في الجزء الشمالي الغربي داخل باب الخليل في البلدة القديمة من القدس المحتلة، تقع قلعة القدس وتنطق حجارتها القديمة ومعمارها العريق ومئذنة مسجدها الباقية بهويتها العربية الإسلامية التي تتحدى محاولات التهويد والتزوير الصهيوني للتاريخ والحاضر.
وافتتحت سلطات الاحتلال الاثنين قلعة القدس في باب الخليل بعد 10 سنوات من التنقيب وثلاثة أعوام من الترميم وإعادة الهيكلة تحت مسمى “متحف قلعة داود” بتكلفة حوالي 50 مليون دولار بحضور ما يسمى وزير شؤون القدس الصهيوني، ورئيس بلديتها المتطرف وحشد من المستوطنين.
تاريخ مزيف
على مساحة أكثر من 20 ألف متر مربع، تمتد القلعة -الواقعة على إحدى التلال الأربع المقامة عليها مدينة القدس القديمة- التي سيطرت عليها قوات الاحتلال ولجأت لتغيير هويتها الحضارية وحولتها إلى ما يسمى متحف قلعة داوود لتروي من خلالها تاريخًا مزيفًا للمدينة يجافي حكاية كل حجر في القلعة.
بعدان لتهويد القلعة ومسجدها
الباحث في شؤون القدس، زياد ابحيص يطرح بعدين لسعي الاحتلال الحثيث لتهويد قلعة القدس، مبينًا أن أولها ينبع من كونها (القلعة) تقع في الزاوية التي يمكن من خلالها تصوير البلدة القديمة وأفق مدينة القدس دون حضور المسجد الأقصى.
وأشار ابحيص في حديثه الخاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” إلى أنه في 2007 أجرت بلدية الاحتلال مسابقة لأجمل صورة للقدس تحت هدف صورة تعتمد لرسم أفق المدينة لشعار بلدية الاحتلال والهدف غير المعلن كيف الوصول إلى شكل للقدس لا يتربع الأقصى في مركزها.
وأوضح أنه الصورة التي اختيرت كانت من الجهة الجنوبية الغربية وهي منطقة تقع جنوب غرب البلدة القديمة وظهر فيها سور القلعة وحده، مشيرًا إلى أنه حتى في هذا الجزء تقع قلعة القدس وتقع مئذنة مسجد القلعة لذلك كان لابد من إعادة طمس هذه المئذنة.
ونبه إلى أن جميع أعمال التهويد التي جرت وتجري ترمي إلى إزالة آثار المئذنة أو تحويلها لبرج مربع الشكل بحيث يغيب هويته الإسلامية.
أما البعد الثاني – وفق ابحيص- فهو أن القلعة ومسجدها تشكل أقرب معلم من مباني القدس إلى الجهة الغربية التي احتلها الاحتلال عام 1948 وبالتالي لابد أن يفتتح الدخول للبلدة القديمة من باب الخليل بالدخول إلى معلم تهويدي متحف يحاول أن يرسم شكل الرواية المدعاة في القدس لمحاولة إقناع الزائر أن هناك هوية يهودية وبالتالي جرت عملية تحويل قلعة القدس إلى متحف تهويدي يروي رواية توراتية مزعومة.
إجراء باطل
ويؤكد الباحث منصور سلامة أن تحويل سلطات الاحتلال الصهيوني قلعة القدس التاريخية إلى ما يسمى “متحف قلعة داود” يأتي في سياق سعي الاحتلال المحموم لتغيير معالم وهوية القدس التي ستبقى عربية إسلامية”.
وشدد في تعليق له عبر صفحته على فيسبوك تابعه “المركز الفلسطيني للإعلام” أن هذا الإجراء باطل ولا شرعية له.
مكونات القلعة وتاريخها
ويوضح الخبير في شؤون الآثار المقدسية، يوسف النتشة، أن برج القلعة يضم مسجد القلعة وحولته سلطات الاحتلال إلى متحف داوود بعد سنوات من الحفر والتنقيب والترميم.
وأشار في تصريحات تابعها “المركز الفلسطيني للإعلام” إلى أن الاحتلال يدرك أن المسجد واحد من أكبر مساجد القدس بعد المسجد الأقصى المبارك وهو المسجد الوحيد الذي كانت تقام فيه صلاة الجمعة رغم قربة من المسجد الأقصى لوجود مئات الجنود من الانكشارية العثمانية لحماية القلعة والقدس.
وفق النتشة؛ فإن أغلب البناء الحالي لقلعة القدس يعود للفترات الأيوبية والمملوكية والعثمانية، مشيرًا إلى أن البناء فيها متداخل غرباً في أضعف نقطة بالقدس القديمة من ناحية التحصينات بالمقارنة مع حدودها كون الجهة الغربية للمدينة تقع في منطقة مرتفعة وغير محاطة بالجبال.
وتضم قلعة القدس -وفق النتشة آثارًا من القرن الثاني قبل الميلاد وصولاً إلى العهد العثماني الإسلامي، حيث أضافت كل جماعة على القلعة إضافة معمارية أو رممتها، إلا أنها بقيت تستخدم على مر الحقب المختلفة مقرا للقيادة والجنود، وسجنا وكان يرابط فيها ٢٠٠مقاتل من الجنود الانكشارية في العهد العثماني.
هوية إسلامية
ويجزم النتشة أن جميع الحفريات الحالية ثبتت إسلامية القلعة، مبينًا أن الحفريات بدأت أسفل قلعة القدس منذ الفترة العثمانية، كما واصل الانتداب البريطاني الحفريات، وبعد احتلال المدينة عام 1967، عمق الاحتلال هذه الحفريات أسفل القلعة و كثفها في الثمانينيات وزاد من عمقها ووسعها في منطقة القلعة منذ ثلاث سنوات وكانت النتيجة اكتشاف آثار إسلامية قديمة تعود للفترة الأموية والعثمانية ولا يوجد من يثبت أوهامهم (الصهاينة) وما يدعونه.
ويعود أول بناء في القلعة إلى القرن الثاني قبل الميلاد؛ ويعد مؤسسها الفعلي أو الذي أضاف إليها الكثير، هيرودس الحاكم العربي الآدومي لولاية فلسطين الرومية، فلم يبن قلعة لكنه شيّد ثلاثة أبراج ضخمة لتحصين مدخل المدينة وخلد بهذه الأبراج زوجته وأخوه وصديقه المقرب، وما زال أحد هذه الأبراج شامخا حتى الآن والذي يعتقد أنه برج أخيه فصايل، وهو الذي اكتسب خطأ اسم برج داود.
ووفق الخبراء؛ لم يكن اختيار مكان القلعة اعتباطا، فالقدس المحصنة بموانع طبيعة من عدة جهات، تفتقر إلى ذلك في جهتها الشمالية الغربية لأنها منطقة مرتفعة ومشرفة على جميع نواحي المدينة.
نسب مزور
ويدحض إيهاب الجلاد الباحث في التاريخ والمتخصص في شؤون القدس، مزاعم الاحتلال حول القلعة، مشيرًا إن الاحتلال يطلق زوراً على قلعة القدس مسمى قلعة داود، كما أطلقوا اسم برج داود على برج فصايل المقام منذ زمن هيرودس، وعندما أثبتت الأبحاث الأثرية عدم وجود علاقة للبرج بداود نقل اسم برج داود إلى المئذنة التي بناها السلطان بن قلاوون.
ووفق الخبراء؛ فإن البناء الحالي للقلعة في غالبيته إسلامي يعود للفترة الأيوبية والمملوكية والعثمانية، إذ أن القلعة تعرضت بفعل الحروب والزلازل لأكثر من انهيار، فرممها المسلمون وأضافوا البناء عليها، حيث تعد المئذنة الواقعة في زاوية القلعة الجنوبية الغربية من أبرز الإضافات التي شيدت في عهد السلطان عبد الملك بن قلاوون عام 1310 ميلادية.
وتحتوي القلعة إضافة إلى الغرف التي كانت تستخدم مكاتب للقيادة أو سجونا، على مسجدين أحدهما صيفي يقع أسفل المئذنة لا يستخدم الآن، وآخر شتوي يقع في زاويتها الشرقية حوله الاحتلال إلى متحف، كما يحتوي سورها على تحصينات عسكرية كثيرة ككوة الرماية والمساقط والمغازل التي كان يستخدمها الجنود لإطلاق السهام أو إسقاط الزيت الحار على أعدائهم.
ملامح التهويد
وتضمنت أعمال التهويد الأخيرة العبث في القلعة القديمة، وتجديد الحديقة الأثرية، وإنشاء جناح مدخل جديد، ومتجر ومقهى، وتجديد البنية التحتية، والكشف عن حفريات أثرية إضافية وتحسين إمكانية الوصول في القلعة.
وربط الاحتلال القلعة بمدخل جديد من خارج أسوار القدس القديمة في باب الخليل – مسار جديد لزوار القلعة والمسجد، الذي يبدأ من جناح المدخل عند بوابة يافا – باب الخليل، ويمر عبر صالات العرض ونقطة المراقبة في البرج وينتهي عند مخرج البلدة القديمة.
وركزت أعمال التهويد على إقامة معرض دائم يضم 10 صالات عرض، تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والمعارض التفاعلية والخرائط التي تروج تاريخًا مزورا للمدينة وفق الرواية التوراتية الإسرائيلية. كما يسخر لذلك مجسمات وتماثيل وخرائط قديمة، وآثار وكذلك أضيف مقهى ومعرض لبيع المقتنيات التذكارية التي تحمل الرموز والشعارات الإسرائيلية، لمحاولة ترويج الرواية اليهودية لمدينة القدس.
شاهدان حضاريان
الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات أكدت أن تحويل قلعة القدس التي تقف شاهدة على التاريخ والحضارة العربية والإسلامية لمدينة القدس، إلى متحف للرواية اليهودية المزورة، يشكل اعتداءً همجياً على تاريخ المدينة المقدسة وحضارتها.
وقالت: إن قلعة القدس ومسجدها هما شاهدان تاريخيان وحضاريان على عروبة المدينة المقدسة، وأن تحويلهما إلى متحف توراتي وإلباسهما ثوباً يهودياً لا يعطي الاحتلال ولا روايته المزورة أي أحقية سياسية أو شرعية تاريخية في مدينة القدس، وستبقى القلعة عصية على التهويد، وستبقى على الدوام شاهدة على همجية الاحتلال وعدوانه المستمر على تاريخ المدينة المقدسة.
ودعت الهيئة منظمة اليونسكو إلى تحمل مسؤولياتها وعدم الوقوف موقف المتفرج إزاء ما تتعرض له مدينة القدس من عدوان على هويتها وتراثها التاريخي والحضاري الخاضع للحماية، واتخاذ إجراءات فعالة لوقف هذه الاعتداءات وحماية التراث الحضاري والثقافي للمدينة المقدسة.
جزء من الأوقاف والمعالم الإسلامية
وأدانت حركة حماس بأشد العبارات إقدام سلطات الاحتلال الصهيوني على تحويل قلعة القدس التاريخية إلى ما يسمى “متحف قلعة داوود”، وعدته إجراءً باطلاً، ليس له شرعية، ويأتي في سياق سعي الاحتلال المحموم لتغيير معالم وهوية القدس التي ستبقى عربية إسلامية.
وأكدت الحركة في تصريح صحفي أن قلعة القدس ومسجدها جزء لا يتجزأ من الأوقاف والمعالم التاريخية الإسلامية لمدينة القدس، وشاهد على عروبتها وإسلاميتها.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=142042