“بنك الطعام”..وجبات ساخنة للفقراء الصائمين في غزة

في مطبخ صغير ببلدة جباليا شمال قطاع غزة، تتناوب عشرات المتطوعات لتحضير وجبات الإفطار الساخنة ذات عناصر غذائية متنوعة، لتوزيعها لاحقا على عائلات تعجز عن توفير الطعام لأطفالها.

وتتقاسم المتطوعات العمل ضمن مبادرة فردية تحمل اسم “بنك الطعام الخيري” تم إطلاقها في رمضان من العام الماضي 2022.

وتخصص المتطوعات جزءا كبيرا من أوقاتهن لعمل الخير وتقديم يد العون للمحتاجين في هذا الشهر المبارك، رغم المسؤوليات المنزلية الكبيرة على عاتقهن.

ويستفيد من المبادرة، التي تقدم وجبات الإفطار بشكل يومي طيلة شهر رمضان، وفي أيام الجمعة من كل أسبوع بقية العام، نحو 240 عائلة فقيرة.

ويعتمد منظمو المبادرة في تمويل إعداد الطعام على مساهماتهم الخيرية وتبرعات أهل الخير الذين يحرصون على تقديم المساعدة في رمضان.

وتهدف المبادرة إلى التخفيف من معاناة الأسر الفقيرة، خصوصا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها القطاع جرّاء الحصار الإسرائيلي المستمر لأكثر من 16 عاما وتداعيات الانقسام السياسي الداخلي.

كما يحرص العاملون على المبادرة أن تشمل وجبات الإفطار العناصر الغذائية الهامة لتعويض نقصها عند العائلات الفقيرة التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

وبحسب تقرير نشره مجلس العلاقات الدولية – فلسطين (محلي)، بمناسبة مرور 16 عاما من الحصار، فإن 57 بالمئة من العائلات في غزة تعاني من انعدام الأمن الغذائي بسبب الفقر.

إحياء الأمل

تجلس مجموعة من المتطوعات حول طاولة حديدية يجهزن وجبات إفطار متنوعة مما تفضله العائلات الفلسطينية.

وتعمل السيدات في تحضير الطعام كل في اختصاصها، حيث تقول المتطوعة حنان سليمان إن المبادرة “تحيي الأمل لدى الفقراء الذين لا يجدون فرص عمل توفر لهم لقمة العيش”.

وتضيف حنان (49 عاما) الأم لسبعة أطفال، للأناضول، إنها “تخصص يوميا نحو 4-5 ساعات للعمل التطوعي في رمضان احتسابا للأجر عند الله”.

وأشارت إلى أنها كانت تشارك في هذا العمل في أيام الجمعة من كل أسبوع، قبل حلول رمضان، وأوضحت أن الهدف من العمل هو “الشعور بمعاناة الفقراء وتقوية أواصر العلاقات الاجتماعية” بين الناس.

وعبّرت السيدة سليمان عن أسفها من الأوضاع الاقتصادية للسكان، مشيرة أن بعض الشباب يحصلون على هذه الوجبات اليومية بسبب انعدام فرص العمل وضعف القدرة الشرائية.

بدورها، قالت وفاء طشطاش (31 عاما)، إنها اعتادت الأعمال التطوعية منذ سنوات، حيث تعمل إلى جانب تجهيز وجبات الإفطار، كمربية أطفال في جمعية خيرية.

وأضافت للأناضول، أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السكان دفعها للانضمام لهذا العمل من أجل توفير لقمة عيش كريمة لهم في رمضان.

وأردفت: “هذه الوجبات تمنع الأسر المستورة من سؤال الناس والطلب الدائم الذي يوقعهم في حرج كبير”.

وشددت على أهمية الأعمال التطوعية لاستدامة أفضل في المجتمع، لافتة إلى أنها نجحت في تنظيم أوقاتها بين العمل الخيري ومسؤولياتها الحياتية اليومية.

بنك الطعام الخيري

تقول المشرفة على المبادرة، صابرين أبو سلامة، إن “هذا العمل بدأ في رمضان الماضي كمبادرة فردية استفادت منها في أول يوم ثلاث عائلات فقط”.

وأضافت: “ذلك اليوم وصلتنا مناشدات من عدد كبير من العائلات التي كانت بحاجة ماسة لوجبات الإفطار في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ومن هناك جاءت الفكرة”.

وأوضحت أن الفكرة توسّعت وزاد عدد العائلات المستفيدة من المبادرة بعد أن لاقت إقبالا من فاعلي الخير والمتطوعين، سواء من رجال أعمال أو أصحاب محال تجارية تبرعوا بالخضراوات ومواد غذائية معلّبة والأرز.

واستطردت: “تمكنا من تغطية حاجات عشرات العائلات في رمضان الماضي، واستمرينا في العمل بعد رمضان بشكل أسبوعي”.

وقالت صابرين إن المبادرة هذا العام شملت عائلات فقيرة من مناطق مختلفة في قطاع غزة، منوهة أن المبادرة “تحترم كرامة الناس وتقضي حوائجهم”.

وخصصت المبادرة تقديم الطعام بشكل يومي خلال شهر رمضان لما له من طقوس اجتماعية خاصة تتجمع فيه الأسرة على مائدة واحدة.

وبشأن المستفيدين من المبادرة، قالت صابرين إن الوجبات تصل إلى الأسر التي تصنف ضمن خط الفقر وتلك المستفيدة من مخصصات الشؤون الاجتماعية (مخصصات مالية تصرف مرة واحدة كل ثلاثة شهور) والعائلات التي تضم عددا كبيرا من الأفراد بينهم مرضى.

وأشارت أن كمية الوجبات تختلف باختلاف عدد أفراد العائلة، موضحة أن عدد العائلات المستفيدة في مدينة غزة يصل إلى نحو 150 أسرة، فيما يبلغ عدد المستفيدين شمالي القطاع نحو 90 أسرة.

خلية نحل

وعن طاقم العمل، قالت أبو سلامة إن أساس المبادرة يقوم على العمل الخيري، لذا فإن الطاقم لا يتقاضى أي أجر مادي.

وأضافت: “المتطوعات يتسابقن لكسب الأجر من الله، وكل واحدة تقوم بعمل مخصص لها؛ فهناك مسؤولات عن التحضير للطعام ومسؤولة للطبخ وأخريات يقمن بأعمال إدارية، وكلهن ينجزن أعمالهن كخلية نحل لا تهدأ”.

ودعت أبو سلامة فاعلي الخير للمساهمة في تقديم المساعدات الغذائية للمزيد من العائلات الفقيرة، خاصة مع ازدياد أعدادها جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

ووفق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن نحو مليون ونصف فرد من سكان غزة البالغ عددهم مليونين و300 ألف نسمة، يعيشون حالة فقر بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على القطاع لأكثر من 16 عاما.

المصدر: الأناضول