفارق والمحاور المركزية وتأمين الأماكن المفتوحة ومساعدة القوى الأمنية النظامية في عملها داخل المدن الفلسطينية التاريخية، داخل أراضي الـ48، المعروفة بالمدن المختلطة، حيث يقطنها عرب ويهود، مثل يافا وعكا وحيفا واللد والرملة وغيرها.

جيش خاص لبن غفير

وحملت المعارضة الإسرائيلية على نقل هذه الكتائب المسلحة لإمرة وزير الأمن شخصياً، بدلاً من إبقائها تحت قيادة الشرطة، وقالت إن نتنياهو بادرَ للإطاحة بغالانت، بالأمس، واليوم، يقيم جيشاً خاصاً لبن غفير. وتساءلت النائب عن حزب “العمل” إفرات رايتان، في تغريدة: “وماذا ستفعل هذه الكتائب المسلحة؟ تفريق المظاهرات؟ نتنياهو يبيع أمن إسرائيل، والأمن الداخلي الخاص بكل الإسرائيليين، مقابل النجاة السياسية الشخصية”.

ودعا زميلُها النائب غلعاد كاريف رئيسَ “الشاباك” للتدخل، ووقف هذا الاتفاق مع بن غفير، مؤكداً أن تشكيل هذه الكتائب المسلحة تحت إمرة بن غفير تهديد خطير للديمقراطية الإسرائيلية، بما لا يقل عن خطورة التشريعات الانقلابية: “ينبغي إبقاء الحرس الوطني تحت قيادة الشرطة، لا تحت سلطة عناصر كاهانية عنصرية. هذه ساعتك يا رئيس الشاباك لمنع ذلك”.

وقال المفتش السابق للشرطة الإسرائيلية موشيه كرادي، في مؤتمر صحفي جمعه مع قادة بارزين سابقين في المؤسسة الأمنية، إن وزير الأمن الداخلي “لا يفعل شيئاً سوى ملاحقة الفلسطينيين وحرمانهم من الرغيف”.

وقالت الحركة من أجل جودة الحكم إنه “لا مكان في دولة ديمقراطية لكتائب مسلحة تخضع لإمرة جهة سياسية”. وتابعت: “مئات الآلاف من الإسرائيليين ممن خرجوا للتظاهر من أجل الديموقراطية لن يسمحوا بتشكيل قوات بوليسية فاشية. في النظام الديمقراطي هناك جيش واحد وشرطة واحدة وولاؤهما لسلطة القانون فحسب وليس لقائد سياسي”.

وتعرّضَ بن غفير لانتقادات من جهة معسكر اليمين الصهيوني أيضاً فقد اتّهمتْه أوساطٌ مؤيدة للتشريعات بأنه باع اليمين.

على خلفية هذه الانتقادات، قال بن غفير، في تغريدة، إن “التشريعات ستمرّ، والحرس الوطني سيُقام، والميزانية التي طالبتُ فيها لوزارة الأمن سيصادَق عليها بالكامل، ولن يخيفنا أحد، ولا أحد سينجح في التغلب على الشعب”.

يذكر أن “الليكود” وَعَدَ بن غفير بإقامة “الحرس الوطني”، وتم تضمين ميزانيته ضمن موازنة الدولة الجديدة، لكن الوعود لم تطبّق حتى الآن، وحسب الاتفاق الجديد، أمس، سيطرح موضوع هذه الكتائب المسلحة في أول اجتماع قريب للحكومة.

ضرورات التصعيد بالنضال العربي اليهودي

وحذٌرت “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة” من الاتفاق المذكور، واعتبرت أن إقامة هذه العصابات ليست البديل للانقلاب الفاشي، إنما تنفيذ للخطوة الأولى فيه. وأكدت أن هذه العصابات، بقيادة المدان بدعم الإرهاب بن غفير ستستهدف، أول ما تستهدف، المواطنين العرب، لكنها لن تكتفي بذلك، وستصل كل من يجرؤ على التفكير بشكل نقدي.

وتابعت في بيانها: “بالتالي فإن هذه الاتفاقية لا تقلّ خطورة عن التشريعات التي تم تجميدها بشكل مؤقت. الآن، بعدما اتضح، أكثر من أي وقت مضى، بأن حكومة اليمين تحاول الهروب من الأزمة على حساب الشعب الفلسطيني والجماهيرالعربية في اسرائيل صار من الضروري تطوير خطاب الحركة الاحتجاجية لترفع صوتاً مجلجلاً ضد الفوقية اليهودية، الاحتلال والعنصرية ومن أجل السلام والمساواة اعتماداً على تغيير بنيوي جذري في نظام الحكم القائم في إسرائيل. كما شددت الجبهة على أهمية النشاط الميداني، وبالأخص في المدن المشتركة، حيث يواجه السكان العرب يومياً استفزازات الحركات الاستيطانية التي بدأت تنشط فيها بهدف تهويدها”.

وأعلنت الجبهة أنها باشرت بالاتصالات مع القوى التقدمية اليهودية في المدن المشتركة، بهدف طرح بديل للمخططات الحكومية، وتتوقع من رؤساء السلطات المحلية في هذه المدن تحمل مسؤوليتهم، والتحرك واتخاذ مواقف واضحة ضد هذه العصابات، ومن أجل بناء مجتمع مشترك مؤسس على قيم المساواة في مدنهم. كما أعلنت الجبهة بأنها تدرس إمكانية التوجه إلى جهات دولية للمطالبة بتوفير الحماية الدولية لسكان المدن المشتركة.

ديمقراطية عبر ميلشيات بين غفير

من جهته، أكد حزب “التجمع الوطني الديمقراطي”، برئاسة النائب السابق سامي أبو شحادة، على أن توافق رؤساء الائتلاف والمعارضة في إسرائيل على الشروع بحوار لتمرير التعديلات القضائية، يأتي بعد خضوع نتنياهو لابتزازات بن غفير، وأهمها إقامة ميليشيات شرطة خاصة تخضع لأوامره، بهدف معلن منذ حملته الانتخابية، وهو تسليح المواطنين اليهود لمحاربة الفلسطينيين، وتنفيذ إعدامات ميدانية، وترهيب العرب في المدن المختلطة، على إثر هبّة الكرامة عام 2021، وما تبعها من أحداث، وهو ما يعتبر عصابة، لكن وفقًا للقانون وتحت وشاية ورعاية وزير مدان بالإرهاب في السابق.

ميليشيات إرهابية

وقال “التجمع الوطني الديمقراطي” إن “الديموقراطية” التي تمر عبر ابتزاز داعم للإرهاب، وإقامة ميليشيات خاصة بوزير مع خلفية جنائية لاستهداف العرب، لهي ديمقراطية مزيفة ومستهجنة وغريبة من نوعها، ما يؤكد أن الصراع الدائر حالياً هو حول إعادة ترتيب حدود الديمقراطية لليهود فقط، مع تجاهل الاحتلال والعنصرية وصناعة المزيد من أدوات الأمن القامعة لكل ما هو عربي وفلسطيني.

ديمقراطية لليهود فقط

 “التجمع” أكد، في بيان، أن تجاهل العلاقة المباشرة بين الانتهاكات المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر، والانقلاب على النظام القضائي، يعتبر أكبر دليل على أنَّ حركة الاحتجاج الحالية لم تخرج إلى الشوارع بهدف إنتاج ديمقراطية حقيقية، ومواطنة جوهرية متساوية، بل من أجل الحفاظ على معادلة “يهودية وديمقراطية”، والتي تؤكّد على الديمقراطية الإجرائية القائمة والمستندة إلى مفهوم الفوقية اليهودية.

وأضاف “التجمّع” في بيانه: “السياسة الإسرائيلية ستعود حتمًا إلى النقطة ذاتها مرة تلو الأخرى، في حال عدم الاعتراف أولًا بالتناقض البنيوي المتأصل، بين نظام قائم على مفهوم الفوقية اليهودية، والسيطرة على مصير أكثر من نصف سكان البلاد أصحاب البلاد الأصليين، بالقوة والعنف، وبين نظام قائم على الديمقراطية الجوهرية والمساواة المدنية والقومية الكاملة”.

مصير غالانت

وحذّر “التجمع” من مغبة تنفيذ مخطط ميليشيات بن غفير الخطير على أمن وسلامة المواطنين العرب من اعتداءات، تحت ذريعة ما سُمّي بالحرس القومي، وأن هذا التصعيد الخطير سيكون له إسقاطات كبيرة على المواطنين العرب، ما لا يمكن أن نتهاون معه، ومع أن يكون مخرج الأزمة السياسية في إسرائيل على حساب أمن المواطنين العرب وحقوقهم. وتبقى قرارات الأحزاب العربية حبراً على ورق، ما دامت لم تبادر لإخراجها لحيز التنفيذ، وعدم الاكتفاء ببيانات وتصريحات إعلامية، كما حصل حتى الآن في معظم الحالات.

وفي موضوع الأزمة الداخلية، أعلن بعض أحزاب في المعارضة عن تشكيل طواقم مشتركة، تمهيداً لمفاوضات حول تسوية واسعة مع الائتلاف الحاكم حول التشريعات تحت رعاية رئيس الدولة. فيما دعا رئيس الحكومة الأسبق إيهود براك لمواصلة الاحتجاجات، مؤكداً أن نتنياهو كاذب، وسينقلب من جديد فور عودة الهدوء للشوارع.

وما زال مصير وزير الأمن المطاح به يوآف غالانت غامضاً، إذ تطالب جهات في المعارضة بإبقائه في منصبه، فيما تقول تسريبات من جهة رئاسة الوزراء الإسرائيلية إن الأمر قضي، ولا تراجع عن قرار الإقالة. وفي المقابل يرفض غالانت الاستقالة من الكنيست، كما يطالب مقربون من نتنياهو.

 بين هذا وذاك، تسود حالة من الارتياح النسبي في إسرائيل بعد تراجع نتنياهو عن التشريعات، وسط تشكك وحالة توجس من فشل المفاوضات بسبب الهوة الواسعة بين المعسكرين المتناحرين وبسبب الخلافات الجوهرية العميقة في عدة مستويات بين جماعات إسرائيلية مختلفة.

المصدر: القدس العربي