“باب الرحمة” الأقرب لقبة الصخرة يجسد أطماع الاحتلال في الأقصى

يعتبر “باب الرحمة” أو “باب التوبة” من أقدم وأشهر الأبواب في السور الشرقي للمسجد الأقصى المبارك، ويتمتع بمكانة دينية وتاريخية عظيمة لدى المسلمين على مدار التاريخ.

ولأهمية هذا الباب بالنسبة للمسلمين، ومحاولة المستوطنين السيطرة عليه، فإن هناك معركة كبرى قائمة عليه؛ نظرا لأنه أقرب الأبواب لقبة الصخرة المشرفة.

ويبلغ ارتفاع “باب الرحمة” -حسب الدكتور عبد اللطيف أبو هاشم، مدير دائرة المخطوطات والآثار في وزارة الأوقاف الفلسطينية- 11 مترا ونصف المتر، وهو باب مزدوج يتكون من بابين هما التوبة والرحمة، يتم الوصول إليهما عبر النزول على سلالم طويلة.

وقال أبو هاشم لـ “عربي21”: “من الجهة الأخرى، أي من المنطقة الواقعة خارج السور، تقع مقبرة باب الرحمة الإسلامية، التي دُفن فيها العديد من صحابة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، لعل أبرزهم عبادة بن الصامت وشداد بن أوس”.

وأضاف: “أُغلق الباب الذي شُيد بالفترة الأموية من جهة المقبرة بعهد القائد صلاح الدين الأيوبي الذي أمر بذلك لأسباب عسكرية بعد تحرير المدينة من الصليبيين، وبقي الباب من الجهة الأخرى، أي من داخل الأقصى، مفتوحا وفيه قاعة واسعة تصل مساحتها لنحو مئتي متر مربع، وحظي المكان باهتمام المسلمين منذ القدم”.

ورجح أن يكون هذا الباب قد أسس في عهد هيردوس الكبير، لكنه لم يبق من ذلك إلا الموقع والتخطيط العام.

وأشار إلى أنه قد أعيد بناؤه مرات عديدة، ومن ذلك ما تم عند جلاء الفرس عن القدس، ودخول الإمبراطور هرقل إليها، ثم ما تم في العصر الأموي.

وأوضح أبو هاشم أن تصميم هذا الباب، وهيئته المعمارية، مثل تصميم الأبواب الأموية، وهيئتها المعمارية التي صممت في الجدار الشمالي للحرم الشريف.

وقال: “يتكون هذا الباب من بابين قديمين، يعرفان بباب الرحمة وباب التوبة، وقد أغلق هذان البابان”.

 وأضاف: “يقال إن عمر بن الخطاب أمر بإغلاقهما عندما فتح القدس، ولم يفتحا حتى الآن”.

وتابع: “ذكر ابن فضل الله العمري أنه كان فوق هذا الباب مسجد يطلق عليه اسم مسجد باب الرحمة، وأن الإمام الغزالي أقام في زاوية فوق الباب الذهبي، فسميت الزاوية الغزالية نسبة إليه”.

وأكد أن البابين يعرفان بأسماء عدة منها: “باب الدهرية”، “باب توما توما”، و”الباب الذهبي”، وهما من أشهر أبواب القدس المسدودة على الإطلاق، فهما دائما يظهران في بانوراما القدر من على جبل الزيتون.

ويعود باب الرحمة إلى واجهة الأحداث مجددا، ويتصدر المشهد الفلسطيني، في مسعى إسرائيلي لفرض التقسيم المكاني بالمسجد الأقصى عبر اقتطاع المصلى ومحيطه في الجهة الشرقية للمسجد، ومحاولتها لفصل باب الرحمة عن سائر المسجد.

ويقول الدكتور جمال عمرو، الخبير في شؤون القدس وأستاذ العمارة في جامعة بيرزيت: “الحديث عن باب الرحمة ذو شجون، فهذا الباب التاريخي له مكانة خاصة جدا في المسجد الأقصى المبارك”.

وأضاف عمرو لـ “عربي21”: “باب الرحمة يتكون من بوابتين اثنتين؛ الجنوبية بوابة باب الرحمة، والشمالية التي تفصلها عنها عمود واحد هي بوابة التوبة، وهاتان البوابتان مغلقتان من الناحية الخارجية، مفتوحتان نحو الداخل، ضمن فراغ داخلي مبنى هو مقبب بقبتين اثنتين تعلوان الأرضية بـ ١١.٥متر تقريبا”.

وتابع: “يتكون هذا المكان من مستويين، مستوى تقام فيه الصلاة، وهو مرتفع وشاهق، وغرف فوقية كانت فيها خلوات وفيها صلوات أيضا، وفيها علماء كتبوا كتبا، منهم أبو حامد الغزالي الذي كتب مقدمة المقدمة الشهيرة، وكانت تعطى هناك دروس أيضا”.

ويعود تاريخ الباب -بحسب عمرو- إلى ما قبل الفتح العمري في أساساته كبقية أساسات المسجد الأقصى المبارك، التي وصفها رسول الله عليه الصلاة والسلام في رحلة الإسراء والمعراج.

وقال: “قبل الفتح العمري، كان الأقصى له أسوار، ومعروف بحدوده؛ لأنه ثاني مسجد وضع في الأرض، وبالتالي أساسات باب الرحمة تعود إلى ذلك التاريخ الغابر القديم جدا”.

ووصف الباب بأنه جميل جدا، وبه أعمدة ذات التيجان الكورالثية. التعبير كورالثي هو تعبير عن أنواع التاج حتى تكون تختلف عن التاج الإيواني والتاج الدوري في الهندسة المعمارية.

وقال: “التاج الكورالثي أدقها تفصيلا، وأجملها وأكثرها صعوبة في الزخرفة، وبالتالي باب الرحمة مزخرف جدا، والذي رفع الباب بهذا الشكل وبناه يلاحظ المرء بأنه يعود إلى العهد الأموي في عهد عبد الملك ابن مروان في مجمله هو عمارة أموية جميلة جدا، وهذه الزخرفة موجودة في العمارة، الأموية سواء في المسجد الأموي في دمشق، وموجودة حتى في العمارة الأموية في الأندلس، فهو بديع جدا هذا الباب في منتهى الجمال، ويقع في الواجهة الشرقية.

وحدد عمرو موقع الباب في السور الشرقي للمسجد الأقصى المبارك، والذي يقع على بعد ٢٠٠ متر جنوب باب الأسباط ويقع قبالة قبة الصخرة المشرفة مباشرة.

وقال: “هذا الباب ينزل إليه بدرج حاد بعض الشيء لكن يمكن الوصول إليه عبر هذا الدرج العريض ولكنه منخفض كثيرا عن أرضية المسجد الأقصى المبارك وكأنه في مستوى المرواني وكأنه تسوية في نهاية المطاف”.

وأضاف: “نرى بأن المسلمين منذ فجر الإسلام استخدموا باب الرحمة مصلى وأصبح اسمه مصلى باب الرحمة”.

وأوضح أن باب الرحمة ورد كما يقول المفسرون في القرآن الكريم، مشيرا إلى أنه يشرح هذا الأمر في إحدى الآيات، ويصف كيف أن ضرب بينهم بسور من قبله العذاب: بقوله تعالي: (فَضُرِبَ بينهم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وظاهره من قِبَلِهِ الْعَذَابُ). 13 سورة الحديد.

وقال: “تعني هذه الآية أن المسجد الأقصى في باطنه الباب فبالتالي رحمة ظاهره من الخارج فيه”.

وأضاف: “هناك معتقدات تقول إن المنحدر خارج باب الرحمة هو منحدر واد، وهو وادي جهنم، وهناك ينصب الصراط”.

وأوضح عمرو أن خارج الباب هناك مقبرة باب الرحمة أو مقبرة الرحمة وهي مقبرة إسلامية وفيها رفاة صحابة ومن ضمنهم شداد ابن أوس قادي القدس وعبادة ابن الصامت.

وشدد الباحث في شؤون المسجد الأقصى أن باب الرحمة مستهدف ويقع في دائرة الاستهداف الشديد، مؤكدا أن الاحتلال تعمد عام ٢٠٠٣ لإغلاق الباب ومنع المسلمين من استخدام هذا الباب.

وقال: “كان سبب الإغلاق لدى الاحتلال هو ادعاء فاجر وفاشل وكاذب وأساطير أن لجنة التراث الإسلامي هي التي أحيت ونظفت المكان ووضعت فيه مكاتب وأقامت فيه نشاط غير مسموح به”.

واعتبر ادعاء الاحتلال أن الأنشطة التي كانت تقام في المسجد منذ عام ١٩٩٢ حتى عام ٢٠٠٣، هي نشاطات إسلامية (متطرفة) تخدم (تنظيمات متطرفة) ادعاء باطل ولا أساس له من الصحة.

وقال: “بقي باب الرحمة مفتوحا حتى عام ٢٠٠٣، وفي هذا العام أغلقه الاحتلال، وبقي ١٦ عاما مغلقا، ثم في ٢٠١٩ قام المسلمون بهبة باب الرحمة وفتحوا باب الرحمة وكسروا الأغلال التي وضعها الاحتلال في البوابات المعدنية وحطموها ودخلوا باب الرحمة وافتتحوه مجددا، مسجدا كما كان مصلى جزءا عزيز جدا من المسجد الأقصى المبارك وبالتالي لا يجوز إطلاقا الانفراد بباب الرحمة واختصاره والسيطرة عليه بهذا الشكل الذي يريده الاحتلال”.

وأضاف: “باب الرحمة فيه جزء مسقوف، وفيه فناء أمام الجزء المسقوف مبلط ببلاط حجري وهو بحاجة لترميم، وفي محيطه هناك ٨ دونمات فيها كما هو معلوم لدى القاصي والداني الأتربة التي تم تنظيفها من داخل المصلي المرواني، حيث اعتبر الاحتلال هذه الأتربة مقدسة واعتبر المكان مناسب وملائم لأن هناك أشجار يختفي خلفها المستوطنون ويصلون صلواتهم جماعة وبصوت عالي وأيضا ينبطحون على الأرض فيما تسمى (سجود ملحمي)”.

وتابع: “هذه الأراجيف والأكاذيب والأباطيل يتم خلالها رفع الأعلام، ويعلنون البلوغ وإلى آخره من هذه القصص الجهنمية”.

وشدد على أنه أصبح في وجدان المستوطنين أنه يجب السيطرة على باب الرحمة بأي ثمن وبأي طريقة من الطرق وسندهم في ذلك قوات الأمن الإسرائيلية التي منعت المسلمين من الاقتراب منه ومنعت النشاطات ومنعت التصوير ومنعت حتى موظفي الأوقاف من الاقتراب أو التصوير أو المرافقة.

وقال: “نحن أمام جريمة مكتملة الأركان ويشارك فيها جمعيات صهيونية والتي أصبحت هي نفسها الحكومة.

وأضاف: “لا فرق بين الحكومة الإسرائيلية الآن وبين منظمات الهيكل، فنحن أمام كارثة مكتملة الأركان، ويجب الانتباه بأن هذه الكارثة الحقيقة والتي كان ضروري جدا ألا تحصل ومنذ أن افتتح باب الرحمة مجددا على يد المسلمين والمرابطين عام ٢٠١٩م”.

وشدد على أنه كان يجب إشغال باب الرحمة وبقاؤه مفتوحا للصلاة، لكن المسلمين ظنوا أن الاحتلال استسلم، لكن في واقع الأمر الاحتلال لم يستسلم ووضع خططا وبدأ ينفذها ومنع ترميمه.

وأشار إلى أن الاحتلال لم يقم وزنا لهذا المقدس ودخل بالأحذية فوق سجاد المسجد دلالة على أنه لا يعترف أنه مسجد وبدأ ينكل ويبعد ويسحب كل من يناصر باب الرحمة أو يأتي للصلاة فيه ويصورهم ويستدعيهم ويبعدهم عن المسجد الأقصى المبارك.

وعزا عمرو إصرار الاحتلال السيطرة على باب الرحمة كونه ملائما جدا لدخول المستوطنين منه.
وقال: “يمكن بسهولة فتح البوابات المغلقة بالحجارة منذ الحقبة الأيوبية ليتمكن المستوطنون من الدخول مباشرة من خارج البلدة القديمة ومن فوق المقبرة الإسلامية إلى باب الرحمة ليصبح كنيسا لليهود كما هم يظنون ثم يصلون في داخله وفي خارجه”.

وأضاف: “باب الرحمة هو أقرب باب لقبة الصخرة المشرفة وهذا هو السر الأعظم كونه مقابل لقبة الصخرة تماما ويمكن الدخول منه مباشرة لقبة الصخرة المشرفة التي يسمونها هم قدس الأقداس”.

وتابع: “هنا تكمن الخطورة في البعد الاستراتيجي الذي يخطط له الاحتلال مع مرور الزمن وهو يعني موطئ قدم كما جرى في المسجد الإبراهيمي في الخليل الذي تم الاستيلاء عليه شيئا فشيء وهكذا يريد الاحتلال تماما في باب الرحمة”.

وشدد عمرو على أن حجم أطماع الاحتلال في باب الرحمة كبير جدا ولا يمكن صد الاحتلال عن باب الرحمة نظرا للقوة المفرطة التي يستخدمها الاحتلال تجاه كل من يحاول كسر سيطرة الاحتلال على باب الرحمة.

وقال: “هذه القوة الغاشمة تدل على أن في أنفسهم شيئا خطيرا جدا تجاه باب الرحمة، ولا يمكن الصمود والثبات والصلاة والرباط في مسجد باب الرحمة سوى من ثلة قليلة من الناس المؤمنين إيمانا قطعيا أنه جزء لا يتجزأ من الأقصى ويستحق الأولوية بنسبة ١٠٠%”.

وأضاف: “لكن لا يمكن ردع الاحتلال دون أن يكون هناك دعم رسمي من نظم عربية وإسلامية تدخل على الخط، وأيضا ودعم من الإقليم ومن المحيط خارج فلسطين، حتى يعرف الاحتلال مكانة باب الرحمة بأنه جزء عزيز من الأقصى وان الأقصى لا ينقص سم واحد ولا متر مربع واحد على الإطلاق ولا يمكن المساومة ولا الصمت ولا السكوت عن باب الرحمة”.

وتابع: “الهزيمة في باب الرحمة تعني هزيمة الأقصى كل الأقصى، وتعني كارثة على القضية الفلسطينية برمتها، فالأقصى قرآن يتلى، وبما فيه باب الرحمة، وعلى هذا الأساس نحن نؤمن إيمانا قطعيا أن هبة باب الرحمة رقم ٢ قادمة لا محال، لأن المسلمين لا يمكن أن يستسلموا ولا يمكن أن يسلموا باب الرحمة على الإطلاق”.

ومن جهته حذر الدكتور مروان الأقرع الباحث والمتخصص في تاريخ فلسطين والقدس من محاولات الاحتلال السيطرة على المسجد الأقصى من خلال وضع يده على مصلى باب الرحمة.

وقال الأقرع لـ “عربي21”: “تسعى قوات الاحتلال إلى السيطرة على المسجد الأقصى المبارك وذلك عن طريق تفريغه من المرابطين، وتستخدم وسائل عديدة من أجل منعهم من التواجد في المسجد والاعتراض على دخول الصهاينة عليه وتدنسيه”.

واستعرض الوسائل التي تبعها الاحتلال من أجل منع المسلمين من التواجد في المسجد الأقصى في أي وقت.

وقال: “من الوسائل التي تستخدمها قوات الاحتلال اعتقال المرابطين لفترات طويلة وإصدار أوامر إبعاد عن المسجد الأقصى، حيث يتم اعتقال ومحاكمة كل من ينتهك هذه القرارات”.

وأشار إلى أن الاحتلال يمنع الاعتكاف في المسجد الأقصى طوال أيام السنة باستثناء العشر الأواخر من شهر رمضان واعتقال كل من يتواجد فيه، وإغلاق بوابة المسجد الأقصى في ساعات الليل ومنع الدخول والخروج منه.

وأكد الأقرع أن من وسائل المنع مهاجمة المصلين بالغاز السام والرصاص المطاطي وقنابل الصوت والعصي داخل المصلى القبلي، إضافة إلى تفريغ ساحات المسجد الأقصى من المرابطين أثناء دخول المتطرفين اليهود إلى باحاته واقتحامه.

وتطرق إلى استخدامات باب الرحمة وأهميته مشيرا إلى أن لجنة التراث الإسلامي اتخذته في العام 1922م مقرا له حتى عام 2003.

وأشار إلى أنه في العام 2003م قامت قوات الاحتلال بحظر اللجنة وبقي مصلى باب الرحمة مغلقا، واستخدمته مدارس الأقصى الشرعية كقاعة للامتحانات والنشطات المختلفة وبقي هذا حتى عام 2019م حيث قامت قوات الاحتلال بإغلاق المدخل الحديدي بقفل ومنعت الدخول والخروج منه وقامت باعتقال كل من يحاول تحدي قرارها.

وقال الأقرع: “قام المرابطون بتحدي القرار الإسرائيلي بالإغلاق وصلوا الجمعة فيه وقاموا بعمل فعاليات ثقافية واجتماعية حتى يكون هناك تواجد في داخله”.

وأضاف: “حرص المرابطون في رمضان الماضي على الصلاة في مصلى باب الرحمة وعمل إفطارات جماعية للمصلين وندوات دينية، ليصبح المصلى مفتوحا بشكل دائم على الرغم من قرار محكمة العدل العليا في دولة الاحتلال بإغلاقه في عام 2000”.

وشدد على أهمية بث الوعي بأن مصلى باب الرحمة جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى، وحث المصلين على الصلاة فيه والتواجد فيه حتى يتم قطع الطريق على اليهود الذين يحاولون السيطرة عليه لتطبيق ما يحلمون به في تقسيم المسجد الأقصى المبارك مكانيا وزمانيا.

وطالب الأقرع بالتواجد المكثف في مصلى باب الرحمة وعمل حلقات دينية وثقافية وإقامة إفطارات جماعية والاعتكاف فيه وتعميره وتجهيزه لاستقبال النصلين.

ودعا الباحث في شؤون فلسطين والمسجد الأقصى إلى ضرورة تسيير رحلات إلى المسجد الأقصى، وجعل مصلى باب الرحمة جزءا أساسيا في هذه الزيارات.

المصدر: عربي21