تتجدد ذكريات النكبة الأليمة في مثل هذه الأيام من كل عام وتعود إلى ذاكرة الفلسطينيين مشاهد القتل والتهجير والمجازر، ولا سيما من عاصروا تلك الحقبة المشؤومة.
ففي 14 مايو/ أيار عام 1948، أعلن الكيان الإسرائيلي قيام دولته على أرض فلسطين، في وقت كانت فيه الولايات المتحدة الأمريكية أول المعترفين بها، ثم تبعها معظم دول العالم.
وكان الانتداب البريطاني منح اليهود الحق في إقامة وطن لهم على أرض فلسطين عبر وعد بلفور المشؤوم عام 1917م، وبالتوازي مع ذلك كان يسهل الهجرة اليهودية، وبتشجيع من الدول الغربية.
البدايات
ووفق ما تحدث به المؤرخ الفلسطيني خالد الهجين، فإن أعداد اليهود في فلسطين لم تكن تتعدى بضع عشرات في بدايات القرن العشرين.
ويقول الهجين في حوار سابق مع وكالة “صفا”: “ثم بدأت أعدادهم تزداد تباعًا بأوامر من الحكومة البريطانية التي مهدت لهم الإقامة على أرض فلسطين”.
ويشير إلى أن بوادر النكبة بدأت تظهر تقريبًا مع إعلان ثورة فلسطين الكبرى عام 1936 التي اندلعت احتجاجًا على سياسة الهجرة اليهودية المفتوحة.
ويوضح الهجين أن الانتداب البريطاني سرّع من وتيرة الهجرة اليهودية؛ إذ بلغ عدد من تم إحضارهم من اليهود حوالي 220 ألفًا خلال فترة وجيزة سبقت إعلان الثورة.
وينوه إلى أن “التخطيط لاحتلال فلسطين لم يكن عشوائيًا إنما كانت عملية منظمة منذ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول بمدينة بازل في سويسرا عام 1897م بدعوة من ثيودور هرتزل، معلنًا حق الشعب اليهودي في إقامة وطنه الخاص به على أرض فلسطين”.
ويشير المؤرخ إلى أن مؤتمر بازل حدد قيام “إسرائيل” خلال مدة 50 عامًا وبالتالي كل ما كان يتم القيام به منذ هذا المؤتمر وحتى عام 1948 مدروسًا ومخططًا له.
ويعتقد، أن الفلسطينيين لم يكونوا يتوقعون ولو للحظة واحدة أن العصابات الصهيونية ستقيم دولة على أراضيهم لأنها كانت تمتلك بعض المستعمرات القليلة في السنوات ما قبل النكبة.
ويضيف الهجين “لم يكن الاعتقاد لديهم أن المستعمرات القليلة سوف تكون دولة كبيرة وتطردهم من أراضيهم وإلا لكانوا تحصنوا وتجهزوا لكل هذه اللحظات”.
ويتابع “لو كانت هناك دراية كافية، فكان يمكن للفلسطينيين أن يمنعوا هذه المستعمرات من تقوية نفسها، من خلال شراء الأسلحة ومقاومة الاحتلال ومنع قدوم اليهود من خارج فلسطين”.
وكانت السلطات البريطانية، حسب المؤرخ، تمنع الفلسطينيين من التسلح أو حتى حمل السكين مقابل تزويد اليهود بالدبابات والمدافع والطائرات والأسلحة الثقيلة.
مجريات التهجير
كانت حيفا ويافا والرملة والقدس من أكثر المدن التي سعت العصابات الصهيونية للسيطرة عليها في بداية مسلسل التهجير؛ وذلك بسبب مواقعها الاستراتيجية، وفق الهجين.
وبحسبه، بدأت أحداث النكبة أواخر شهر أبريل/ نيسان 1948 وأوائل مايو/ أيار واستمرت بصورة متسارعة لمدة شهرين متتالين، ثم كانت هناك بعض المعارك المتقطعة في بعض القرى والمدن حتى ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام.
ويبين الهجين، أن حيفا هي أول مدينة سقطت في يد العصابات ثم تبعها سقوط يافا والرملة ومناطق في القدس، وبعد ذلك سقطت صفد.
فيما كانت المجدل، آخر مدينة تسيطر عليها تلك العصابات في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 1948، كما تحدث الهجين.
ويؤكد المؤرخ أن الأحداث كانت تتوالى بسرعة عقب إعلان المملكة البريطانية الخروج من فلسطين وتسليمها للعصابات الصهيونية.
ويشير إلى أربعة عوامل أسهمت في سقوط هذه المدن والقرى، أولها تسليح العصابات اليهودية تسليحًا قويًا ثم تدريب أفرادها، ولاسيما أن جزءًا كبيرًا منهم كانوا يخدمون في القوات البريطانية والفرنسية بالحربين العالميتين الأولى والثانية.
ويضيف الهجين “بينما كان الاحتلال الإنجليزي يقدم الأسلحة الثقيلة لتلك العصابات، كان الفلسطينيون يُمنعون حتى من حمل السكين، الأمر الذي أضعف مقاومتهم”.
فضلًا عن ذلك، سلّم الجيش الإنجليزي عقب انسحابه من فلسطين، مراكزه ومطاراته العسكرية إلى العصابات الصهيونية، وهو ما ساعدهم على التحكم في زمام الأمور.
ويلفت الهجين إلى سبب رابع أدى إلى سقوط المدن، وهو دعم اللوبي اليهودي والصهيوني العالمي لليهود في فلسطين وجمع الأموال لهم من كل مكان خاصة من يهود أوروبا ويهود أمريكا حتى يتمكنوا من إقامة دولتهم.
مجازر مروعة
ويفيد المؤرخ الفلسطيني، بأن الاحتلال هجّر عام 1948 أكثر من 800 ألف فلسطيني من 800 قرية بما يعادل أكثر من ثلثي السكان آنذاك.
ويشير إلى أن العصابات وأبرزها “الهاغاناة” و”أرغون” ارتكبت عدة مجازر خلال هذا العام راح ضحيتها ما يقارب من 600 – 700 فلسطيني في ذلك الوقت.
ومن أبرز المجازر، مذبحة دير ياسين، وبيت دراس، وبرير، إضافة لمذبحة في المجدل، ومجزرة أخرى في سلمة.
وينوه الهجين إلى أن العصابات كانت تتعمد ارتكاب هذه المجازر والترويج لها إعلاميًا لترهيب سكان المدن والقرى الأخرى ودفعهم إلى الهجرة منها دون مقاومة.
ورغم هذه المجازر إلا أن العصابات الصهيونية واجهت بسالة كبيرة من الفلسطينيين في الدفاع عن ديارهم، حسب ما أكده المؤرخ.
ويلفت إلى أن الفلسطيني كان يبيع ذهب زوجته وجزءًا من أرضه لمعارفه، ويجمع المال حتى يشتري بندقية صغيرة وبسيطة لمواجهة المدافع الرشاشة التي كان يملكها اليهود.
ويؤكد الهجين أن العديد من أهالي القرى استبسلوا في الدفاع عن أراضيهم، وكبّدوا العصابات الصهيونية خسائر كبيرة.
وكانت أكبر الخسائر التي منيت بها هذه العصابات على يد الجيش الأردني الذي قاوم ببسالة في الضفة الغربية خصوصا في منطقة طولكرم والقدس ورام الله.
بينما كانت أكبر مقاومة من الجيش المصري في منطقة الفالوجا ومدينة المجدل التي سقطت في أكتوبر 1948.
ويتابع الهجين أن “سبعة جيوش عربية قاتلت العصابات الصهيونية في فلسطين، لكنها كانت ضعيفة ومهلهلة لأن دولها كانت تحت الاحتلال البريطاني أو الفرنسي”.
حلم العودة قريب
وبعد 75 من النكبة بات الفلسطينيون أقرب من أي وقت مضى للعودة إلى أرضهم ويتضاعف الأمل لديهم بمعانقة تراب البلاد وسهولها وحقولها.
ويقول: “ما زال كل فلسطيني يرنو للعودة إلى قريته، وهم متأكدون أن عودتهم ستكون قريبة”.
ويضيف الهجين “ما زال الفلسطينيون حتى هذه اللحظة يقتربون من المناطق المحيطة بمكان سكناهم خاصة المناطق القريبة من قطاع غزة وهم ينظرون إلى المجدل وسمسم وهربيا وبيت طيما وبيت جرجا ودمرة”.
ويؤكد أن كل فلسطيني مهجر يحمل ويحفظ تاريخ وهوية أرضه، وما زال يحمل مفتاح العودة متقينًا من قرب حلم العودة.
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=141608