القدس في صبيحة “مسيرة الأعلام”..انتشار أمني مكثف واعتداء على المرابطين وإفراغ الأقصى من المصلين

تصرخ المرابطة المقدسية نفيسة خويص: “لا تلمسوني.. لا تلمسوني”، فيما مجندة وجندي احتلاليان يمسكان بها ويدفعانها خارجا بعيدا عن ساحات المسجد الأقصى من منطقة باب السلسلة.
وحيث لا تجدي صرخات خويص، وهي تسكن في “جبل الزيتون” وأم لـ6 أبناء و4 بنات، وتحرص على أداء كل صلواتها في المسجد الأقصى أو على أبوابه عندما تكون مبعدة، يندفع بحدة خلفها عشرات الجنود المدججين بالسلاح لطردها من الساحات والطرق الرئيسية المؤدية إلى المسجد الذي يشهد أكبر حملة أمنية لحماية اقتحامات صباحية للمستوطنين في يوم تنظيم مسيرة الأعلام.

وعملت جماعات الاستيطان المتطرفة على تحشيد أكبر عدد من المستوطنين في الفترة الصباحية فيما يشبه “بروفا” أو إشارة لما سيحدث بعد عصر اليوم الخميس.
وإن كانت خويص قد تلقت الدفع والركل والتهديد باستخدام السلاح، فإن مجموعات الشباب المقدسيين حدث معها ما هو أكبر من ذلك، حيث تظهر فيديوهات وثقها نشطاء، اعتداءات بالعصي والضرب والركل المبرح لمجموعة من الشباب في مناطق متفرقة من البلدة القديمة في القدس المحتلة.
وصرخت مرابطات: “الله أكبر”، بالقرب من باب السلسلة، ما دفع بعشرات المجندات إلى مهاجمتهن والاعتداء عليهن وطردهن من المكان.
وتظهر الفيديوهات حالة كبيرة من الاستنفار يمارسها الجنود الذين يندفعون بعنف شديد، وهو أمر يتخوف منه مراقبون كثر في ظل تجربة مسيرة الأعلام العام الماضي.

واقتحم أكثر من 824 مستوطنا، المسجد الأقصى منذ الساعة 7:00 صباحا ولغاية الساعة 11، حيث توافدت مجموعات كبيرة إلى باحات المسجد على شكل مجموعات متتالية، بينهم وزراء في حكومة اليمين المتطرف، وأعضاء في الكنيست.

وقاد عضو الكنيست السابق، الحاخام المتطرف يهودا غليك، إحدى المجموعات المقتحمة التي تقدمها وزير النقب والجليل في حكومة الاحتلال إيتسحاق فاسرلاف من حزب “عوتسما يهوديت”، وزوجة وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، “أيالا”.
وبحسب دائرة الأوقاف، فإن مئات المستوطنين اقتحموا الأقصى، ونفذوا جولات استفزازية في ساحاته، وتلقَّوا شروحات عن “الهيكل” المزعوم، وأدّوا طقوسا تلمودية في منطقة باب الرحمة وقبالة قبة الصخرة، قبل أن يغادروا الساحات من جهة باب السلسلة.
وأغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي في ساعات الصباح، المصلى القبلي في المسجد الأقصى، بعد تفريغه من المرابطين والمصلين، ونشرت قواتها في ساحاته، لتأمين اقتحامات المستوطنين، قبيل ما تسمى “مسيرة الأعلام” الاستيطانية.

وشددت سلطات الاحتلال إجراءاتها العسكرية في القدس، ومنعت الشبان من دخول المسجد الأقصى لأداء صلاة الفجر. وأبعدت قوات الاحتلال بالقوة عشرات المقدسيين والصحافيين عن محيط باب السلسلة، واعتدت بهمجية على بعض الشبان في محيط الأقصى، والمرابطين الموجودين قرب باب السلسلة.
ويواصل المستوطنون اقتحاماتهم الاستفزازية بأعداد كبيرة، بعضهم بلباس كهنوتي وهم حفاة الأقدام، لتأدية طقوس تلمودية.
وفي السياق، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إن أجهزة أمن الاحتلال المسؤولة عن تأمين وحماية “مسيرة الأعلام” في القدس، تعقد جلسات تقدير موقف كل عدة ساعات، بهدف بناء صورة استخبارية دقيقة حول الحدث الأكثر حساسية وتفجرا.
ولفتت “يديعوت” النظر إلى أن “شرطة الاحتلال في ذروة التأهب والاستنفار، والضباط الإسرائيليون المسؤولون عن حماية المسيرة، جاهزون لكل سيناريو”.
وشددت قوات شرطة الاحتلال من إجراءاتها العسكرية في القدس، وحولتها إلى ثكنة عسكرية، بذريعة تأمين “مسيرة الأعلام” الاستفزازية، التي تنوي الجمعيات الاستيطانية تنظيمها اليوم عصرا، حيث دفعت سلطات الاحتلال بآلاف من عناصر الشرطة، ونصبت الحواجز العسكرية على الطرقات الرئيسة، وأغلقت بعض المحاور الرئيسة، إذ تصر حكومة الاحتلال على توجيه ما تسمى “مسيرة الأعلام” الاستيطانية وفق مخططها، من خلال المرور عبر باب العامود والبلدة القديمة، ما يؤكد نواياها المبيتة للتصعيد.

ولجأت شرطة الاحتلال إلى التضليل، حيث أصدرت بياناً مساء أمس، ومن ثم منشوراً على صفحتها الرسمية يحاول التأكيد بأن مسار مسيرة الأعلام الصهيونية لا يشمل المسجد الأقصى، وأنها لم ولن تمر منه.
ويعلق الباحث المقدسي زياد ابحيص على ذلك، بأن الواقع على الأرض هو أن جماعات الهيكل التي تحضر لاقتحام الأقصى والإدارة التي تحضر لمسيرة الأعلام، هما كيان واحد ودعواتهم واحدة.
ويضيف: “يبدو ذلك واضحاً في منشورات منظمة”جبل الهيكل في أيدينا” ومنظمة “العودة إلى جبل الهيكل” التي تؤكد على جمهور متطرفيها بالتوجه إلى نقطة انطلاق مسيرة الأعلام غرب القدس من الأقصى، بعد أن ينهوا الاقتحام ومحاولة فرض رقصات الأعلام في الأقصى”.

ويرى ابحيص أن هذه البيانات والمنشورات تعبر عن مدى خوف شرطة الاحتلال من التحركات المضادة لاقتحام الأقصى ومسيرة الأعلام؛ وحاجتها إلى تثبيط أي تحرك بالتضليل والتحايل بينما هي تنشر 5,500 من عناصرها في محيط البلدة القديمة لفرض العدوان.
وأطلق مقدسيون وفلسطينيون حملة تغريد “#ارفع_علمك” وهي ضمن دعوات متواصلة لرفع العلم الفلسطيني فوق المنازل وفي الشوارع اليوم لمواجهة مسيرة الأعلام التي ينظمها المستوطنون في القدس.
وبالتزامن من اقتحامات الصباح، عملت شرطة الاحتلال على إزالة علم فلسطين عن أحد الأعمدة في حي بئر أيوب ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى.

وكانت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي قد صادقت بالقراءة التمهيدية، يوم الأربعاء، على مشروع قانون يحظر رفع علم فلسطين أو علم أي “كيان أو منظمة معادية”، ومعاقبة من يرفعه داخل الخط الأخضر بالسّجن.
ومقترح القانون كان تقدّم به عضو الكنيست الإسرائيلي ألموغ كوهين، وأيّد الاقتراح 54 عضو كنيست، وعارضه 16 عضوًا، ومن المقرر أن يُقدم المشروع إلى لجنة الدستور لمواصلة بحثه وصولا إلى إقراره رسميا.
ويقضي الاقتراح بحظر رفع أعلام في الأماكن العامة لأي كيانات أو منظمات معادية لـ”إسرائيل” أو لأي أعلام كيانات أو منظمات لا تسمح برفع العلم الإسرائيلي على أراضيها، واعتبار ذلك مخالفة جنائية عقوبتها السجن لمدة سنة.
وحذرت وزارة الخارجية الفلسطينية من نتائج وتداعيات تمرير قانون منع رفع العلم الفلسطيني في الكنيست الإسرائيلي، واعتبرت في بيان صحافي، أن تمرير هذا القانون في الكنيست الإسرائيلي يعتبر تصعيدا خطيرا في ساحة الصراع، وانقلابا إسرائيليا رسميا على جميع الجهود المبذولة لحله بالطرق السلمية.

وقالت إن تمرير هذا القانون دليل على أن نظام الحكم في “إسرائيل”، يتجه بخطى متسارعة نحو الفاشية تنفيذا لتوجهات اليمين الفاشي والعنصري الحاكم في “إسرائيل”.
ورأت الخارجية أن قانون منع رفع العلم الفلسطيني يندرج في إطار تكريس الأبرتهايد كنظام تمييزي عنصري يستهدف المواطنين الفلسطينيين، ويحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية وفي مقدمتها رفع العلم الذي يمثل هويتهم وتاريخهم وقضيتهم وانتماءهم إلى هذه الأرض.
واعتبرت القانون إمعاناً إسرائيلياً رسمياً في حرب الاحتلال المفتوحة على الشعب الفلسطيني ووجوده في أرض وطنه وحقوقه التي أقرتها المواثيق والشرعية الدولية.

المصدر: القدس العربي