مونديال القوى يدق ناقوس الخطر مجددا في ألعاب القوى المغربية

رغم ظهور 43 دولة، بخلاف رياضيي روسيا، في جدول ميداليات بطولة العالم السابعة عشرة لألعاب القوى، التي أسدل عليها الستار يوم الأحد الماضي بالعاصمة القطرية الدوحة، واصلت ألعاب القوى العربية حضورها الضعيف حيث ظهرت أربعة بلدان عربية فقط في جدول ميداليات هذه النسخة.

ومن بين 149 ميدالية وزعت خلال هذه النسخة من البطولة، كانت الحصيلة العربية قاصرة على سبع ميداليات فقط، وهي حصيلة هزيلة للغاية مقارنة بعدد البلدان العربية لا سيما مع ظهور بلدان أقل في الإمكانيات والتعداد السكاني ضمن جدول الفائزين بالميداليات في هذه الدورة.

وحفظت بعثات البحرين وقطر والجزائر والمغرب ماء وجه ألعاب القوى العربية في هذه النسخة من بطولات العالم، حيث توجت البحرين بثلاث ميداليات منها ميدالية واحدة من كل نوع، بينما توجت قطر مشاركتها بذهبية واحدة وبرونزية واحدة، واقتصر رصيد الجزائر على فضية واحدة والمغرب على برونزية واحدة.

ولكن الحصيلة العربية الهزيلة التي أنقذتها ميداليات قطر والبحرين، لم تكن هي الشيء اللافت للنظر رغم غياب العديد من الدول العربية عن جدول الميداليات، وإنما كان الأكثر جذبا للاهتمام وإثارة للدهشة هو استمرار تراجع ألعاب القوى المغربية رغم تاريخها العريق.

وعلى مدار جميع بطولات العالم لألعاب القوى، كانت البعثات المغربية هي الأكثر نجاحا بفضل عدة أسماء بارزة ومضيئة في أم الألعاب مثل سعيد عويطة وهشام القروج ونوال المتوكل.

ويحتل المغرب المركز التاسع عشر في جدول ميداليات بطولات العالم لألعاب القوى على مدار التاريخ وذلك برصيد 30 ميدالية متنوعة، منها عشر ذهبيات و12 فضية وثماني برونزيات، علما بأن أقرب الدول العربية إليها في جدول الميداليات هي البحرين برصيد 13 ميدالية فقط منها سبع ذهبيات وثلاث فضيات ومثلها من البرونز.

ومنذ عقود، ظلت ألعاب القوى المغربية هي الأكثر ترشيحا على مستوى ألعاب القوى العربية لجذب الانتباه وحصد الميداليات وتحقيق النتائج المميزة في محافل ألعاب القوى الدولية، قبل دخول البحرين وقطر في السنوات الماضية ضمن المرشحين بقوة لحصد الميداليات في هذه المحافل.

ومرة أخرى، أثارت ألعاب القوى المغربية الجدل من خلال نتائجها في مونديال القوى حيث اقتصرت حصيلتها على الميدالية البرونزية التي أحرزها سفيان البقالي في سباق 3000 متر موانع.

وكانت أبرز الأسباب وراء هذا الجدل أن ألعاب القوى المغربية لا تفتقر للمواهب أو الإمكانيات التي تمنحها الفرصة لاستعادة النجاح في محافل ألعاب القوى الدولية، ولكن المشكلة قد تكون في الإدارة الفنية، وهو ما سبق للعداءة مليكة عقاوي أن أشارت إليه بعد خروجها من الدور قبل النهائي لسباق 1500 متر.

وألمحت عقاوي إلى وجود مشاكل على مستوى الإدارة الفنية وأنها كانت تعتزم التركيز على سباق 800 متر في مونديال القوى بالدوحة، لكنها فشلت في الوصول لنهائي السباق لتخوض سباق 1500 متر وسط ضغوط لم تساعدها على النجاح في هذا السباق أيضا.

وأكد عبد الرحيم إيشي الناقد الرياضي بصحيفة “لوماتان” المغربية، في تصريحات: “ميدالية واحدة ليست كافية بالطبع لألعاب القوى المغربية في ظل التاريخ الكبير للقوى المغربية التي كانت لديها الريادة لفترة طويلة خاصة في السباقات في المسافات المتوسطة. البقالي حفظ ماء الوجه أفضل من الخروج صفر اليدين”.

وأوضح: “كنا نتوقع قبل البطولة أنه على أفضل تقدير، ستكون الحصيلة ميدالية واحدة وعن طريق البقالي لأنه الأفضل من بين أفراد البعثة”.

وعن الأسباب وراء هذا، قال إن هناك دولا لم تكن على خريطة القوى العالمية ولكنها أصبحت من المنافسين بقوة في المحافل الدولية لأنها عرفت كيفية صناعة البطل، بينما يفتقد المغرب حاليا للمنهج العلمي المطلوب لصناعة البطل لأن تخريج الأبطال لم يعد قاصرا على بزوغ المواهب وإنما أصبح الأمر متوقفا بشكل كبير على كيفية صناعة البطل من خلال هذا المنهج العلمي”.

وأشار إيشي إلى أن “الدليل على افتقاد المنهج العلمي هو أن عدائي المغرب يشاركون في العديد من الملتقيات الدولية على مدار العام حتى يصلون إلى بطولة العالم وهم منهكون لعدم وجود برنامج موضوع لهم بطريقة علمية، وهي مسؤولية الإدارة الفنية التي يتعين عليها تحت إشراف الاتحاد المغربي لألعاب القوى منع العدائين والعداءات من المشاركة العشوائية في البطولات والملتقيات وألا يفعل كل رياضي ما يريده دون ضوابط. وظهرت النتيجة واضحة في مونديال القوى بالدوحة“.

وعن طريقة العلاج والخروج من الأزمة، قال إيشي: “المغرب الآن يحتاج إلى استيراد الطاقات والخبرات من الخارج لاستعادة الريادة في عالم القوى نظرا لفشل كل هذه التجارب منذ 2008، حيث لا توجد العناصر البشرية الكافية للإشراف التدريبي والبدني والنفسي على تكوين العناصر الجديدة وصناعة الأبطال”.

وأشار إيشي إلى أن “العديد من البلدان مثل أوغندا وضعت لنفسها برامج طموحة لصناعة الأبطال وأثمرت هذه البرامج، وستتضاعف ثمارها في السنوات المقبلة بينما لا تزال بلدان مثل المغرب تلجأ لإعداد رياضييها في اللحظة الأخيرة”.

وشارك المغرب في مونديال القوى بالدوحة بـ13 رياضيا وأربع رياضيات ولكن البقالي هو فقط من الرياضيين الذي نجح في الفوز بميدالية.

كما كان الوصول للدور النهائي في السباقات من نصيب البقالي فقط في سباق 3000 متر موانع ورباب عرافي التي بلغت النهائي في سباقي 800 متر و1500 متر.

وعما إذا كان ما حدث في هذه البطولة فرصة للتصحيح قبل الأولمبياد، قال إيشي إن التصحيح مطلوب ولكن الوقت ليس كافيا لهذا التصحيح قبل الأولمبياد، ولكن هناك جيلا صاعدا من العدائين يمكن إعدادهم ومنحهم الفرصة مع إقصاء عدد من العدائين ليس لديهم القدرة على تحقيق الطموحات.

وأشار: “لدينا في المغرب 98 عداء كانت نتائجهم تؤهلهم للمشاركة في مونديال القوى بالدوحة لكنهم لم يحضروا إلى هنا، بينما كان بين الحاضرين في البطولة أسماء ليست لديها القدرة على المنافسة الفعلية وذلك لأن اللوائح لا تمنح الدولة فرصة المشاركة بأكثر من ثلاثة أفراد في كل سباق”.

ونفى إيشي أن يكون لاتباع بعض الدول سواء عربيا أو عالميا لمبدأ التجنيس وانتقال عدد من الرياضيين المغاربة للعب باسم دول مختلفة دور كبير في هذا التراجع الواضح للقوى المغربية، مشيرا إلى أن “المغرب لديه وفرة من المواد الخام لألعاب القوى، حيث تتوافر المواهب ويمكن تعويض هؤلاء الرياضيين المنتقلين لبلدان أخرى ولكن هذا يحتاج إلى إدارة فنية أفضل وخبرات تدريبية أكفأ”.

واتفق مع إيشي في هذا مواطنه صلاح الدين محسن الناقد الرياضي بصحيفة “الصباح” المغربية حين قال إن “التجنيس ليس الخصم الذي تواجهه ألعاب القوى المغربية والدليل أن معظم الرياضيين المغاربة الذين جرى تجنيسهم لدى دول أخرى لم يحققوا نتائج لافتة بشكل كبير”.

وقال محسن: “ما حدث في مونديال الدوحة حلقة جديدة في مسلسل الإخفاق لأن الحصول على ميدالية واحدة أو عدم الحصول على أي ميداليات تكرر في المشاركات المغربية بالمحافل الدولية على مدار السنوات الماضية… لا أصف هذا تراجعا ولكنني أرى أن ألعاب القوى المغربية تعيش مرحلة من التغيير الكبير، سواء على مستوى العدائين أو الأسلوب الإداري، فالاتحاد المغربي يسعى لإعادة ألعاب القوى المغربية لسابق عهدها”.

وأضاف: “أعتقد أن الخلل يكمن في الإدارة الفنية للفريق، وأعتقد أن المسؤولين بالاتحاد المغربي وضعوا أيديهم على مكمن الخلل بعد مونديال القوى بالدوحة وأتمنى أن يضعوا إستراتيجية لتصحيح الوضع وتدارك الموقف قبل أولمبياد طوكيو”.

وأشار إلى أن “المغرب لديه القدرة على هذا ولكنه يحتاج لاتباع المنهج العلمي مثل بلدان عدة بدأت في السطوع من خلال العلم”.

وأوضح محسن أنه “يحسب للمسؤولين الحاليين بالاتحاد المغربي أنهم نجحوا بالخروج بألعاب القوى المغربية من مشكلة المنشطات التي حاصرتها قبل سنوات ونجحوا في تخليصها من هذا الاتهام، علما بأن الرياضيين المغاربة كانوا في السنوات الأخيرة من أكثر الرياضيين خضوعا للمنشطات وربما كان في هذا تأثير سلبي على استعداداتهم للبطولات لا سيما نظرا لخضوعهم دائما للمراقبة”.

وأشار إلى أن الاتحاد المغربي أصبح لديه برنامج وطني لمكافحة المنشطات.

وسيكون التحدي القادم للقوى المغربية هو أولمبياد 2020 في طوكيو، لكن التحدي الأكبر هو كيفية صناعة الأبطال في السنوات المقبلة للعودة بقوة إلى منصات التتويج.

المصدر: د ب أ