إن أهم عمل للدولة هو وضع إستراتيجية لنشاط أجهزتها، وكذلك لأنشطة العمل المدني. وفي غياب هذه الإستراتيجية ستسعى القوى المحيطة بنا إلى أن يفعلوا هم إستراتيجياتهم، سواء على مستوى نشاط الدولة أو أنشطة القطاع المدني. وللأسف فإن هذا واقع هذه الأيام على مستوى أنشطة الدولة وأنشطة القطاع المدني.
وقلّب البصر حيث شئت في التعليم أو البحث العلمي أو الصناعة أو الزراعة أو التجارة أو الخدمات، ولسوف ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير؛ فمعظم هذه الأنشطة على مستوى الدولة ومستوى الشعب قد أصابها الوهن، وخلعت الدولة يدها من وضع أي إستراتيجية تحقق لنا مشاركة في إنتاج ما نصبو إليه من طعام وشراب ومسكن ودواء وخدمات؛ ومن ثم انهالت علينا وعلى أسواقنا ومواردنا القوى الخارجية، وأسلمتنا إلى بطالة ظاهرة وباطنة، وتطعمنا بعض الموارد وبقايا العمال والفلاحين الذين أخطأهم نظام الدولة التعليمي فحافظوا على جذوة من الإنتاج، بعيدا عن جحافل المتعلمين والمثقفين الذين لا ينتجون إلا هراء ثقافيا وثرثرة آناء الليل وأطراف النهار.
في أوائل الثمانينيات حاورت صديقا لي كان يعمل في قمة من قمم الدولة الأمنية، حاورته حول البحث العلمي في مصر وما ينبغي أن يكون عليه الأمر في مجال الدفاع، ثم سألته: هل هناك في قلب الأمن القومي في مصر جهاز لوضع إستراتيجية قومية في هذه المجالات؟ ولقد كانت إجابته بالنفي مذهلة لي، ولكني فسرتها حينئذ أنه ربما لا يريد أن يكشف أسرارا قومية قد أثرثر بها بين طلابي وزملائي في الجامعة، ومنذ ذلك الحين قدر الله أن أقترب من كثير من مشاريع الدولة، ورأيت بأم رأسي كيف تُحبط هذه المشاريع، ويضيع الجهد المبذول فيها أدراج الرياح كنتيجة حتمية لغياب إستراتيجية واضحة تفصل الطريق تفصيلا، وأصبحت مع الوقت أرى إستراتيجية مضادة تتحرك بسرعة مذهلة عندما تجد إرادة سياسية فوقية تتلاقى مع واقع قادر على الإنجاز، فتخلق هذه الإستراتيجية المضادة مناخا مضادا باسم الإستراتيجية القومية لتخنق المشاريع في مهدها، وتحبط الرجال، وتنشر اليأس من أي أمل في الإنجاز.. رأيت ذلك يتكرر أمام عيني عدة مرات، واستخلصت من ذلك العبرة الآتية:
إن غياب الإستراتيجية القومية سوف يستدعي الإستراتيجيات المضادة أن تعمل بما تملك من قوى في الداخل والخارج. وإن الإهمال في وضع الإستراتيجيات القومية خيانة عظمى للوطن مهما حسنت نيات قياداتنا القومية.
الإستراتيجيات.. وعالم القيم الثابتة
أ- آفاق العمل المدني في الأمة.
ب- طرائق العمل المدني في الأمة.
ج- تنظيم العمل المدني في الأمة.
د- مخطط أولي للعمل المدني في مجال التنمية.
و- الجدوى الحضارية للحركة الإسلامية.
والإستراتيجيات تنبع من أهداف قومية، وهي بدورها تنبعث من عقائد سائدة: عقيدة كونية، وعقيدة سياسية، وعقيدة تنموية. وهذه العقائد لا تصنع الأهداف فحسب، وإنما يقوم على أساسها الدستورالذي تنبثق منه كل القوانين المنظمة للحياة، وينبعث منها عالم الأخلاق الذي يتعامل به الناس بعيدا عن القانون، ويجعلهم يتقبلون القانون، ويتحاكمون به برقابة داخلية وخشية ربانية بعيدا عن السلطان ورجاله.
وكلما كانت هذه القيم المنبعثة من العقائد ثابتة وسائدة كان الانصياع للدستور والقوانين المنبثقة عنه سهلا وممتعا، لا قهر فيه ولا إذلال.
وكلما كانت هذه القيم غائمة وغير مستقرة فإنها سرعان ما تخلق ازدواجية في حياة الناس وعبثية في أهدافهم في الحياة الدنيا، سرعان ما تذهب بأي نظام بنوه من قبل. من أجل ذلك كان على المصلحين أن ينظروا إلى عالم القيم السائدة في الأمة، وهل أصابه المرض والوهن؟ وهل هو قادر على أن يحمل معه دستورا ونظما حياتية صامدة؟.
من أجل ذلك أنا ضد الدولة العلمانية، الدولة التي لا تسعى لإقرار عالم قيم ثابت يربط الإنسان بالكون المحيط، ويجعل له غاية مرتبطة بدنياه وآخرته، وهي تهمل هذا الجانب بتخطيط وتربص، وتقف ضد أي توجه في هذا الاتجاه، دولة جعلت إلهها هواها؛ فاليوم نظام الأسرة القديم جميل، وغدا نظام الزواج المثلي أجمل، وبعد غد نظام الزواج من البهائم أجمل وأجمل.
في مثل هذه الدولة العلمانية، وأمثلتها تملأ الحياة الدنيا هذه الأيام، يسود مبدآن خطيران:
مبدأ الخيرية العنصرية (فنحن نستحق كل خير وغيرنا غير جدير بالحياة)، ومبدأ "ليس عليكم في غيركم سبيل" (أي افعلوا كل شر مع الغير وعاملوا أنفسكم بالحسنى).
وأنا كذلك ضد الدولة الدينية،ومثالها الواضح في أوربا في القرون الوسطى، دولة يتسلط فيها من يسمون أنفسهم رجال الدين، ويحكمون الدنيا بمجموعة من القوانين والنظم الثابتة (وليس القيم الثابتة)، ويعتبرون سلطتهم سلطة مقدسة، زاعمين أنهم يستمدونها من الله.
والإسلام لا يعرف هذين النوعين من الدول، وإنما يدعو أتباعه لينشئوا دولة مدنية ذات دستور منبعث من عالم القيم الإسلامية، والتي تنبعث بدورها من عالم العقائد الإسلامية. وعمليتا الانبعاث، سواء للدستور من القيم، أو للقيم من العقائد عمليات بشرية بحتة تقوم على الاجتهاد، وتشترك فيها كل الأمة بعلمائها جميعا، كل في ميدانه، وبالطبع لا بد أن تكون هذه العقائد وهذه القيم سائدة في المجتمع، يتقبلها المسلمون دينا، ويتقبلها غيرهم عقلا ومصلحة، وبالطبع يحكم الأمر كله رغبة الأمة عن طريق ممثليها في صياغة دستور ينبعث من القيم وتلك العقائد، وذلك من خلال نظام شورى تحكمه آليات للاختيار.
وتتميز هذه الدولة بنوع من الحرية لم تعرفه البشرية حتى اليوم، فغير المسلمين يتمتعون بحريتهم الدينية كاملة غير منقوصة، وهم ملتزمون بنظام المعاملات في الدولة، إلا ما كان منه ذا علاقة بعقائدهم.
والمثال العظيم على هذه الحرية هو ما جرى أيام أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز عندما بلغه أن الزرادشت (عبدة النار) يتزوجون أمهاتهم وأخواتهم، وهذا مناقض لكل شرائع أهل الكتاب، فأرسل إلى الحسن البصري فقيه عصره يسأله، فأرسل له الإمام الحسن البصري هذه الرسالة التاريخية:
"إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز…
هذا مما جرت به عقائدهم، وإنما أنت متبع، ولست مبتدعا فالزم، والسلام".
إن المسلم لا يستطيع في أوربا الآن أن يتزوج وفق عقائده، بل لا تستطيع مسلمة أن تضع الحجاب فوق رأسها في المدرسة أو العمل، فانظر إلى قدر الحرية في الدولة المدنية التي ينبع دستورها من قيم الإسلام وعقائده.
والإسلام لم يورث أهله نظما وإنما ألزمهم عقائد وقيما وألوانا من العبادات؛ ولذلك فالنظم في هذه الدولة المدنية اجتهاد بشري، وكل القوانين التي تنبعث من الدستور اجتهاد بشري، ولعل هذا ما كنا نتعلمه صغارا في رسائل الإخوان المسلمين من أن هناك فرقا بين الشريعة والقانون، الشريعة ثابتة، والقانون اجتهاد متغير .(1)
وفي قلب العقائد التي تقوم عليها دساتير الدولة المدنية، أن الله قد خلق الناس من نفس واحدة وخلق منها زوجها: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا? [النساء: 1].
فالكل مخلوق من نفس واحدة، الرجل والمرأة، والألوان الإنسانية جميعا متساوية ومطالبة جميعها بالتقوى والتوجه إلى الله بالأعمال والحفاظ على الأرحام. فالتساؤل بالله وبالأرحام إشارة إلى المقدس في هذه الدولة، وهو الحفاظ على القيم التي جاءتنا وحيا، والحفاظ على النظام الاجتماعي الذي يربط الناس بعضهم ببعض حتى يكونوا مجتمعا ودولة.
ومن متطلبات هذه الوحدة الإنسانية ألا يعلو بعضنا على بعض أو أن يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، وأن نعلم أنه لا فضل لأحد على الآخر إلا بالتقوى والعلم. ومن معاني التساؤل بالله ألا يظلم الإنسان أخاه الإنسان (أي إنسان) في سلم أو حرب، وأن يحترم ماله وعرضه ونفسه.
لقد ضربت مثلا بعقيدة واحدة (الخلق من نفس واحدة)، ورأينا بعض القيم الإنسانية التي يمكن أن تصدر عنها والتي تصلح أن تصاغ في مبادئ دستورية، والأمر يحتاج إلى جهد دءوب حتى نستجمع عقائدنا في صدورنا، ثم نحاول أن نستخرج منها كنوز القيم المكنونة فيها وحتى تكون هذه القيم هي النظام العام الذي يستوحي منه رجال الفقه الدستوري دستور الدولة المدنية المرتقبة.
ومن أهم القيم الإسلامية قيمة العمل الصالح الذي يصنع الناس من خلاله كل ما يحتاجون إليه من طعام وشراب ومسكن، وكل متطلباتهم الصحية والدفاعية والترفيهية. كل ذلك في إطار من الحرية والاستمتاع بالطيبات. وكلما زاد عمل المرء زادت حريته، كما أن الخمول على مستوى الفرد أو الجماعة يفقدهم حريتهم، وآية النحل تشير إلى هذا المعنى الرائع:
?وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ? [النحل: 68-69].
ولذلك فنظام الدولة لا بد أن يعظم قيمة العمل، ويعطي الناس الحرية الكاملة في التنمية المستقلة. من أجل ذلك لا بد أن تخطط الدولة لإستراتيجية تنموية تقوم فيها الدولة بدور العقل وينطلق القطاع المدني بكل قوته ليقوم بدور العضلات.
خلال نصف القرن الأخير انتقلنا من حرية السوق إلى مركزية الدولة، ثم عدنا إلى حرية السوق، وبدأت الدولة تتخلى عن دورها التخطيطي والإنتاجي. نحن في حاجة إلى مركزية الدولة في التخطيط وعمليات الاستنبات التنموي ومهام الدفاع، في إطار نظام تندفع فيه الأمة في طيف الأعمال والمهام التي تراها الدولة نافعة لإستراتيجيتها التنموية.
ومن القيم العظيمة في الفكر الإسلامي واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو واجب مشروط بالعلم والقدرة في الأمة كلها: حاكمًا ومحكومًا. هذا الواجب يحتاج إلى تنظيمات وجماعات إصلاحية في وقتنا الحاضر، حيث تعقدت النظم بدرجة لا يؤثر فيها الجهد الفردي وحده. والفكرة الغربية من وجود أحزاب للمعارضة فكرة غير كافية لتحقيق ما نصبو إليه من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
إن فكرة الأحزاب تقوم على الاحتشاد الجماهيري والمغالبة السياسية، وكثيرًا ما يكون وراءها جماعات مصالح تريد أن تعظم عائدها من خلال الحكم. أما جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهي جماعات تبتغي الإصلاح من أجل الإصلاح، وتحتسب أجرها عند الله، ولها في شعيب قدوة حسنة: ?قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ? [هود: 88]، ولخصت هذه الآية واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
فهو واجب يراد به وجه الله ومن ثم فهو ملتزم بشرعه، أي واجب العلم ?إِن كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي? وهو واجب أملك القدرة عليه ?وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا? وما آمركم به أنا ملتزم به ?وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ?، وهو واجب لا يبتغى من ورائه مصلحة لأنفسنا ?إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ?.
– فما هو واقع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو جماعات العمل المدني في مصر مثلا؟!.
الحزب الحاكم صنعته الدولة كهيكلة ديمقراطية في أعين الناس في الداخل والخارج، ولم أسمع به يومًا يقوم بهذا الواجب. فجل نشاطه هو حشد الشباب في معسكرات هنا وهناك ومحاضرات تثقيفية للترويج للسياسات الحاكمة. الأحزاب الأخرى ضعيفة وفقيرة في كل شيء، وكل ما عندها جريدة تلتقط الأحداث من وسائل الإعلام وتعلق عليها يمينًا وشمالاً من غير هدف واضح.
الحركة الإسلامية الأم (حركة الإخوان المسلمين) حركة جماهيرية ذات امتداد ضخم في الأمة. فلو قسنا حجم الحركة اليوم فينبغي ألا نقيسها بالشباب المنظم داخل صفوفها في الداخل أو الخارج، وإنما نقيسها بامتدادها الفكري والنفسي في ملايين مروا بمدرستها التربوية والفكرية، أو مروا قريبًا من سور هذه المدرسة وتأثروا بفكرها، حتى إنني أستطيع أن أقول إن التيار الوطني السائد في مصر الآن هو التيار الإسلامي الذي يحمل بصمة فكر حركة الإخوان المسلمين.
– ولذلك نرى أن دور حركة الإخوان المسلمين ينبغي أن يترفع عن المغالبة السياسية وما تحتاجه من احتشاد جماهيري، وإنما ينبغي أن يركز على تحفيز العمل المدني في الأمة بكل ما تملك الحركة في وعائها من إمكانيات بشرية هائلة.
ذلك أن الحزب الحاكم لا يمثل نخبة سياسية وإنما يمثل اختيار الدولة بكل أجهزتها، ومن ثم فليس هناك حلبة للسياق السياسي، على الأقل في هذه الفترة التي نعيشها هذه الأيام. – وعلى الدولة وقد اختارت ألا ينافسها أحد في عالم السياسة أن تترك العنان للعمل المدني الإصلاحي ولا تقف في طريقه؛ لأن هذا العمل يمثل عونًا لها على الإصلاح الذي تنوء بتبعاته، وهي الآن حائرة كيف تخرج من مستنقع الضعف الذي أصاب كل مؤسسات الدولة وأسلم الأمة إلى بطالة ظاهرة وباطنة؟! ولذلك فإنني أرى أن محاربة العمل المدني الآن وفي مثل هذه الظروف يمثل جريمة نكراء تصل إلى تعريف الخيانة العظمى. إن المستبد في دولة عندها عافية داخلية وخارجية عنده فسحة للاستبداد، ولكن المستبد في دولة محاطة من الخارج بالأساطيل العدوة ليست عنده أي فسحة للاستبداد، ولا بديل أمامه إلا الالتحام مع شعبه وتفعيل كل الطاقات الكامنة في أمته.
– مرة أخرى تحسن الحركة الإسلامية صنعا إذا ركزت جهدها في عملية تحفيز العمل المدني في الأمة، وتحسن أيضا إذا استطاعت أن تشارك في هذه المهمة مع كل القوى الوطنية في الأمة، وتحسن أيضا إذا استطاعت أن تتجنب الصدام مع أجهزة الدولة، بل ينبغي أن تسعى للتناغم والتعاون معها في إيقاد جذوة العمل المدني.
– وفي هذه الرسالة القصيرة نقدم تصورًا أوليًا للأمور الآتية:
أ – آفاق العمل المدني في الأمة.
ب – طرائق العمل المدني في الأمة.
جـ- تنظيم العمل المدني في الأمة.
د – مثال لمخطط أولي للعمل المدني في مجال التنمية.
و – الجدوى الحضارية للحركة الإسلامية.
وسوف نطرح هذا التصور على مجموعة من المفكرين يعملون فيه فكرهم ويضيفون أو ينقصون حتى نصل في النهاية إلى إستراتيجية واضحة للعمل المدني في الأمة ككل، ولمهام الحركة الإسلامية خاصة، وحينئذ نطرح هذا التصور النهائي على الإخوة المتنفذين في الدولة من أجل الوصول إلى صيغة للعمل المدني من غير صدام، وبأقصى قدر من التناغم والتواصل، والله من وراء القصد.
أ- آفاق العمل المدني في الأمة
1 – العمل المدني الثقافي (الحفاظ على الهوية ومبعث نشاطها).
2 – العمل المدني التنموي (التنمية الذاتية في مقابل التنمية القهرية).
3 – العمل المدني المهني (الذود عن المهن في نقاباتها ونواديها).
4 – العمل المدني التشريعي (تفاعل التشريع مع الحياة دفعًا أو تعويقًا).
5 – العمل المدني الرقابي (دراسة ميكانيزمات الفساد ومحاربتها).
6 – العمل المدني السياسي (المتابعة السياسية وتقديم العون والبدائل للدولة).
7 – العمل المدني التعليمي (إنشاء المؤسسات وتقديم المناهج الموازية).
8 – العمل المدني الترابطي (ترابط طوائف الأمة وتقوية النسيج الاجتماعي).
9 – العمل المدني الجهادي (إعداد الأمة جهاديًّا من خلال الدولة إن وجدت أو إبداع البدائل الجهادية في غيبة الدولة).
ب- طرائق العمل المدني في الأمة
– برامج للشباب للإعداد الثقافي.
– شحذ وتوجيه الأمة من خلال شتلات قيادية في كل التوجهات السابقة.
– وضع خرائط عمل في جميع التوجهات من قبل علماء متخصصين.
– بيانات أساسية وبيانات دورية عن الرؤية الإسلامية في كل التوجهات.
– دراسة للجماعات المشابهة في الخارج والداخل وتصميم منظومات تعاون معها.
– مساعدة مؤسسات الدولة في كل هذه المجالات.
– الاستفادة من تجارب الحركة الإسلامية والحركات المدنية في أنحاء العالم.
جـ- تنظيم العمل المدني
– ينبغي أن تنفر طائفة لكل توجه، هذه الطائفة هي العقل للحركة في هذا التوجه، وهي التي ستقترح عناصر العمل والمؤسسات المناسبة لتحقيق كل عنصر (انظر مثال التوجه التنموي وتفصيلات عناصره كما تصورناها كدليل للعمل في التوجهات الأخرى).
– ولتكون هذه الطائفة ذات مصداقية عند الأمة ينبغي تكوينها من كافة العناصر الطيبة الوطنية، غير مقيدين بالتفريعات التنظيمية والحزبية القائمة.
– ينبغي على التنظيمات الجماهيرية القائمة أن تعتبر ما تفرغ منه هذه الطائفة من إستراتيجية في توجهها هو برنامج عمل لها في هذا التوجه تحشد له شبابها.
– هذه الطوائف التي نفرت في توجهاتها المختلفة يجب أن تعتبر نفسها جزءًا من نشاط الدولة ومعينًا لها، وأن تكون رفيقة في دعوتها للتغيير واعية للظروف الخارجية المحيطة.
– من الخير أن يكون لجميع الطوائف التي نفرت للتوجهات المدنية المختلفة مكتب تنظيمي عام، ذلك لأن كثيرًا من هذه التوجهات ذات صلات ببعضها ويؤثر بعضها في بعض تأثيرًا كبيرًا.
– يعتمد النشاط في كل توجه على جهد وأموال وطنية خالصة لا تلوثها أموال تأتي من جمعيات مشبوهة عالميًا أو داخليًا.
– يجب وضع ميثاق أخلاقي للعمل داخل كل توجه وللحوار مع الغير، وأن ترجو بالعمل كله وجه الله وحده.
د- مثال لمخطط أولي للعمل المدني في مجال التنمية
1 – تعريف التنمية التقنية:
(أ) القدرة على تلبية حاجات العمران البشري من طعام ومسكن وملبس وما يستدعيه ذلك من بنية تحتية.
(ب) القدرة على الدفاع عن المكتسبات والثروات الوطنية.
(ج) القدرة على تطوير الذات تقنيًا للملاءمة مع الظروف البينية ومع الأوضاع العالمية التقنية وحتى لا نصبح منطقة فراغ تتدفق من خلالها البضائع الخارجية المنافسة.
2 – سؤال: ما هي حاجات العمران البشري؟ لا بد من رسم خريطة لعالم الأشياء الذي سنعيش به: طعامًا وملبسًا ومسكنًا وخدمات صحية وحياتية أخرى.
3- سؤال: ونحن نرسم هذه الخريطة لا بد أن نعظم مشاركتنا في إنتاجها ونعظم تناغمها مع البيئة، ونعظم استخدامها للمواد الأولية التي ننتجها ركازًا وزراعة وصناعة، ونعظم قدرتها على أن تعطينا الاستقلالية عن غيرنا إن شئنا، ونعظم قدرتها التنافسية إن شئنا أن ننافس بها في أسواق غيرنا.
4- ولكن هذه التنمية تواجه في عقر دارها بمنافسه هائلة مدعومة بالسلاح، الحكومات غير قادرة على مواجهتها، ولا يبقى إلا الإصرار الجماهيري على تبنيها فيما أسميته الأوب الاستهلاكي: أوب إلى القصد والاقتصاد وإلى ما تنتجه بيئتنا بأيدينا وأيدي الذين يشاركوننا في نوع الحياة التي نحياها.
5- إن التنمية القهرية تريد أمرين: الموارد والأسواق، وهي تغرينا بعالم أشيائها الذي لا ننتجه حتى نتبناه وندفع ثمنه من مواردنا الركازية.
6 – المأزق التنموي: الانسياق وراء عالم أشياء لم تصنعه أيدينا، ونسيان عالم أشياء لنا ننتجه مع نضوب لمواردنا الركازية نتيجة لدفع فاتورة الاستهلاك. فما هو سبيل الخروج من المأزق؟.
7- تصميم طيف تنموي، نتجه فيه إلى ما أسميته تنمية البقاء، نستخدم فيه قدراتنا الذاتية البشرية والركازية والفنية لإنتاج حاجات العمران البسيط، وفي هذا الاتجاه يتجه معظم الناس.. الكثرة الهائلة المعطلة.
8- ويتجه جزء أصغر لنوع من التنمية المتقدمة التي تحسن من أداء الطرق البسيطة المستخدمة في الريف والمدن، وتستخدم من منتجات الحضارة الحديثة ما قد استوعبناه صناعة وصيانة واستخداما.
9- ويتجه جزء أصغر للعلوم المتقدمة والتقنيات المتقدمة وخاصة تلك المتعلقة بالدفاع عن النفس.
10- ويحتاج كل نمط تنموي إلى تعليم وتدريب وبنية علمية وتقنية، بدءًا من تعليم وتدريب بسيط، وصولاً إلى تعليم وتدريب متقدم، ومن بنية علمية وتقنية بسيطة إلى بنية علمية وتقنية متقدمة.
11- وسائل الاستنبات التقني:
– توثيق الصناعات الصغيرة عن طريق أصحابها (الصناعات الصغيرة السائدة).
– الصيانة (الصناعات المتوسطة الأجنبية).
– التقليد/ الهندسة العكسية.
– المعامل: معمل تصميم وتطوير.
– براءات الاختراع.
– نقل تكنولوجيا.
– المراكز التقنية المتخصصة (مراكز الإبداع).
12- التمويل:
– الجماعات الأهلية التطوعية.
– جماعات المال المغامر.
– البنوك الوطنية.
– الدولة.
– الصناعات الكبيرة.
– الوقف الخيري.
– المؤسسات العربية والإسلامية المالية.
13- التوعية الثقافية:
– الإنتاج فرض عين على كل مسلم وكل مواطن.
– الموارد أمانة أودعها الله في أيدينا لنتعامل معها بقصد واقتصاد.
– (الإشباع من جوع والأمن من خوف) وليس (الترف والغفلة).
– الحفاظ على البيئة.
– الإحسان في كل شيء.
– الماعون والتفسح في المجالس والتعاون مع الناس.
– تعظيم الذوق الحياتي المناسب لظروفنا.
و- الجدوى الحضارية للحركة الإسلامية
كما يرسل الله الرياح لواقح فإنه سبحانه قد منّ علينا في هذه الأمة برياح لواقح أغدق على إثرها مطر العودة إلى الدين أو الرغبة في العودة في كل مكان. وحتى لا تكون هذه العودة غير قاصدة إلى ربها، أو حتى لا تتبعثر في الأودية والجبال ولا تصل إلى أهدافها؛ كان لا بد أن تكون هناك حركة واعية ترشد خطو العودة إلى الدين، وترشد إلى الطريق المستقيم. فما هي المهمة المنوطة بهذه الحركة المرجوة؟.
– المهمة المنوطة بالحركة الإسلامية:
1- المشاركة في صنع البنية التحتية الثقافية للأمة وترشيدها.
2- المشاركة في التربية وشحذ الهمم الحضارية للشباب.
3- المشاركة في التوجيه والإرشاد في المجالات التنموية.
4- المؤازرة لرجالات السياسة الذين انحازوا لثوابت الأمة السياسية.
5- المؤازرة للجمعيات الأهلية التي تقوم بمراقبة التشريعات والدعوة إلى إصلاحها.
6- مؤازرة العمل النقابي وتحريره من التشرذم والتحزب.
7- مؤازرة جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من العلماء المتخصصين في مجالاتهم المختلفة.
– المشاركة في (1، 2، 3) تعني وضع برامج تفصيلية تستعين فيها الحركة بخبراء الأمة في مجالات الثقافة ومجالات العمل التربوي الحضاري ومجالات التنمية الذاتية، كما تعني أيضا الإسهام في تنفيذ هذه البرامج من خلال جهاز تطوعي تتقاطر من خلاله كل الجهود الممكنة من رجالات الأمة في هذه المجالات.
– المؤازرة في (4، 5، 6، 7) تعني تشجيع رجالات الأمة على أن يتجمعوا في هذه الأعمال من خلال جمعيات شرعية، أو من خلال مواقعهم في الدولة أو في الأحزاب المختلفة، وذلك بحض خريجي الحركة الإسلامية على أن يتطوعوا بما يملكون كل في تخصصه لإعطاء المثل وتكوين نويّات حضارية يتجمع حولها أهل الخير في كل اتجاه.
ملاحظات حول دور الدولة ودور الحركة الإسلامية:
دور الحركة الإسلامية دور تكميلي لدور الدولة وليس بديلاً عنه، ولذلك ما حددناه من قبل من أدوار منوطة بالحركة الإسلامية هي معينات ومكملات لمهام الدولة القائمة على أمر تنفيذ النظام العام والأمن العام. والدولة العاقلة هي التي تخطط بعناية شديدة لخريطة الأعمال في الأمة، حيث تقوم أجهزتها ببعضها وتترك الباقي لاندفاع أهل الخير في أعمال تطوعية في كل مجالات الحياة. ولذلك فدرجات المركزية في الدولة يجب أن تصمم بعناية حتى تحفظ الأمن القومي من جهة، ولا تخنق العمل التطوعي من جهة أخرى، والأمر كله يحتاج إلى بحوث متصلة، نتفرغ لها بإذن الله قريبًا.
الجزء السياسي في المهمة المنوطة بالحركة الإصلاحية الإسلامية:
ويتلخص هذا في تحديد الثوابت السياسية تحديدًا واضحًا في وقت يحيط بنا من كل جانب من يحرصون ويجاهدون من أجل تمييع هذه الثوابت.
ثوابت الهوية:
1 – العلاقة مع التعددية الوطنية سواء كانت عرقية أم دينية أم سياسية.
2 – العلاقة مع المحيط العربي.
3- العلاقة مع المحيط الإسلامي.
4 – العلاقة مع العالم.
5- اللغة.
6 – الدين.
7 – التراث.
ثوابت الحكم:
– الأمة تختار من يحكمها بآلية واضحة لا لبس فيها.
– الأمة تختار دستورها وشرائعها بآلية واضحة لا لبس فيها.
– استقلال السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية بآليات واضحة لا لبس فيها.
ثوابت الحق التنموي:
– حق الأمة في أن تختار الطريق التنموي المناسب لإمكانياتها الفنية وثرواتها الطبيعية، وأن تذود عنه بالمقاطعة لكل منتجات الغزو التنموي، وبتكوين الجمعيات التنموية.
– حق الأمة في المطالبة والمتابعة بدور واضح للدولة في المجال التنموي، فلا يمكن للدولة أن تقف على الحياد بيننا وبين الاستعمار التنموي.
– حق الأمة في متابعة وملاحقة الثموديين الجدد عملاء التنمية الغربية وفضح شبكاتهم العنكبوتية.
– حق الأمة على الدولة في أن تصدر من القوانين والتشريعات ما يعظم الدور الوطني التنموي، ويعوق تدفق عالم الأشياء المتدفق فوق رءوسنا من الخارج.
آلية تنفيذ الجزء السياسي في مهمة الحركة الإسلامية:
ينفر للعمل في هذه المجالات مجموعات عدة:
– مجموعة من السياسيين القادرين على الاتصال ببيوت الخبرة في الحركة لتجميع مواقف واضحة تعتمد على دراسات متخصصة.
– تعد هذه المجموعة تقارير شتى: تقريرا للرأي العام، وتقريرا للسياسيين المتنفذين في الدولة.
– تحرص الحركة على أن تكون لها نوافذ لتكوين الرأي العام، وخاصة في التجمعات المهنية والوسائل الإعلامية وفي المجالس النيابية.
– تصدر الحركة كراسات سياسية من وقت لآخر.
محاذير مهمة:
أ- محاذير سياسية:
– ينبغي ألا يحرج العمل السياسي الدولة ما دامت الأمور الإصلاحية في طريقها للتحسن.
– ينبغي فهم القيود العالمية والقيود الذاتية واحترام الزمن في تجاوزها.
– ستكون هناك مصايد استعمارية بأشكال شتى لتشتيت العمل الإصلاحي وإشعال الفتنة بين الحاكم والمحكومين، فينبغي أن نكون في منتهى اليقظة، وألا ندخل في أي تحالف ظاهر أو باطن مع أي جهة أجنبية.
– قبل أن نسأل عن التغيير.. نسأل عن البديل، فربما يكون أسوأ من الواقع.
ب- محاذير مذهبية
منذ نشأة الحركة الإسلامية المعاصرة في مصر وهي تدعو إلى تعظيم التعاون على البر والتقوى بين أفراد الأمة الإسلامية وجماعاتها وحكوماتها، متجاوزة في هذا التعاون التعدد المذهبي أو التعدد العرقي.
فالحركة تؤمن بأن تعدد المذاهب الإسلامية يمثل قوة فكرية داخل الأمة الواحدة؛ فالتعدد لا يعني التفرق، ولا تثريب في التعدد، وإنما النهي كل النهي عن التفرق.
والمذاهب الإسلامية القائمة بينها اختلافات تاريخية، واختلافات في العبادات، واختلافات في المعاملات، واختلافات في العقائد.
أما الاختلافات في العبادات والمعاملات فقائمة حتى في المذهب الواحد، وهي تدل على الشطرية التي سمح الإسلام بها في الشأن العبادي والشأن التعاملي، ويحتويها جميعا معنى قوله تعالى: ?فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ?، ويحتويها قول رسول الله لكثير من أصحابه في الحج: (افعل ولا حرج).
أما الاختلافات التاريخية التي وقعت بين الرعيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد عصمنا الله من معاركها؛ ولذلك ينبغي ألا نخوض فيها بألسنتنا وأقلامنا، ولا نخوض في أصحابه ذمًّا هنا ومدحًا هناك، ونقول دائما ما علمنا القرآن أن نقول: ?تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ?، وندعو الله أن يتجاوز عن سيئاتهم، وأن يرضى عنهم بما حملوا إلينا من خير ما نزال نتفيأ ظلاله حتى اليوم. من أجل ذلك ينبغي على علماء المذاهب أن يربوا أتباعهم على احترام صحابة رسول الله أجمعين، وألا يخوضوا في الصحابة والتابعين، ويتركوا للمؤرخين عملية النقد العلمي للسياسات والمواقف على أنها اجتهاد بشري قام به رجال مؤمنون من جيل الصحابة العظيم، مع الاحترام الكامل لوجهات نظرهم، مدركين أن التاريخ جاءنا من خلال روايات بشرية أصابها كثير من الخلط والهوى والنسيان. فكيف نغرق أنفسنا من أجل ذلك التاريخ؟ ورحم الله ابن القيم الجوزية الذي رفض كل الأحاديث التي ترفع صحابيا على حساب صحابي آخر، أو تحط من بعض الصحابة وتسرف في مدح آخرين.
أما الاختلافات العقدية فمنها ما هو متوهم نتيجة للصياغات اللفظية، ومنها ما هو نتيجة خلط يمكن بقليل من الصبر تصحيحه، وجوهر العقيدة الإسلامية هو الإيمان بالله وبرسله وكتبه وملائكته وباليوم الآخر والقضاء والقدر ?وأَن لَّيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأوْفَى?، والمسلمون يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء، وأنه يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار وهو بكل شيء عليم.
ونؤمن أن كل ما يتعلق بالصفات غيب لا ندرك منه إلا ما يتعلق بحياتنا؛ فعندما يقول القرآن: ?يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ?، ندرك أن الاستخدام العربي هو المقصود هنا؛ أي أن نصرة الله ومباركته تحيط بنا، من غير تأويل لليد ولا تأويل للفوق.
وكذلك نؤمن أن الزمن مخلوق مثلنا، وأن القبلية والبعدية تنطبق على الفعل البشري، ولا علاقة لها بالمشيئة الإلهية؛ ولذلك فكل ما لاكته ألسن الفلاسفة عن علم الله بالفعل الإنساني وعن الجبر والاختيار لا معنى له في تصورنا الإسلامي.
هذه هي الكليات العقدية التي حرصت الحركة الإسلامية المعاصرة أن تجمع الأمة حولها، وأن تبقى للناس مساحة من التعددية المذهبية في ظل وحدة جامعة تحت ظلال الكليات العقدية. ولذلك ينبغي للأمة بكل مذاهبها المتعددة أن تجتمع على هذه الكلمة السواء، وتجمع قوتها من أجل بناء حياة أفضل، ومن أجل الدفاع عن حقوقها المشروعة، متعاونة في ذلك مع كل الشرفاء في العالم أفرادا وجماعات وأمما، وعلى الله قصد السبيل.
**كاتب إسلامي، أستاذ هندسة الطيران – جامعة القاهرة.
(1) انظر رسالة الدكتوراة للدكتور سعيد رمضان.. القانون الإسلامي آفاقه وموازين عدالته. ومن الرسائل المهمة الحديثة التي أوضحت الفرق بين النظام العام في الغرب والشريعة الإسلامية رسالة الدكتوراة للدكتور عماد طارق البشري.
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=68476