تعتبر فريضة الزكاة عبادة من أَهم عبادات الإسلام. وقد جمعها القرآن مع الصلاة في ثمان وعشرين آية. كما أنها تؤدي إلى تحقيق أهداف نبيلة متعددة، وفي جوانب متباعدة من حياة الفرد والمجتمع؛ فهي عبادة يؤديها المسلم ابتغاء مرضاة ربه. ويخلص بها نيته لتكون مقبولة عند الله؛ فيتحقق فيها الهدف الرئيسي لاستخلاف الإنسان في الأرض. ويتحقق بها أَيضا جملة أهداف تصب في تأكيد قيم التراحم والتكافل بين أبناء المجتمع المسلم. كل هذه المعطيات تدعونا لطرح هذا التساؤل: ما العقوبات التي تنتظر مانع الزكاة في شريعة الإسلام؟.
الدكتور يوسف القرضاوي تصدى للإجابة على التساؤل السابق في فتوى خاصة، حدد فيها ثلاثة أنواع من العقوبات التي تقع على مانع الزكاة: الأولى عقوبة أخروية، والثانية عقوبة دنيوية، والثالثة شرعية قانونية يقررها الحاكم أو ولي الأمر.
العقوبة الأخروية
يتحدث الدكتور القرضاوي في البداية عن العقوبة الأخروية لمانع الزكاة قائلا: روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من آتاه الله مالا فلم يؤدِّ زكاته، مُثِّل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان، يُطَوِّقُه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه -يعني بشدقيه- ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا النبي -صلى الله عليه وسلم- الآية: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}(آل عمران: 180). ويقصد بالشجاع: الحية الذَّكَر، والأقرع: الذي لا شَعْر له؛ لكثرة سمه، وطول عمره. والزبيبتان: نقطتان سوداوان فوق العينين، وهو أخبث الحيات.
ويتابع: وروى مسلم عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا جُعلت له يوم القيامة صفائح، ثم أُحْمِيَ عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله؛ إما إلى الجنة وإما إلى النار. وما من صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أُتِيَ بها يوم القيامة تطؤه بأظلافها، وتنطحه بقرونها، كلما مضى عليه أخراها رُدَّت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار”.
مصنع الصفا مشروع إستراتيجي عمل على تحريك عجلة الاقتصاد الفلسطيني، بدءا باستصلاح الأراضي وزراعتها، حتى إنشاء المزارع عليها وعن العقوبة الدنيوية لمانع الزكاة يقول الدكتور القرضاوي: لم تقف السنة عند حد الوعيد بالعذاب الأخروي لمن يمنع الزكاة؛ بل هددت بالعقوبة الدنيوية -الشرعية والقدرية- كل من يبخل بحق الله وحق الفقير في ماله. وفي العقوبة القدرية -التي يتولاها القدر الأعلى- يقول عليه الصلاة والسلام: “ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين” (رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات).
وفي حديث ثان: “ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا” (رواه ابن ماجة والبزار والبيهقي واللفظ له).
وحديث ابن عمر: “ما خالطت الصدقة -أو قال الزكاة- مالا إلا أفسدته”.
ويضيف: إن هذا الحديث يتحمل معنيين كما قال المنذري، أما عن الأول فهو أن الصدقة -بمعنى الزكاة- ما تركت في مال ولم تخرج منه إلا كانت سببا في هلاكه وفساده. ويشهد لهذا المعنى ما روي في حديث آخر: “ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة” (قال في مجمع الزوائد [3/93]: رواه الطبراني في الأوسط).
والمعني الثاني هو أن الرجل يأخذ الزكاة وهو غني عنها، فيضعها مع ماله، فيهلكه، وبهذا فسره الإمام أحمد.
العقوبة الشرعية
وحول العقوبة الشرعية القانونية التي يتعرض لها مانع الزكاة يقول الدكتور القرضاوي: العقوبة الشرعية يتولاها الحاكم أو ولي الأمر، وفي هذا جاء قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “من أعطاها مؤتجرا فله أجره، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منها شيء” (رواه أحمد والنسائي وأبو داود).
ويتابع: لقد تضمن هذا الحديث الكريم جملة مبادئ مهمة في باب الزكاة، أولها أن الأصل في الزكاة أن يعطيها العبد طالبا الأجر، ومحتسبا الثواب عند الله تعالى؛ لأنه يتعبد لله بأدائها، فمن فعل ذلك فله أجره ومثوبته عند ربه.
وثاني هذه المبادئ هو أن من غلب عليه الشح وحب الدنيا ومنع الزكاة لم يترك وشأنه، بل تؤخذ منه قهرا بسلطان الشرع وقوه الدولة، وزيد على ذلك فعوقب بأخذ نصف ماله تعزيرا وتأديبا لمن كتم حق الله في ماله، وردعا لغيره أن يسلك سبيله، وقد قيل: إن هذا كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ (المجموع: 5/332). ورد عليه النووي، لكن لا دليل على النسخ، ولا يثبت بالاحتمال، والذي أراه: أن هذه عقوبة مفوضة إلى تقدير الإمام، ينفذها حيث يرى تمادي الناس في منع الزكاة، ولم يجد سبيلا لزجرهم غير هذا.
وعن ثالث المبادئ يقول القرضاوي: إن هذا التشديد في أمر الزكاة إنما هو لرعاية حق الفقراء والمستحقين الذين فرض الله لهم الزكاة، وأما النبي -صلى الله عليه وسلم- وآله فليس لهم نصيب في هذه الزكاة ولا يحل لهم منها شيء. على خلاف ما عرف في الصدقات عند اليهود؛ حيث كان عُشرها مخصصا لآل هارون (اللاويين) الذين كانوا كهَّانا بالنسل والوراثة، وكان جزء آخر منها يصرف إلى أصحاب المناصب الدينية.
**صحفي
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=68423