اليتيم.. بين الكفالة الشرعية والجمعيات الخيرية

مجموعة من الأسئلة تدور بخلد فاعل الخير الذي يريد التقرب إلى ربه من خلال كفالة يتيم أو حتى مساعدته، مثل: ما فضل كافل اليتيم؟ وبم تكون كفالته؟ وهل يجوز اشتراك مجموعة من الأصدقاء في كفالة يتيم واحد؟ وهل الكفالة من خلال الجمعيات الأهلية جائزة؟
يجيب الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة، أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين عن هذه التساؤلات، مشيرًا إلى أن كفالة اليتيم قربة من أعظم القربات، وأنها يجب أن تكون على حسب مستوى المعيشة في البلد الذي يعيش فيه اليتيم، وكفالته تكون بتوفير الحاجات الأصلية من مأكل وملبس ومسكن وتعليم؛ بحيث لا يشعر بفرق بينه وبين أقرانه، ومن يدفع المال للجمعيات الخيرية التي تعنى بالأيتام يعتبر حقيقة كافلا لليتيم.
فضل كفالة اليتيم
ويتحدث د.عفانة عن فضل كفالة اليتيم قائلا: إنها من أعظم أبواب الخير التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، فقد قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (البقرة: 215).
ويضيف: لقد وردت أحاديث كثيرة في فضل كفالة اليتيم والإحسان إليه، منها: عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى اللهعليه وسلم-: “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما” (رواه البخاري).
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: “أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رجلٌ يشكو قسوة قلبه؟ قال: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك”. (رواه الطبراني، وقال الألباني: حسن لغيره. انظر صحيح الترغيب والترهيب، 2/676.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال: وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم لا يفطر”. (رواه البخاري ومسلم). وغير ذلك من الأحاديث.
كيفية الكفالة
وعن الكيفية التي تتم بها كفالة اليتيم يقول د.عفانة: “كفالة اليتيم تكون بضمه إلى حِجْر كافله أي إلى أسرته، فينفق عليه، ويقوم على تربيته وتأديبه حتى يبلغ؛ لأنه لا يتم بعد الاحتلام والبلوغ، وهذه الكفالة هي أعلى درجات كفالة اليتيم؛ حيث إن الكافل يعامل اليتيم معاملة أولاده في الإنفاق والإحسان والتربية وغير ذلك.
ويتابع: هذه الكفالة كانت الغالبة في عصر الصحابة، كما تبين لي من استقراء الأحاديث الواردة في كفالة الأيتام، فالصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يضمون الأيتام إلى أسرهم. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن”. قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أمرنا بالصدقة فأْتِه فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني، وإلا صرفتها إلى غيركم. قالت: فقال لي عبد الله: بل ائتيه أنت، قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاجتي حاجتها. قالت: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد ألقيت عليه المهابة، قالت: فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك: أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما، ولا تخبره من نحن. قالت: فدخل بلال على رسولالله -صلى الله عليه وسلم- فسأله، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار، وزينب. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لهما أجران؛ أجر القرابة وأجر الصدقة” (رواه البخاري ومسلم).
والشاهد في الحديث: “وعلى أيتام في حجورهما”.
كفالة الجمعيات الخيرية
وحول الكفالة من خلال الجمعيات الخيرية التي ترعى الأيتام، يقول الدكتور عفانة: وتكون كفالة اليتيم أيضًا بالإنفاق عليه مع عدم ضمه إلى الكافل، كما هو حال كثير من أهل الخير الذين يدفعون مبلغًا من المال لكفالة يتيم يعيش في جمعية خيرية أو يعيش مع أمه أو نحو ذلك، فهذه الكفالة أدنى درجة من الأولى، ومن يدفع المال للجمعيات الخيرية التي تعنى بالأيتام يعتبر حقيقة كافلا لليتيم، وهو داخل -إن شاء الله تعالى- في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا”.
وينهي بالقول: “وكفالة اليتيم المالية تقدر حسب مستوى المعيشة في بلد اليتيم المكفول، بحيث تشمل حاجات اليتيم الأساسية دون الكمالية، فينبغي أن يتوفر لليتيم المأكل والمشرب والملبس والمسكن والتعليم، بحيث يعيش اليتيم حياة كريمة، ولا يشعر بفرق بينه وبين أقرانه ممن ليسوا بأيتام، ولا بأس أن يشارك أكثر من شخص في كفالة اليتيم الواحد”.