بقلم: حازم عياد
قتل يوم أمس خمس مواطنين أمريكان في حادثة إطلاق جماعي استهدف فيها موظف زملاءه في بنك بمدينة لونفيل في مقاطعة كنتاكي، وهي الحادثة الثانية في أقل من 15 يوما على حادثة مدينة ناشفيل في مقاطعة تينسي حيث أعدم متحول جنسي 6 أشخاص من ضمنهم 3 أطفال في مدرسة دينية.
يشار إلى أن العام الماضي 2022 شهد ما يقارب الـ 355 حادثة إطلاق نار جماعي علما أن حوادث القتل الجماعي يشترط فيها مقتل 3 لتصنف كحادث قتل جماعي؛ ما يعني أننا أمام عدد هائل من القتلى والجرحى في العام الماضي؛ في حين تذكرمصادر بأنه منذ العام 1980 إلى العام 2012 كانت أمريكا تشهد حادثا كل 200 يوم؛ ليتقلص إلى حادثة كل ست أسابيع ليصبح يوم واحد تقريبا في العام 2022.
لماذا يقتل الأمريكان بعضهم البعض يبقى السؤال الأبرز في ظل هذه الأرقام والإحصاءات التي تتباين بحسب الطريقة التي يتم فيها تعريف عمليات إطلاق النار الجماعي (Mass shooting ) والجهات التي تعد الإحصاءات في أمريكا وهي متعددة؛ وبذات الطريقة تتباين الأسباب والمبررات المقدمة لعمليات القتل الجماعي ففي حين يذهب قسم من الأمريكيين للقول: إن السبب هو انتشار السلاح خصوصا الأتوماتيكي (الآلي)؛ فإن آخرين يرون في التنمر سببا لذلك وآخرون يعتبرون العنف مكون أصيل للثقافة الأمريكية التي ولد النظام الأمريكي من رحمها فجعلت من السكان الأصليين هدفا مباشرا لعنف المستوطنيين الأوروبيين؛ فحسم الصراع في أمريكا مع السكان الأصليين جاء عبر مذابح جماعية امتدت على مدى يقارب الـ 500 عام.
العنف آلية مهمة من آليات حسم الصراع في أمريكا إذ حسمت الحرب الأهلية في العام 1861 و1865 الصراع بين الفدراليين ودعاة الكونفدرالية في أمريكا؛ واليوم تواجه أمريكا واحدة من أهم المحطات في تاريخها؛ فالتصدعات السياسية والفكرية والاجتماعية بلغت ذروتها بين اليمين المتطرف الذي يتكون من طيف واسع من اليمين الأبيض والإنجيليين على مختلف مشاربهم والليبراليين المتطرفين الذين يقف على يسارهم التقدميون؛ وهو صراع عبر عنه بقضايا اجتماعية كالإجهاض والموقف من الشذوذ الجنسي والمهاجرين والرؤية الإنجيلية للعالم التي يجب أن تعد لمذبحة كونية تمهد لظهور المسيح؛ وقضايا سياسية كالموقف من النظام السياسي ودور الدولة في الحياة الاقتصادية؛ وهو صراع اشتد نتيجة الاستقطاب الشديد في أمريكا والذي غاب عنه المعتدلون القادرون على الجمع بين المعسكرين المتناحرين، فالمعتدلين باتوا أقلية معزولة لا سمع لها في ظل انتشار الشذوذ وأصحاب الأفكار المضادة بعالم يحكمه المسيح المنتظر.
بالعودة للهجمات فإن ساحتها الرئيسية المدارس سواء الدينية أو تلك ذات الصبغة الليبرالية المنفلته أخلاقيا وإنسانيا والجامعات والكنائس والنوادي وأماكن الترفيه سواء تلك التي يرتادها الشواذ أو التي يرتادها خصومهم فالخارطة تشير إلى هجمات متبادلة يتخللها عمليات إطلاق نار تشمل أماكن العمل والبنوك وكثيرا منها يستهدف المهاجرين ومن ضمنهم الجاليات المسلمة.
في أمريكا لا يوجد دراسات مستقلة تتناول الظاهرة وتدرسها اجتماعيا وسياسيا وجغرافيا إذ يكتفي بالإشارة إلى انتشار السلاح علما أن استهداف لوبي السلاح يمثل استهدافا لأحد أبرز التيارات اليمينية في أمريكا وتارة أخرى إلى انتشار التنمر وهو ثقافة تمثل رأس الجبل الجليدي فقط في أمريكا.
الدراسات تتجنب البحث بشكل حقيقي في دوافع مرتكبي (حوادث إطلاق النار الجماعي) لرسم خارطة للتيارات المتصارعة والدوافع الحقيقية في ظل تعمق الانقسام السياسي؛ خصوصا أن الأمر لم يعد يقتصر على اليمين المتطرف بعد أن انضم الشواذ لحفلات إطلاق النار الجماعي في حادثة ناشفيل؛ كل شيء يقال في أمريكا إلا الحقيقة فهي غائبة؛ لغياب وتغييب الدراسات المستقلة والجادة عن واقع التطرف والعنف في أمريكا؛ التي اختارت التعايش مع ثقافة العنف ولكن إلى متى؟.
ختاما..
حوادث القتل الجماعي في أمريكا تبدو أمرا غير ذي أهمية لبقية العالم؛ ولكن حقيقة امتلاك أمريكا ترسانة كبيرة من القنابل النووية أمر مثير للذعر ويتطلب دراسة تطورات المجتمع الأمريكي وتوجهاته العنفية المستقبلية وأثرها على بقية العالم.
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=140844