بعد أن خسر الأهالي في مخيم “اليرموك” بدمشق كل ما يملكونه بسبب الحرب؛ وما تلاها من عمليات “تعفيش” ممنهجة، وبتواطؤ جهات متنفذة في محافظة دمشق، وكذلك الحواجز المنتشرة؛ بات القلق والغموض يكتنف مصير ما يخص الأهالي، ولكن هذه المرة بما هو “تحت الأرض”، وتحديدا في مقبرة المخيم.
يأتي ذلك؛ بعد قرار نقل مسؤولية المقبرة من “منظمة التحرير الفلسطينية” إلى محافظة دمشق، وفق ما أعلنه مندوب دائرة العلاقات العربية في المنظمة، والموكل بتسهيل عمليات الدفن في مقبرة مخيم “اليرموك”، بداية الشهر الماضي، بأن المسؤولية باتت من اختصاص مكتب دفن الموتى التابع لمحافظة دمشق.
ما يعطي المحافظة الحق في التصرف في أي قبر لا يعرف صاحبه؛ وبيعه لأي شخص آخر، حتى ولو كان من خارج المخيم، بحسب ناشطين.
يقول اللاجئ الفلسطيني “عبد المجيد” والذي انتقل إلى ضاحية “قدسيا” بريف دمشق: مع بداية حصار مخيم “اليرموك”، لم يعد يميز مكان قبري والده وشقيقه في المخيم، بعد الدمار والتخريب الذي طال المقبرة، خاصة بعد تكسير وإزالة جميع الشواهد، في الفترة التي سيطر فيها تنظيم “داعش” على المخيم.
وعبر عبد المجيد في حديثه لـ”قدس برس” عن خشيته من أن تستحوذ محافظة دمشق على القبرين، قبل أن يتمكن من معرفة مكانيهما، وإثبات ملكيته لهما.
بدوره أوضح الناشط الفلسطيني إيهاب أبو المجد، أن محافظة دمشق تقوم حاليا بترقيم جميع القبور، ويمكن لأي شخص أن يتوجه لمبنى البلدية، ويقول لموظف الديوان أن القبر رقم كذا لعائلتنا، فتقوم البلدية بإرسال موظف لمقارنة مكان القبر بمخطط معداً مسبقا للمقبرة،
وأشار في حديثه لـ”قدس برس” أنه ومنذ عام 2011، لا يوجد مخطط للقبور الجديدة منذ ذلك التاريخ، وأصحاب هذه القبور هم المعرضون بشكل أكبر بخسارتها؛ في حال لم يتمكنوا من إثبات ملكيتهم لها.
ونوه أبو المجد إلى أن مقبرة المخيم القديمة، والتي تعرف بمقبرة “الشهداء” ممتلئة عن آخرها، ولم يعد فيها أماكن لقبور جديدة.
وأضاف، يلجأ الناس ممن تمكنوا من تحديد أماكن قبور ذويهم، إلى إعادة فتحها، خاصة القديمة منها، ودفن أموات جدد فيها،
إلا أن الإشكالية التي يقع فيها الكثير من أبناء المخيم الذين تاهوا عن أماكن قبور ذويهم، حيث ستستحوذ عليها المحافظة.
وأوضح أنه في حال أراد هؤلاء دفن أحد أقاربهم مستقبلا، فعليه أن يشتري قبرا قديما في مقبرة المخيم، قد يكون له، لكنه لم يتمكن من إثبات ملكيته له.
وأضاف، رغم إنشاء مقبرة جديدة على مشارف حي “الحجر الأسود” وبمساحة دونمين، إلا أن عمليات الدفن بها متوقفة لأسباب غير مفهومة، وبالتالي سيضطر أهالي المخيم إلى دفن أمواتهم في أحياء دمشق المجاورة.
ولفت إلى أن الإشكالية الأكبر بالنسبة لأهالي المخيم؛ هي في الأسعار التي قد تفرضها المحافظة على القبور، فحتى الآن ليس واضحا إن كانت ستتعامل مع أهالي المخيم بنفس الطريقة التي كانت سابقا؛ عندما كانت “منظمة التحرير الفلسطينية” هي المسؤولة عن المقبرة.
وأشار إلى أن سعر القبر آنذاك كان لا يتجاوز ال 1400 ليرة سورية (0.14 دولار)، أما أسعار القبور وفق محافظة دمشق تبدأ من 10 مليون ليرة (1000 دولار) وما فوق، وهو ما يشكل تحديا جديدا لأهالي المخيم، الذين بالكاد يستطيعون تأمين لقمة العيش.
وتضم مقبرة المخيم والمعروفة بـ”تربة الشهداء” عددا من رموز الثورة والقيادات الفلسطينية، كأبي جهاد الوزير (من مؤسسي حركة فتح واغتيل عام 1988)، وزهير محسن، وعلي الخربوط، ومفلح السالم، ومحمد عباس، بالإضافة لقبر رمزي للشهيدة دلال مغربي (مناضلة فلسطينية استشهدت عام 1978).
كما شهدت المقبرة عام 2021 نشاطا روسيا، في مهمة البحث عن رفات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، والذي يعتقد أن السلطات السورية دفنته فيها بعد إعدامه.
المصدر: قدس برس
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=143046