مليشيا بن غفير ذراع أمني حصري لليمين الإسرائيلي

بقلم: جمال زحالقة

قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي في جلسته الدورية مطلع الأسبوع الحالي الشروع في التحضير لإقامة «حرس وطني إسرائيلي» مكوّن من حوالي ألفي مجنّد وعدد كبير من المتطوّعين. جاء القرار، في أعقاب اتفاق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي هدد بالانسحاب من الحكومة على خلفية تأجيل التصويت على قانون تعيين القضاة، وتراجع بعد أن قام نتنياهو باسترضائه بالموافقة على إقامة حرس وطني تحت سلطته.

وبموجب المشروع الجديد ستعمل قوات الحرس الوطني بشكل أساسي في القدس والتجمّعات الفلسطينية داخل الخط الأخضر، وستقوم بأعمال أمنية خاصة في أوقات الطوارئ لقمع وإخماد الهبّات الشعبية، وستكون بمثابة ميليشيا تنفّذ تعليمات وأوامر الوزير الفاشي بن غفير، الذي يدّعي بأن الشرطة العادية «مقصّرة» في قمع المظاهرات والهبات الشعبية وهناك حاجة لقوّة ضاربة جديدة.

الحرس الجديد

طرحت فكرة إقامة «حرس وطني» في إسرائيل كاستخلاص للعبر من فقدان السيطرة في هبّة الكرامة في أيار/مايو 2021، وما رافقها من مواجهات عنيفة في المدن المختلطة، يافا وحيفا واللد والرملة وعكا، وكذلك في القدس والبلدات الفلسطينية داخل الخط الأخضر. وفي يونيو/حزيران 2022، أقرت حكومة بينيت لبيد إقامة «حرس وطني» في إطار الشرطة وشكلت طواقم لإعداد المخططات اللازمة لهذا الغرض. الجديد في قرار الحكومة الإسرائيلية هذا الأسبوع هو أن الحرس سيكون مستقلا عن جهاز الشرطة، وجزءا من وزارة الأمن القومي، التي يشغلها حاليا الوزير العنصري الشعبوي إيتمار بن غفير.

لقد حاول المفتّش العام للشرطة الإسرائيلية منع اتخاذ القرار ووجّه رسالة غير مسبوقة حذّر فيها من أن المشروع الجديد سوف يعرقل عمل الشرطة ويخلق حالة الفوضى الأمنية ويعرّض أمن المواطنين للخطر. وجاء في رسالته أن إقامة حرس وطني مستقل عن الشرطة سوف «يسبب ضررا فادحا للأمن الداخلي، ولقدرة الشرطة على تنفيذ المسؤوليات المناطة بها». كما عارضه رئيس الشاباك وعارضته المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، معلّلة بأن هناك مانعا قانونيا، وبأنّه قرار اعتباطي.

ميليشيا شرق أوسطية


أعرب بعض المعلّقين الإسرائيليين عن خشيتهم من إصابة إسرائيل بعدوى شرق أوسطية، فتقام فيها ميليشيات غير مقيّدة بالضوابط القانونية، مثلها مثل غيرها في المنطقة. وكتب د. يرون فريدمان مقالا تحذيريا جاء فيه: «الشرق الأوسط مليء بنماذج مخيفة لميليشيات مدنية يقودها متطرّفون»، وأورد حالات الباسيج الإيراني والشبيحة في سوريا والحشد الشعبي العراقي وبلطجية مبارك. وادعى فريدمان بأنه «ما بقيت إسرائيل دولة ديمقراطية، فيها رقابة قضائية على السلطة التنفيذية، فإن سيناريو ميليشيا شرق أوسطية فيها مستبعد جدّا. لكن الخطر يلوح في الأفق في ظل الانقضاض المسعور على الجهاز القضائي»، وأضاف متسائلا: «هل ستقوم القوّة الجديدة بقمع المظاهرات المناهضة للثورة القضائية؟ هل سيصبح الحرس الخاضع لبن غفير حرسا ثوريا للانقلاب القضائي؟».

مهما كان السياق، لا تنسى النخب الإسرائيلية لغة الاستعلاء على شعوب ودول المنطقة، وكأن كل شيء في إسرائيل على ما يرام والمشكلة تتلخص ببن غفير ونظرائه، وبقوى مثل الحرس الوطني. لكن، ومن دون أي استخفاف بخطورة مشاريع القمع الجديدة، فإن ما قام ويقوم به الطيّارون، الذين يتظاهرون في شوارع تل أبيب متشدّقين بالحرص على الديمقراطية، هو أخطر من ميليشيات بن غفير. هؤلاء بكبسة زر يلقون القنابل الفتّاكة ويقتلون المئات من الأطفال والكبار، ليعودوا إلى بيوتهم وشوارعهم، يرددون أناشيد الديمقراطية وحقوق الإنسان. هؤلاء ليسوا حالة شرق أوسطية، ببساطة لأن ما من دولة في المنطقة لديها سلاح جو متطوّر وطائرات حربية كما عند إسرائيل.

الحكومة ضد الدولة

يندرج مشروع بن غفير لإقامة الحرس الوطني، ضمن سلسلة من المشاريع والمخططات اليمينية الرامية إلى تغيير بنى الدولة الصهيونية القائمة، أو الالتفاف عليها وإلى إخضاع الدولة العميقة برمّتها وبتفاصيلها كافّة لليمين الإسرائيلي ولأيديولوجيته ولسياساته ولإدارته المباشرة. وتسود هذا اليمين فكرة بأنه يصل إلى السلطة لكنّه لا يفرض سلطته، لأن مفاصل الحكم في الدولة تبقى تحت هيمنة «اليسار». ولعل أكثر الكتب شعبية وتأثيرا في هذا السياق هو كتاب «لماذا تصوّت لليمين وتحصل على اليسار؟» لمؤلّفه إيريز تدمور، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرّفة. ويدعي تدمور في كتابه وفي كتاباته اللاحقة بأن اليمين فاز في الانتخابات مرّات متكررة، لكنّه أبقى الدولة العميقة والجهاز القضائي تحت سيطرة «اليسار»، وطرح مخططات لهيمنة فعلية اليمين على مفاصل الدولة والمجتمع، من خلال استغلال قوّة الحكومة.

ويدّعي بن غفير بأن على الشرطة أن تسير وفق سياسة الوزير، وأن تنفّذ أوامره، وقد فشل حتى الآن في فرض إرادته بالكامل على الشرطة، التي ما زالت تعمل بالنهج القديم وتحافظ على استقلاليتها الميدانية. ولكن حتى لو نفّذت الشرطة كل ما يريد، فهو يريد أكثر ويعمل على تنظيم عصابات اليمين في جسم رسمي حكومي يحظى بميزانيات سخية، وبغطاء حكومي وقضائي لقمع العرب الفلسطينيين في القدس، وفي مدن الساحل وسائر البلدات الفلسطينية داخل الخط الأخضر. واستغل بن غفير ضعف نتنياهو وحاجته إليه لضمان استمرار حكومته، وحصل منه على دعم لمخطط «الحرس الوطني»، خارجا بادعاء بأن الحرس هو أداة لتنفيذ سياسات الحكم وفرض هيبة الدولة وقوانينها وقمع «أعمال الشغب والسرقات الزراعية والجنايات القومية ومحاربة الإرهاب».

ميليشيا بن غفير

ينص القرار الذي مرره بن غفير في الحكومة الإسرائيلية بدعم من نتنياهو، على تخصيص ميزانية بمئات الملايين من الدولارات للشروع في إقامة «الحرس الوطني الإسرائيلي»، الذي سيتشكّل من 1800 مجنّد، ومن عدد غير معرّف من المتطوّعين. وفي سياق إقامته ومبررات تشكيله وكون بن غفير رأس الهرم فيه، فإن من الواضح أنه سيكون بيتا لعصابات المستوطنين وشباب التلال والميليشيات غير الرسمية مثل «الحرس الجديد» وتنظيم «لافاميليا»، أي أنّه سيكون استنساخا لبن غفير نفسه وميليشيا خاضعة له سياسيا وأيديولوجيا قبل تأتمر بأوامره تنظيميا.

سجل بن غفير حافل بالنشاط العنصري الفاشي الإرهابي، قد أدين بدعم منظمة إرهابية محظورة هي منظمة «كاخ»، والتي تحوّل اسمها إلى «كاهانا حي»، ورفع شعارات الموت للعرب ودعا إلى طردهم وعلق في بيته ومكتبه صورة مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي، باروخ جولدشتاين، وعبّر عن دعمه له ولفعلته ودأب على إحياء ذكراه سنويا. وعلى الرغم من أنّه نما وترعرع ونشط في صفوف منظمات عنصرية فاشية، إلّا أنه قوبل، حتّى مؤخّرا، بالاستخفاف والتجاهل على اعتبار أنه هامشي وضعيف، لكن بن غفير لم يعد ذلك العنصري الذي لا يجيد سوى الجعجعة، وأصبح قوّة سياسية مؤثّرة يستطيع إسقاط الحكومة متى يشاء ومسؤولا عن «وزارة الأمن القومي».

وإذا كانت العنصرية لا تمتلك قوّة فهي قليلة الخطورة مهما بلغ تطرّفها، إلا أنّها تتحوّل إلى وحش كاسر إذا سُلّحت بقوّة. وإذا جرى تطبيق مشروع «الحرس الوطني»، كما اتفق بن غفير ونتنياهو، فهو سيكون عمليا ورسميا ميليشيا بن غفير، أي أن هذا العنصري المأفون سيملك قوّة ضاربة يستطيع توجيهها إلى الأهداف التي أعلن عنها في الأشهر الأخيرة. وتقع القدس في مقدمة هذا الاستهداف، حيث ينوي بن غفير نشر هذه القوّات في القدس لتنفيذ سياسة هدم البيوت وتضييق الخناق على المقدسيين وتسهيل اقتحامات المسجد الأقصى من قبل جماعات يمينية متطرّفة تنسجم وتوجهات الوزير.

كما يستهدف بن غفير مدن الساحل لمحاصرة الوجود الفلسطيني داخلها وقمع المظاهرات والنشاطات السياسية فيها. وقد عقدت مؤخّرا عدة جلسات لفحص سيناريو مواجهات متعددة الجبهات، وكان الاستنتاج أنه يجب نشر قوّات خاصّة في البلدات العربية لمنع تكرار ما حدث في هبة الكرامة في مايو 2021، من مواجهات ومن إغلاق لشوارع مركزية. ويحاول بن غفير تسويق مشروعه بأنه كفيل بالقيام بهذه المهمة، وكفيل كذلك بفرض «الأمن والنظام» في منطقة النقب، ما يعني هدم البيوت وتضييق الخناق على شعبنا في النقب.

نتنياهو بحاجة لبن غفير وسيكون من الصعب عليه التراجع عن دعم مشروع «الحرس المدني»، حتى بعد معارضة قيادة الشرطة والشاباك والجيش له. ولكنْ حتى المعارضون يسعون إلى توفير قوّة تقوم بمهام الأمن الداخلي وقت الطوارئ، وطرحت اقتراحات بأن تقوم قوات الجيش بهذه المهمة، واقترحت أيضا إقامة وحدة «حرس إسرائيلي» في إطار الشرطة. وعليه فإن التوجّه العام في إسرائيل هو بناء المزيد من أجهزة القمع، وبن غفير يقول «أعطوني حصّـتي»، ويبدو أنّه أخذها.