“مخيم الشاطئ” حارس غزة الغربي..حافظ على هوية فلسطين رغم الاحتلال

يعتبر مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة ثالث أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة، وهو أحد أهم المناطق الفلسطينية احتضانا للقيادات الفلسطينية.

وسمي بهذا الاسم “مخيم الشاطئ” لكونه يقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في مدينة غزة، وهو واحد من أكثر المخيمات اكتظاظا بالسكان في القطاع بل في العالم.

ويبعد المخيم بحسب المهندس نصر أحمد، رئيس اللجنة الشعبية للاجئين الفلسطينيين 4 كم عن وسط مدينة غزة، وأقيم المخيم في عام 1951م على مساحة 512 دونمًا لإيواء ما يقارب الـ23 ألف لاجئ كانوا يقيمون في ثلاثة مخيمات متفرقة داخل مدينة غزة، الأول كان يطلق عليه اسم مخيم حلزون أقيم غربي السرايا، والآخر مخيم الجميزات جنوبي مستشفى الشفاء، والثالث مخيم قرقش شمالي ملعب اليرموك، وهناك عدد من اللاجئين سكن في مناطق متفرقة في مدينة غزة في بيوت مستأجرة.

وقال أحمد لـ “عربي21”: “ضم المخيم اللاجئين المهجرين من القرى والمدن الساحلية الواقعة في جنوب فلسطين ووسطها والتي تتبع أقضية غزة وبئر السبع ويافا والقليل منهم من منطقة الشمال، ومن هذه القرى والمدن: هربيا، بربرة، برير، الجورة، دير سنيد، دمرة، الجية، جولس، والسوافير، المجدل، حمامة، أسدود البطاني، عبدس، سمسم، هوج، كرتية  المسمية ، يافا، اللد، الرملة الخصاص، ويبنة”.

وأضاف: “كانت بيوت المخيم عبارة عن وحدة مكونة من غرفة واحدة وفناء يحيط به سور مبنية من الحجر الإسمنتي ومسقوفة بالقرميد الإسمنتي على نظام بلوكات يفصل بينها شوارع واسعة بلغت 8 أمتار وأزقة ضيقة، وكانت تستخدم هذه الغرف للنوم ليلا ومطابخ وحمامات نهارا أما دورات المياه فكانت في الشوارع دورات مخصصة للنساء وأخرى للرجال وأما المياه فقد حفرت وكالة الغوث آبارا وضعت عليها مضخات لخدمة السكان، كما كان هناك حمام رئيسي يستحم فيه تلاميذ المدارس مرة في الأسبوع”.

وأشار إلى أنه مع تزايد عدد السكان والتطور بدأ اللاجئون في التوسع في البنيان الأفقي والرأسي وضم مساحات من الشوارع حتى أصبح العديد منها أزقة ضيقة لا تكاد تتسع لشخص واحد.

وأوضح أن المخيم يتميز بالاكتظاظ السكاني وضيق المساحة، حيث تُبنى المساكن بالقرب من بعضها البعض، وهناك نقص في المرافق الترفيهية والاجتماعية العامة.

وقال: “بعد الهجرة ورحلة الشتات عاش اللاجئون أولا في خيام وتلقوا مساعدات من منظمات إغاثة: مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومؤسسة الكويكرز، ثم وفرت الأونروا لاحقا مساكن مبنية بالطوب مسقوفة بالقرميد محل الخيام في أوائل الخمسينيات، ثم بدأ اللاجئون يتوسعون خلسة ويبنون غرفا إضافية ويستبدلون أسقف القرميد بأسقف من الأسبست في الستينيات. ويتم اليوم تشييد مساكن أسمنتية، يتألف بعضها من عدة طوابق”.

أشار إلى أنه بعد تصاعد المقاومة المسلحة انطلاقا من المخيم هدمت سلطات الاحتلال أكثر من 2263 غرفة في المخيم عام 1971م من أجل شق طرق بحجة توسيع المخيم، ولكن الهدف هو السيطرة على الثورة المسلحة في المخيم، وتم تهجير ساكنيها إلى العريش التي كانت محتلة آنذاك.

وأوضح أن عدد السكان تقلص مرة أخرى، بعد خروج الآلاف منهم للسكن في مشاريع التوطين مثل مشروع “الشيخ رضوان”، شرقي المخيم وكان الشرط الأساسي للحصول على منزل هو هدم منزل المخيم.

وقال أحمد: “تم إقامة مشروع الشيخ رضوان في شمال مدينة غزة من أجل تفريغ معسكر الشاطئ وإعادة إسكان اللاجئين الذين هدمت بيوتهم بواسطة سلطات الاحتلال الإسرائيلي وكان يقصد من هذا المشروع إعادة توطين اللاجئين وإنهاء قضيتهم كلاجئين”.

وبلغت مساحة المخيم بحسب احمد 747 دونما، بينما يبلغ تعداد سكانه أكثر من 100 ألف نسمة مسجلين داخل المخيم.

وعن حياة السكان قبل الهجرة قال أحمد: كانت حياة اللاجئين قبل الهجرة بسيطة ولديهم عادات وتقاليد متشابهة بين جميع القرى وتختلف قليلا في المدن حيث كانت الزيجات تتم في الغالب بين الأقارب في العائلة الواحدة والقليل بين العائلات في القرية الوحدة واقل منها بين القرى المختلفة، وكان الرجال يعملون في الحقول نهارا ويجلسون في المقاعد مساءً لحل الخلافات التي قد تنشأ أو للسمر على ضوء السراج، أما النساء فكن يعملن في البيوت لإعداد الطعام ويساعدن أزواجهن في الحقول في المواسم”.

وأضاف: “أما بعد الهجرة فلم تعد هناك حقول وانقلبت حياة اللاجئين عناء ومشقة وتغيرت العادات نظرا لاختلاط العائلات ومن مختلف القرى بعضها ببعض وابتعد الأقارب من العائلة الواحدة وتوزعوا بين مخيمات القطاع الثمانية وخارج القطاع، وأصبح التواصل بينهم فيه مشقة كبيرة ومعاناة خاصة في ظل شظف العيش، وكان هم رب الأسرة البحث عن لقمة العيش ليقيت أبناءه”.

وتابع: “بعد الهجرة والسكن في المخيمات بدأت المنظمات الدولية ومنظمة الكويكرز بإغاثة اللاجئين وتقديم المؤن لهم بصورة شهرية مما يقدم إليهم من تبرعات سواء من الدقيق أو الأرز او السكر أو التمور والعجوة والسمن، وبعد إقامة مخيم الشاطئ تم تنظيم هذه العملية بتوزيع المؤن من مركز رئيسي أقيم بجانب المخيم عبر كروت التموين التي ما زالت موجودة ولكنها تصرف للأسر الفقيرة جدا”.

وأوضح أن عددا من أبناء المخيم يعملون في التجارة والنقل وبعض المهن المحلية وهناك ما يزيد عن 600 شخص يعملون في السوق المركزية بالمخيم وحوالي 40 يعملون في السوق التجارية مقابل عيادة السويدي، وكذلك هناك أعداد من الباعة المتجولين، وأما المحلات التجارية الأخرى فتتوزع على مساحة المخيم.

وقال أحمد: “نظرا لوقوع المخيم على شاطئ البحر المتوسط ولجوء سكان القرى الساحلية المهجرة إليه والذي في معظمهم يعملون في مهنة الصيد مثل الجورة وحمامة ويافا شكل الصيد ما نسبته 30% من اقتصاد المخيم.

وأضاف: “اهتم اللاجئون في مخيم الشاطئ شأنهم شأن باقي المخيمات اهتماما كبيرا بالتعليم بعد أن طردوا وهجروا من أراضيهم وممتلكاتهم بقوة السلاح، مدركين أن التعليم أصبح رأس مالهم في هذه الحياة، فانخرطوا في مراحل التعليم المختلفة، حتى إنهم في البدايات افترشوا الأرض في فصول أقيمت بين الخيام وكان اللاجئ يقتطع من قوت يومه ليوفر لأولاده فرصة التعليم.

وأكد أن نسبة التعليم بين اللاجئين من أعلى النسب في العالم وأصبح منهم المدرس والمحامي والطبيب والمهندس والممرض وأساتذة الجامعات ورغم هذه النسبة العالية إلا أن الخريجين الذين أصبح عددهم بالآلاف يعانون من البطالة نتيجة ظروف الحصار المطبق على قطاع غزة.

وأشار إلى أنه يوجد في المخيم 30 مدرسة للمرحلتين الأساسية الدنيا والعليا، منوها إلى وجود 37 مدرسة أخرى تخدم اللاجئين خارج المخيم، مؤكدا أنه لا توجد أي مدرسة حكومية داخل المخيم.

وأكد الدكتور حسن أبو حشيس، أستاذ الصحافة في الجامعة الإسلامية بغزة واحد مواليد المخيم أن مخيم الشاطئ يتكون من شوارع عريضة رئيسة تربط شرقه بغربه، وشماله بجنوبه تتوزع منها اثنا عشر بلوكاً على النحو التالي: بلوكات (1،2،3،4) تمتد من وسط المخيم وحتى شاطئ البحر غرباً، وبلوكات (5،6) تقعان شمال المخيم، وبلوكات (7،8،9،10،11،12) تقع في وسط وشرق المخيم.

وقال أبو حشيش لـ “عربي21”: “ما زال مخيم الشاطئ شامخاً في إطلالته على بحر غزة، هذا البحر الشاهد على كل الأحداث، وعلى الامل المحفور في ذاكرة أجيال المخيم بالعودة إلى هناك حيث حلم الآباء والأجداد وتطلع الأبناء والأحفاد وسط أشجار البرتقال والزيتون والنخيل، وحيث العيش في عبق فواكه وخضروات فلسطين وبيادر القمح والذرة والشعير”.

وأضاف: “لتبق يا مخيم الشاطئ ألف سنة فالعودة إلى هناك قدر من أقدار الإله، يتسلح به ذوو الإرادات الصلبة والعاشقين للحق المبين”.

وأوضح أنه يحد المخيم من الغرب البحر المتوسط، ومن الشرق حيا النصر والرمال، ومن الشمال مشروع عامر ومنطقة التوام ومن الجنوب حي الميناء.

وأكد أبو حشيش على أن المخيم شهد بروز حركات مقاومة شعبية شرسة للاحتلال وذلك في مطلع عقد السبعينيات من القرن العشرين، ما أوقع عددا كبيرا من أبنائه شهداء، ونتيجة لذلك تعرض جزء منه إلى طوق ومنع تجوال واستمر فترة كبيرة مارس خلالها الاحتلال أبشع أنواع القمع والقهر والحصار وسياسة التركيع.

وقال: “تعرض مخيم الشاطئ إلى عمليتين استهدفتا تشتيت سكانه وإنهاء مقاومته، حيث هدمت قوات الاحتلال في مارس عام 1971م حوالي 2263 غرفة كانت تمثل بيوت السكان وذلك بحجه توسيع الشوارع، كما أنه تم إنشاء مشروع إسكان الشيخ رضوان شمال شرقي المخيم في نهاية عقد السبعينيات وعقد الثمانينيات تم ترحيل مئات الأهالي إليه، ورغم هاتين المحاولتين إلا أن الكثافة السكانية لسكان المخيم بقيت، وعدد سكانه في ازدياد مستمر”.

وأوضح أبو حشيش أن المخيم يضم عديد من المساجد أهمها: المسجد الغربي، المسجد الأبيض، مسجد الوحدة، مسجد عبدالله بن عمر(السوسي) مسجد خليل الرحمن، المسجد الشمالي، مسجد عباد الرحمن، مسجد شهداء الشاطئ.

وأشار إلى أنه يوجد في المخيم ناديين رياضيين من أقدم واعرق اندية محافظات غزة أهمها: نادي خدمات الشاطئ، ونادي الجمعية الإسلامية.

وأكد أن مؤسسة الجمعية الإسلامية تعتبر من أقدم وأوسع الجمعيات الخيرية التي تقدم خدمات للمخيم على الصعيد الاجتماعي والثقافي والرياضي والتعليمي، كما أنه يحتضن العديد المؤسسات الثقافية والتربوية.

ومن جهته أكد عماد عفانة، مدير مركز دراسات اللاجئين وأحد أبناء المخيم على أن المخيم لعب دورا مهما في مقاومة الاحتلال على مدار تاريخه وافرز عدد من القيادات الفلسطينية.

وقال عفانة لـ “عربي21”: “بعد الهجرة مباشرة كانت الصدمة سمة سكان المخيم لما تعرضوا له من تهجير ومجازر في قراهم التي هجروا منها”.

وأضاف: “بعدما امتص اللاجئون صدمة التهجير والمجازر بدأوا يعيشون حياتهم العادية وينظمون يومهم ليكون لهم فيما بعد دور مهم في قيادة المجتمع وحركات التحرر الوطني”.

وشدد على أن المخيم لعب دورا كبيرا في مقاومة الاحتلال في سبعينيات القرن الماضي وكذلك خلال انتفاضة الحجارة (1978- 1994)، حيث أن أول مبعد في الانتفاضة الحجارة كان من المخيم الدكتور خليل القوقا، وخلال انتفاضة الأقصى عام 2000م، ومنه خرجت أول عملية فدائية بحرية التي قادها الشهيد حمدي نصيو.

وأوضح أن المخيم كان مصنعا للقيادات الفلسطينية رفيعة المستوى من كافة الفصائل، أبرزها كان الشيخ الشهيد أحمد ياسين مؤسس حركة “حماس” والذي بدأ دعوته من المسجد الشمالي في المخيم الذي حمل لاحقا اسمه، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والشهيد إسماعيل أبو شنب، وعدد من قادة حماس السياسيين والعسكريين مثل: الشهيد صلاح شحادة، والشهيد عدنان الغول، والدكتور أحمد بحر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، والدكتور أحمد أبو حلبية.

وأشار إلى أن القادة الذين انجبهم المخيم من حركة فتح كثر ذكر منهم: عبد الفتاح حميد، سهيل عبيد، والشهيد رفيق السالمي، ومن الجبهة الشعبية وليد الغول، والشهيد محمد الأسود “جفارة غزة”، وكايد الغول عضو المكتب السياسي للجبهة.

وأكد أن مؤسس ألوية الناصر صلاح الدين كان من مخيم الشاطئ وهو الشهيد أبو يوسف القوقا، كما أن أول قائد لسرايا القدس الذراع العسكري للجهاد الإسلامي كان من المخيم وهو الشهيد محمود الخواجا الذي تنسب له دولة الاحتلال التخطيط لواحدة من كبرى العمليات الفدائية في تسعينات القرن الماضي وهي عملية “بيت ليد” الفدائية التي قتل فيها 25 جنديا إسرائيليا.

المصدر: عربي21