ثورة البراق..تعرّف على أول انتفاضة ضد تهويد القدس

توافق اليوم ذكرى “ثورة البراق”، أول انتفاضة فلسطينية على محاولة تهويد القدس في عهد الانتداب البريطاني، إذ اندلعت اشتباكات واسعة النطاق بين العرب واليهود عند حائط البراق (الحائط الغربي للمسجد الأقصى) يوم 15 أغسطس/آب 1929، وبلغت الثورة ذروتها في 23 أغسطس/آب 1929، بسقوط عشرات من القتلى والجرحى.

مقدمات الثورة

مع بدايات القرن الـ20 عمد الانتداب البريطاني إلى تغيير معالم القدس بهدف إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين عاصمته القدس استنادا إلى إعلان بلفور عام 1917.

وبعد نحو 10 سنوات من حكم بريطانيا، نظم الصهاينة مظاهرات كبيرة عند حائط البراق مدّعين أنه مكان خاص باليهود وحدهم، ففجّر ذلك أول ثورة للفلسطينيين على بريطانيا والحركة الصهيونية معا.

في 23 سبتمبر/أيلول 1928 قام بعض المصلين اليهود بوضع مقاعد وأدوات تتعلق بطقوسهم قرب حائط البراق بمناسبة ما يسمونه “الكيبور” أو “يوم الغفران”.

شكل هذا التصرف إخلالا بالوضع القائم في القدس، الذي يعود إلى العهد العثماني، ويأتي بعد محاولات صهيونية في السنوات السابقة لتوسيع حقوق اليهود في جوار الحائط ولشراء أبنية لصيقة به من الأوقاف الإسلامية.

يومئذ تدخلت الشرطة البريطانية واصطدمت بالمصلين اليهود عندما شرعت في إزالة المقاعد وأدوات أخرى.

وفي الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 1928، قدم وفد من الوجهاء المسلمين مذكرة إلى المندوب السامي بالوكالة هاري شارلز لوك، يطالبون فيها بألا يتخطى المصلون اليهود الحقوق التي كانوا يتمتعون بها في العهد العثماني.

وتحت ذريعة الاعتراض على تصرف الشرطة البريطانية، أطلق الصهاينة في فلسطين وخارجها العنان لاحتجاجهم من أجل تغيير الوضع القائم، فأثار ذلك خشية القادة الفلسطينيين من أن تكون نية الحركة الصهيونية السيطرة على منطقة الحرم الشريف وتشييد كنيس يطلّ على حائط البراق.

وفي الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1928، وبدعوة من المجلس الإسلامي الأعلى برئاسة محمد أمين الحسيني، عُقد مؤتمر خاص في القدس بمشاركة 800 شخصية إسلامية من فلسطين وسوريا ولبنان وشرق الأردن.

قرر المؤتمر حثّ المسلمين في كل مكان على إرسال العرائض لبريطانيا العظمى وعصبة الأمم بشأن حائط البراق والأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وأسفر المؤتمر أيضا عن تشكيل جمعية لحراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة.

وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1928 أعلن الكولونيل ليوبولد أمري، وزير الدولة لشؤون المستعمرات، “الكتاب الأبيض” الذي رأى أن التصرّف اليهودي عند حائط البراق في سبتمبر/أيلول يمثّل انتهاكا للوضع القائم، كما كان ساريا تحت الحكم العثماني، وتضمن الكتاب الأبيض تصريحًا بأن السلطات البريطانية تنوي الحفاظ على الوضع القائم.

وفي 27 ديسمبر/كانون الأول 1928 وجّه الحاج أمين الحسيني، بصفته رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، رسالة إلى حاكم مقاطعة القدس، يبيّن فيها أن المجلس “يرجو أن تقوم الحكومة عمليًّا بأسرع وقت بتنفيذ ما جاء في الكتاب الأبيض من وجوب المحافظة على الحالة الراهنة التي كانت في عهد الأتراك”.

أحداث الثورة

اندلعت ثورة البراق عندما نظم اليهود مظاهرة ضخمة عند حائط البراق في 14 أغسطس/آب 1929 بمناسبة ما سموه “ذكرى تدمير هيكل سليمان”، مدّعين أنه مكان خاص باليهود وحدهم.

وفي اليوم التالي 15 أغسطس/آب 1929، أتبعوها بمظاهرة ضخمة في شوارع القدس، حتى وصلوا إلى حائط البراق، وهناك راحوا يصيحون “الحائط لنا”، ويرددون “النشيد القومي الصهيوني” بالتزامن مع شتم المسلمين.

علمت الشرطة البريطانية بالمظاهرة سلفا، وأرسلت قوات كبيرة لمرافقة المتظاهرين اليهود.

وفي اليوم الثالث، الجمعة 16 أغسطس/آب، الذي وافق ذكرى المولد النبوي الشريف، توافد المسلمون للدفاع عن حائط البراق، إذ كان ينوي اليهود الاستيلاء عليه، فوقعت صدامات عنيفة بين الجانبين عمّت معظم فلسطين.

شهدت الثورة صدامات بين الفلسطينيين من جهة واليهود وقوات الانتداب من جهة أخرى في الخليل وصفد والقدس ويافا ومدن فلسطينية أخرى، واستمرت أياما.

أسفرت المواجهات عن مقتل 133 يهوديا وجرح 339 آخرين، في حين قتل 116 فلسطينيا وعربيا وجرح 232 آخرون.

بعد أن تمكنت بريطانيا من السيطرة على الموقف بقسوة، قدمت للمحاكمة ما يزيد على ألف من العرب والفلسطينيين وحُكم على 27 منهم بالإعدام، بينهم يهودي واحد كان شرطيا دخل على أسرة عربية في يافا مكونة من 7 أشخاص فقتلهم جميعا.

مرسوم بريطاني

وفي محاولة من بريطانيا لمنع تكرار ثورة أخرى على غرار ثورة البراق، أصدرت سلطة الانتداب في 25 أكتوبر/تشرين الأول 1929 مرسوما أطلقت عليه “قانون العقوبات (جرائم إثارة الفتنة)”.