لحوم الهدي والأضاحي للمتضررين من الكوارث

عند وقوع كارثة في بلاد المسلمين تدعو بعض الهيئات إلى جمع الأضاحي وتوزيعها على المتضررين من الكارثة (وقد يكون من بينهم غير المسلم) ليقتاتوا منها، وكذا يفعلون في لحوم الهدي التي يذبحها الحجيج…
فهل يجوز إطعام غير المسلم من لحوم الأضاحي ولحوم الهدي؟ وهل يجوز نقلها أصلا إلى المتضررين المسلمين أم تعد عندئذ صدقة وليست أضحية ولا هديا؟
نص الإجابة:
وللإجابة على هذه التساؤلات يقول محمد سعدي الباحث الشرعي:
يجوز توكيل هيئات الإغاثة الإسلامية للقيام بذبح الأضحية في أي مكان لكي يقوموا بتوزيعها على المسلمين وغيرهم في البلاد التي تعرضت لكارثة، مثل زلزال سومطرة وموجة المد العملاقة المسماة بتسونامي والزلزال المروع الذي وقع في إقليم كشمير، ولحوم الهدي تُذبح في مكة ثم يوزع منها على فقراء الحرم ثم ينقل الباقي لكي يوزع على فقراء المسلمين في هذه البلاد المنكوبة.
فقد شرع الإسلام التكافل والمواساة عندما تنزل الجوائح بأحدٍ، أو تصيب الشدائد والنوازل الناس، وذلك من باب التراحم، كما يشجِّع على مساعدة غير القادرين من غير المسلمين بشتى أنواع الصدقات، والتبرعات.
ومن أبواب الخير التي يمكن للمسلمين أن يقوموا بها هو القيام بتوكيل القائمين على مشروع الإغاثة لكي تقوم بذبح الأضحية وإطعام المتضررين، سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين، فجميع فقراء المسلمين يدخلون تحت قوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}.
بل هذا يتفق مع مقصد الشرع من تشريع الأضحية، من كونها إغناء للفقراء وإطعام لهم في أيام العيد والتشريق، فنقلها للبلاد الفقيرة أو المنكوبة ربما يكون أقرب للشرع، وأرجى عند الله تعالى.
والإهداء لغير المسلم من لحم الأضحية لا حرج فيه شرعاً فقد ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم– أنه أمر أسماء بنت أبي بكر –رضي الله عنها– أن تصل أمها بالمال وهي مشركة في وقت الهدنة.
فإن كانت الهدية في الرخاء جائزة ففي الشدة أولى، على أن إطعام الطعام أمر ممدوح في الإسلام قال الله تعالى مبيناً هذا: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرً} وجاء في المغني لابن قدامة [بتصرف]:
يجوز أن يطعم منها [أي: الأضحية] كافرًا. وبهذا قال الحسن، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وقال مالك: غيرهم أحب إلينا. وكره مالك والليث إعطاء النصراني جلد الأضحية. ولنا أنه طعام له أكله فجاز إطعامه للذمي، كسائر طعامه، ولأنه صدقة تطوع، فجاز إطعامها الذمي والأسير، كسائر صدقة التطوع.. أما الصدقة الواجبة منها، فلا يجزئ دفعها إلى كافر لأنها صدقة واجبة، فأشبهت الزكاة، وكفارة اليمين.. انتهى.أما لحوم الهدي فإنه من المقرر شرعاً ذبح الهدي بمكة المكرمة لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} فالهدي سمي هدياً؛ لأنَّه يُهدى إلى بيت الله – سبحانه من نعم، ثم يوزع على فقراء الحرم؛ لأنهم أولى، ثم بعد ذلك يصدَّر الباقي لمن هم خارج الحرم ولا يوجد من الفقهاء من قصرها على فقراء الحرم سوى الحنابلة فقط حيث قال صاحب المغني: إذا نحر الهدي، فرقه على المساكين من أهل الحرم، وهو من كان في الحرم”.. انتهى.
أما غيرهم فلا يقصرونها على فقراء الحرم بل يرون أنها ليست قاصرة على فقراء الحرم بل يشاركهم في ذلك غيرهم من فقراء المسلمين، وإن وجد في الحرم فقراء فهم أولى وإن عدموا تنقل لغيرهم.
قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين من علماء المملكة العربية السعودية:
وإن قدِّر أنه لا يوجد أحد يقبلها في مكة -وهذا فرض قد يكون محالا- فإنه لا حرج أن تذبح في مكة، وتنقل لحومها إلى من يحتاجها من بلاد المسلمين، الأقرب فالأقرب، أو الأشد حاجة فالأشد.. انتهى.
على أن لحوم الهدي مخصصة لفقراء المسلمين فحسب لا يجوز لغير المسلم أن يأكل منها، فيجوز لهيئات الإغاثة أن تنقل ما تفضل من لحوم الهدي إلى من تضرر من بلاد المسلمين بفعل الزلازل.
أما عن توكيل الغير للقيام بذبح الأضحية فإنَّ الفقهاء أجازوا نيابة المسلم عن غيره في ذبح الأضحية. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أنه تصح النيابة في ذبح الأضحية إذا كان النائب مسلما.. انتهى.