بقلم: د. عبدالله الشايجي
قام وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن قبل أسبوعين بزيارة رسمية هي الثانية له للمملكة العربية السعودية، والأولى للوزير بلينكن منذ نجاح وساطة الصين بين السعودية وإيران، وإنهاء حالة الحرب الباردة بين البلدين. حيث تفاجأت أمريكا بوساطة الصين ونجاحها. اجتمع بلينكن مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ما يجمع السعودية والولايات المتحدة الأمريكية الكثير كشركاء منذ ثمانية عقود، برغم التباين حول اتهامات أحداث سبتمبر 2001 وإنتاج الطاقة وقانون جاستا وأمن الطاقة والأمن الخليجي وبرنامج إيران النووي وحرب اليمن والحوثيين ـ وبرنامج السعودية النووي ـ واغتيال خاشقجي. كما يوجد تباين حول تشجيع إدارة بايدن غير الواقعي للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، برغم إفشال إسرائيل حل الدولتين بكل ما أوتيت من قوة. فيما أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الأمريكي: «التطبيع مع إسرائيل مفيد للمنطقة، لكن فائدته محدودة دون مسار للسلام ومعالجة القضية الفلسطينية أولاً». بينما كرر وزير الخارجية الأمريكي في المؤتمر الصحافي «ستلعب أمريكا دوراً مميزاً لتوسيع عملية التطبيع مع إسرائيل…وتكامل إسرائيل في الشرق الأوسط»!
إصرار إدارة بايدن على دمج إسرائيل والترويج لتوسيع التطبيع بين إسرائيل ودول عربية، هي عملية يائسة، نظراً لتطرف حكومة نتنياهو والقمع والتنكيل بالفلسطينيين والاستمرار بتوسيع وبناء بؤر الاستيطان السرطانية وغير الشرعية، ما يقوض حل الدولتين التي تبقى سياسة وهدف إدارة بايدن العاجزة عن إلزام إسرائيل وقف خروقاتها لتحقيق حل الدولتين!
كذلك تريد السعودية دعم إدارة بايدن في تطوير برنامجها النووي للأغراض السلمية دون قيود، وتطوير العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، بالتعاون الاقتصادي والأمني والطاقة، كركائز لرؤية السعودية 2030، بتقليص الاعتماد على عوائد النفط والطاقة واستثمار مليارات الدولارات بخطط طموحة لتطوير مختلف القطاعات لتنويع مصادر الدخل. كذلك تتشارك السعودية والولايات المتحدة للتوصل لهدنة في السودان التي يخرقها جنرالات الحرب. كما ترغب السعودية بدور أمريكي فعال لإنهاء الحرب في اليمن.
وكان ملفتاً البيان الختامي المشترك لوزير الخارجية بلينكن والأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي بعد اجتماعه مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وأمين عام المجلس، بالتأكيد على التزام الولايات المتحدة الأمريكية الدائم بأمن الشركاء الخليجيين. ودعم حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية ومرجعية قرارات مجلس الأمن والمبادرة العربية، وحق الفلسطينيين بالعودة. وعدم تطرق البيان الختامي المشترك للتطبيع مع إسرائيل، هو دليل على إخفاق مساعي إدارة بايدن وفشلة بلجم إسرائيل.
ورحب ودعم البيان إعادة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء بين السعودية وإيران بوساطة الصين». (على حساب الحليف الأمريكي وفي عقر منطقة نفوذه التاريخية) بعد قطع العلاقات بين البلدين لسبع سنوات. ولم يتطرق البيان المشترك لحرب روسيا على أوكرانيا ـ بل أكد على احترام ورفض العنف والتعدي على سيادة الحدود.
يبدو جلياً أن دول مجلس التعاون باتت تفكر خارج الصندوق وتسعى لتنويع وإشراك الحلفاء من القوى الكبرى(الصين وروسيا وحتى دول أوروبية) بترتيبات الأمن الخليجي. ولكن يعلم الجميع بما فيه قيادات دول المجلس وروسيا وأوروبا والصين، التي باتت الشريك التجاري الأول مع الدول الخليجية والعربية، محدودية قدرات الصين الأمنية والدفاعية، ومعها روسيا وعدم قدرتهم أو إرادتهم منافسة أمريكا في المستقبل المنظور في منطقة نفوذها وملء فراغ تراجعها.
في المقابل، شهدنا الصيف الماضي رفض السعودية طلب الرئيس بايدن زيادة انتاج النفط من السعودية، أكبر دولة مصدرة للنفط، لخفض أسعار النفط في سنة انتخابات حاسمة للكونغرس الأمريكي ـ وتوعد بايدن بإعادة تقييم العلاقة مع السعودية بعد زيادة انتاج النفط بدل خفضه عشية انتخابات الكونغرس في نوفمبر الماضي.
كذلك استضافت السعودية رئيس النظام السوري بشار الأسد في القمة العربية في مايو الماضي واستعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية برغم تحفظ الولايات المتحدة الأمريكية. وفي ضربة ذكية وجهت السعودية دعوة للرئيس الأوكراني زيلنسكي كضيف شرف من الدولة المضيفة للمشاركة في القمة العربية في جدة. وأعادت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع كندا، وانفتحت على إيران. وتوسطت للتوصل لهدنة في حرب جنرالات الحرب في السودان بين الجيش السوداني وقوات التدخل السريع. وأجلت البحرية السعودية آلاف السعوديين والعرب والأجانب من السودان بسفن حربية سعودية.
وحقق الاقتصاد السعودي أكبر نسبة نمو لدول مجموعة العشرين لأكبر اقتصاديات العالم بلغ 8.8 في المئة. ما رفع مجمل الناتج القومي السنوي السعودي ليتجاوز 4.4 مليار ريال متجاوزاً تريليون دولار عام 2022 ـ ما يعزز مكانة الاقتصاد السعودي ـ الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ونظراً إلى التباين المتصاعد، وإلى تراجع أولوية منطقة الخليج العربي عملياً في استراتيجية الولايات المتحدة، القوة العظمى الوحيدة في المنطقة. ومع تحول الصين للشريك التجاري الأول والمستورد الأول للطاقة الخليجية والمستثمر الأول في المنطقة بمشروع الصين العالمي ـ الحزام والطريق الواحد، الذي تعزز بالقمة السعودية ـ الخليجية ـ العربية الصينية بزيارة الرئيس الصيني للسعودية نهاية العام الماضي، فقد تغيرت الحسابات وزادت الندية.
بناءً على تلك الوقائع والإنجازات، تملك السعودية بالتعاون والتنسيق العسكري والأمني والدفاعي مع دول مجلس التعاون الخليجي القدرة والفرصة، خاصة بعد اكتمال المصالحة بتبادل السفراء بين الإمارات وقطر والبحرين وقطر، واستئناف الرحلات المدنية الجوية بين المنامة والدوحة مؤخراً، لتحمل أعباء قيادة النظامين الخليجي والعربي.
على أمل استثمار السعودية ودولنا الخليجية الإنجازات والتحالفات لتحقيق الرؤى الخليجية المتعددة لدولنا، وبلورة مشروع خليجي ـ عربي جامع يوازن ويردع القوى الإقليمية ويعزز التعامل بندية مع القوى الكبرى، ويحوّل منطقة الخليج العربي للتعددية القطبية مستقبلا لتعزيز حماية الأمن الخليجي والعربي ليعوض تراجع وانكفاء وربما نهاية الحقبة الأمريكية!.
المصدر: القدس العربي
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=142396