الإفطار في الأقصى.. طريقة مقاومة تُجسد ارتباط الفلسطينيين بمسجدهم

“الكعك، الحمص، الزيت، الزيتون، اللبنة، والفلافل”.. مأكولات شعبية تُزين صباح كل يوم موائد الإفطار في باحات المسجد الأقصى المبارك؛ لتحوّل الوجبة الصباحية من مجرّد غذاء إلى طريقة مقاومة تهدف إلى إعمار المسجد بالمصلين.

ووسط أجواء عامرة بالفرح والسعادة، تبدأ عائلات مقدسية مع بزوغ فجر كل يوم، بتحضير موائد إفطار المصلين والمرابطين داخل المسجد الأقصى، رُغم قيود الاحتلال الإسرائيلي المشددة، والتي يفرضها على إدخال الطعام للمسجد.

ومنذ سنوات طويلة، لم يتوانَ المقدسيون رجالًا ونساءً وأطفالًا، عن سقاية وإعداد وجبات الطعام لكل الوافدين إلى الأقصى ورواده، بل يُولون اهتمامًا خاصًا بهذه العادة التي يتوارثونها عن أجدادهم وآبائهم جيلًا بعد جيل.

شعور لا يوصف

المسن المقدسي “أبو إسماعيل” من القدس القديمة، واحد من هؤلاء المقدسيين الذين لم ينقطعوا منذ 40 عامًا عن خدمة المصلين والوافدين للمسجد الأقصى، وتجهيز وجبات الإفطار في ساحاته.

يقول “أبو إسماعيل”، في حديث لوكالة “صفا”: “إنني أشعر بالراحة والسعادة، كوني أخدم الأقصى، والوافدين إليه، عبر إعداد موائد الإفطار، لأن هذا العمل يمثل فخرًا وشرفًا لي”.

ويوضح أن موائد الإفطار في باحات الأقصى تهدف إلى إعماره بالمصلين والمرابطين بشكل دائم، وخاصة ما بعد صلاة الفجر، وفي أوقات اقتحامات المستوطنين المتطرفين للمسجد، من أجل حمايته والدفاع عنه.

ويضيف “قبل آذان الفجر بساعة أحضر إلى المسجد الأقصى، وأصلى ركعتي السنة، ومن ثم أبدأ بإعداد سلطة الخضار، وبعد الصلاة أبدأ بمساعدة من يقومون بوضع الطعام على مفارش خاصة يفرشونها على عدة مصاطب، لأجل خدمة المصلين، وتوفير النظام والراحة لهم”.

ويشعر “أبو إسماعيل” بالحزن والألم الشديد حين يُبعده المرض الشديد، أو إغلاق المسجد، أو أداءه العمرة في بعض الأحيان عن خدمة المصلين داخل الأقصى.

ويقول: “لم أنقطع منذ 40 عامًا عن المسجد الأقصى وخدمة رواده، إلا في حالات نادرة، كما ذكرت سابقًا، لأن الرباط بهذا المكان المقدس يشكل أهمية ومكانة خاصة، لأجل نيل الثواب والأجر العظيم”.

وتتناوب العائلات المقدسية يوميًا على تحضير الطعام للمصلين والوافدين للمسجد، بعضها يبدأ بإعداد الخبز قبل الفجر بعدة ساعات، والبعض الآخر يُحضر المأكولات، ويتم توزيعها على عدة موائد تُزين ساحات الأقصى، وهناك من يقومون بتنظيف المكان بعد الانتهاء من الإفطار.

ومن يتجول في ساحات الأقصى قبل صلاة فجر كل يوم، يجد القهوة والشاي والزنجيل، وغيرها من المشروبات الساخنة على باب المصلي القبلي من الخارج، لتوزيعها على المصلين والمرابطين فيه.

وتتجلى موائد الإفطار عبر حلقات منفصلة تتمركز ما بين المصلى القبلي وقبة الصخرة المشرفة، نظرًا لأهمية هذا المكان وسهولة تجمع المصلين والمرابطين فيه.

صمود وثبات

ويعبر المقدسي “أبو محمد” من حي وادي الجوز، عن فرحته وسعادته في إعداد طعام الإفطار في ساحات الأقصى يوميًا، قائلًا: إن “تحضير الطعام والإفطار داخل المسجد له رونق خاص، وشعور لا يُوصف، فهو يُجسد ارتباطنا الوثيق بهذا المكان، رُغم إجراءات الاحتلال ومضايقاته المستمرة”.

ويضيف أن “عائلته تحرص منذ سنوات طويلة، على تجهيز طعام الإفطار داخل الأقصى، وتوزيعه على موائد مقابل مصلى الجنائز، بعد شراء المأكولات على نفقتها الخاصة، بغية خدمة الوافدين للمسجد”.

ويعد الإفطار بالأقصى- كما يؤكد في حديثه لوكالة “صفا”- أحد أبرز وسائل الصمود والثبات في مدينة القدس، ومقاومة مخططات الاحتلال الرامية إلى تفريغه من المصلين والمرابطين.

ويتابع أن “هذا العمل الجميل يُجسد أيضًا، مسؤولياتنا وواجبنا تجاه المسجد الأقصى ووجوب الحفاظ عليه وحمايته، باعتباره جزء من عقيدتنا وديننا”.

ويشير إلى أن الاحتلال لا يتوقف عن فرض قيوده وإجراءاته حتى على إدخال الطعام للأقصى، ما يضطرنا لإدخاله على عدة مراحل وتوزيعه على أفراد العائلة.

واضطر المقدسيون القائمون على الإفطار في الأقصى للحديث مع وكالة “صفا” بكُناهم وليس بأسمائهم؛ خوفًا من ملاحقة الاحتلال لهم، ومنعهم من دخول المسجد.

ودائمًا ما يحرص المقدسيون بشتى الوسائل على تعزيز تواجدهم ورباطهم الدائم داخل المسجد الأقصى، لحمايته والدفاع عنه من اعتداءات الاحتلال واقتحامات المستوطنين اليومية.

المصدر: صفا