حقوقي إسرائيلي: الوزراء والقضاة شركاء بسرقة أراضي الفلسطينيين

عشية الذكرى السنوية الـ56 لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، يستعرض حقوقي بارز في إسرائيل جرائمها، داعياً لإطلاق صرخة ضد نظام الفصل العنصري “الأبرتهايد”. ويقول المحامي الناشط في مجال حقوق الإنسان ميخائيل سفارد إن الذكرى السنوية الـ56 لاحتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967 تحلّ بعد أيام، معتبراً أن المغزى من مرور الزمن أن الأغلبية العظمى من ملايين الناس الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي وُلدوا فيه، ولم يعيشوا يوماً واحداً من دون قمع واستغلال، ولا يعرفون واقعاً آخر يكونون فيه مواطنين وشركاء في صوغ القرارات التي تؤثر في حياتهم. سفارد، الذي سبق وكشف انتهاكات وفضائح إسرائيلية، منها صفقات بيع الأسلحة لأنظمة دموية في العالم، يتابع، في مقاله المنشور في صحيفة “هآرتس”:

“بعض الفلسطينيين لديهم الآن أحفاد وُلدوا أيضاً في عالم تقرّر فيه البندقية الإسرائيلية كُل شيء؛ إمكانية السفر خارجاً، السماح لهم بالوصول إلى حقولهم العائلية، الصلاة في القدس، وإمكان السماح لابن غزّة المقيم في الضفة بأن يودّع والدته المحتضرة”.

المستوطنون جنود

ويؤكد سفارد أن الجندي ليس المشكلة الوحيدة لدى الواقعين تحت الاحتلال؛ فإلى جانب الإسرائيلي، حامل البندقية، بملابس عسكرية، هناك يهودي يحمل بندقية أو حجراً أو عصا، ومن دون ملابس عسكرية، يسيطر على أراضيهم، ويقتلع أشجارهم، ويلحق الضرر بقطعانهم، ويحرق منازلهم، ويرعبهم، حتّى إنه يقتلهم. وينبه أيضاً إلى أن هذا اليهودي (الذي لا يرتدي الملابس العسكرية) يُدير معركة شاملة لإبادة الحياة الفلسطينية في المناطق المفتوحة داخل الضفة الغربية.

ويضيف الحقوقي الإسرائيلي، مستعرضاً نماذج من جرائم المستوطنين:

“في ما يلي مراجعة غير كاملة للأحداث التي جرت خلال أربعة أيام في الأسبوع الماضي، وهي تشير إلى أنه لدى هذا النوع الذي نتحدث عنه من اليهود قدرات كانت ستفخر بها مجموعات لا ساميّة عرفناها في تاريخنا؛ فيوم الاثنين الماضي، استكمل المستوطنون عمليّة التطهير العرقي للمجتمع البدوي الصغير في بلدة عين سامية، شمال شرق رام الله. وهناك 27 عائلة استأجرت الأرض وسكنت فيها قبل 40 عاماً، بعد سلسلة من عمليات الطرد. العملية الأخيرة كان الهدف منها السماح ببناء مستوطنة كوخاف هشاحار”.

عين سامية

ويقول سفارد إنه زار بلدة عين سامية، قبل نحو عام ونصف، برفقة مجموعة أشخاص من الجمعية الإنسانية “كومت- مي” (منظمة إسرائيلية – فلسطينية لتقديم الطاقة في المناطق ج) التي زوّدتهم بمنظومة لتوليد الكهرباء، تعمل بالطاقة الشمسية، بالإضافة إلى إمكانات ومستلزمات تسمح لهم بالعيش الكريم ضمن الحد الأدنى في المكان. وفي الزيارة نفسها، يقول إنه سمع الأهالي يتحدثون عن كيفية منعهم من رعي مواشيهم بالقوة من جانب المستوطنين العنيفين، الذين يستوطنون بؤراً (مزارع فوق التلال حولهم)، وكيفية تخريبهم حقولَهم، بالإضافة إلى تعطيل حياتهم من خلال الاستعانة بالعصي والكلاب. ويشير إلى أنه، خلال العامين الماضيَين، باتت هجمات المستوطنين عنيفة أكثر، وبوتيرة أعلى، وهو ما أنهكهم، فقرروا، يوم الإثنين الماضي، تفكيك خيمهم وأكشاكهم والمُغادرة، وذلك خوفاً من هجوم آخر على مكان سكنهم، وحرصاً على أمن أطفالهم، ولا أحد يعرف إلى أين.

ويتابع: “في الوقت الذي كانوا يحمّلون فيه أغراضهم في شاحنة، كان هناك مستوطن شاب يرعى قطيعه داخل حقل القمح الذي يملكونه. ولاحقاً، نفّذ مستوطنون مذبحة صغيرة في قرية برقة، التي تم بناء البؤرة الاستيطانية حومش على أراضيها؛ فأحرقوا كرافاناً وعدّة منازل، وهذا كلّه انتقاماً من السكان بسبب استقبالهم وفداً من الاتحاد الأوروبي. وفي اليوم التالي بدأ المستوطنون عمليات بناء غير قانونية، بهدف تسوية أراضي برقة، كجزء من الخطة لإعادة بناء حومش ومنع أصحاب الأرض الفلسطينيين من الوصول إليها، وقد وجّه الحاكم الفعلي للضفة الغربية المحتلة، بتسلئيل سموتريتش، أوامره إلى سلطات الاحتلال بعدم منع الأعمال. وفي اليوم التالي أيضاً، قام المستوطنون بحرق مركبات ومناطق مفتوحة زراعية في قريتين شمال رام الله، وأصابوا فلسطينياً إصابة بالغة بعد إطلاق النار عليه.

ويمضي سفارد في استعراض جرائم يرتكبها المستوطنون يومياً: “وهكذا، يتقاسم من يلبس الملابس العسكرية ومن لا يلبسها إذلال الفلسطينيين وتجريدهم طبقة بعد طبقة من كل ما يجعل من حياتهم حياة إنسانية: ينتزعون القدرة على تكوين عائلة، والقدرة على العمل، والأمان واتخاذ الخيارات في الحياة التي تشكل طريق الإنسان لتحقيق مواهبه وسعادته. من لديه استعداد للعيش هكذا؟

 ويتابع: “لقد حدث أمر آخر، الأسبوع الماضي؛ فقد رفض المحررون في النشرة العبرية التابعة للموسوعة الإلكترونية ويكيبيديا إعادة مصطلح “عنف المستوطنين” إلى الموسوعة، وهو المصطلح الذي أزيل في سنة 2019 (وبقي موجوداً بالإنكليزية)، وذلك بحجة أن المصطلح “يعمّم على السكّان بطريقة تعسفية ومنحاز سياسياً”، ولأن العنف الذي يدور الحديث عنه هُنا “لا يميز المستوطنين فقط”. إذن، لا حاجة إلى وأد الظاهرة التي تضر بصورة إسرائيل بين “الأغيار”، يمكن فقط محوها من ويكيبيديا.

محو الجرائم بحق البشر والشجر

لكن الأمور مختلفة عن أفلام الخيال العلمي برأي المحامي الحقوقي الإسرائيلي ميخائيل سفارد، فيقول إن محو المصطلح لا يُعيد أهالي عين سامية إلى قريتهم، ولا يزيل الرصاصة من جسد المصاب، ولا يزرع عشرات الآلاف من أشجار الزيتون التي اقتلعها المستوطنون من جديد على مدار السنوات، ولا يُعيد المركبات إلى ما كانت عليه، كما أنه أيضاً لا يُعيد البيوت والدكاكين في حوّارة إلى حالتها قبل ليلة العربدة الفاشية– العنصرية”.

ويضيف: “يمكن أن تكون أقوالي هذه شعارات، لكن لا مفر من القول إن المحررين في ويكيبيديا العبرية كالطفل الذي يغطّي عينيه، ثم يعتقد أن العالم غير موجود الآن. الفرق هو أن الطفل بريء، بينما هم ليسوا كذلك؛ فهو يغطّي عينيه، بينما هم يغطّون أعين الجميع.

في نهاية المطاف، هم يهود- إسرائيليون، وشركاء هذه المرة من خلال لوحة المفاتيح في محو الحياة الفلسطينية، ولا يستخدمون عصا أو وقوداً، إنما يقومون بخطوة سياسية حقيرة لإخفاء ضحاياهم وإنكارهم”.

اللصوص اليهود وعنف الدولة

كما يقول سفارد إنه، على الرغم من ذلك، وراء محو مصطلح “عنف المستوطنين” تكمن حقيقة مخفية، وذلك لأنه ليس المحو فقط، بل التشديد المبالغ فيه على أن مصدر العنف تُجاه القابعين تحت الاحتلال ينبع من عنف المستوطنين يشوّش القراءة الصحيحة لمآسي الاحتلال. ويؤكد أن العنف ضد السكّان القابعين تحت الاحتلال هو عنف دولة، وهو مشروع قومي ومبادرة مشتركة لجميع أطراف الشعب، كُل بحسب قدراته ومهاراته. ويقول سفارد إن مئات المستوطنين الذين أحرقوا حوّارة، قاموا بذلك بمساعدة آلاف رجال الشرطة، الذين لم يتواجدوا، والجنود الذين تواجدوا، لكنهم لم يمنعوا ذلك. ويقول أيضاً إنه قد حدثت أيضاً سرقة أراضي عين سامية بسبب الجيش والشرطة الذين لم يمنعوا، أو يوقفوا الأمر مسبقاً، كما لم يحاكِموا اللصوص اليهود، كسياسة عامة.

الجريمتان الكبرى والصغرى

لافتاً إلى أن التجاهل هو الجريمة الأصغر التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية، فقد تمت سرقة أضعاف الأضعاف من الأراضي الفلسطينية وتمريرها للمستوطنين عبر أدوات رسمية للمصادرة والتخصيص، أكثر من العنف “الخاص”، كما تمت سرقة كميات كبيرة جداً من الموارد في الأراضي المحتلة على يد القطاع التجاري الإسرائيلي، مما سرقه المستوطنون من أراضي فلسطينية وضمّوها إلى “مزارعهم”.  ويوجّه سفارد إصبع الاتهام أيضاً للنيابة العامة والقضاة العسكريين والمدنيين لأنهم قاموا بشرعنة نزع حقوق الإنسان الأساسية من ملايين الأشخاص، وبهذا تفوقت هذه المؤسسات على ما قام به كل “شبيبة التلال”.

ويخلص الحقوقي الإسرائيلي ميخائيل سفارد للقول إن اليهودي الإسرائيلي الذي يحمل البندقية، والعصا، ويستخدم لوحة المفاتيح، والقلم والمحفظة، هو المحتل الأكبر ومرتكب الجريمة الأكبر.

ويضيف: “حتّى لو تظاهر كثيرون من هذه العيّنة مع المتظاهرين في ساحة “كبلان” في قلب تل أبيب، فهم لا يدعمون الديمقراطية، بل يعملون على مأسسة الأبارتهايد وضمانه. أهلاً وسهلاً بكم في العام الـ57 للاحتلال”.

المصدر: القدس العربي