حظر الإسمنت يدفع الغزيين لإتمام بناء منازلهم بـ(الصاج)

أرشيفية

لم يعد بإمكان المواطن خالد المملوك تحمل المزيد من الوقت في انتظار دخول الإسمنت إلى غزة لإتمام بناء منزله كي يقطن هو وعائلته، فاضطر لاستخدام ألواح الصاج (الزينكو) بديلا عن الإسمنت المسلح، بعد أن دخل فصل الشتاء.

وتعود قصة المملوك (38 عاما) إلى شهر أيار (مايو) الماضي حينما بدأ بالاستعداد لإتمام بناء منزله الصغير الذي تبلغ مساحته 80 مترا مربعا فقط والذي يقع في مدينة غزة، وجهز السقف لكي يقوم بصب الإسمنت المسلح فيه بانتظار شراء ثلاثة أطنان من الإسمنت.

ومنع الاحتلال إدخال الإسمنت ومواد البناء إلى قطاع غزة منذ أيلول (سبتمبر) 2012م، وبالتزامن مع ذلك شددت مصر قيودها على الحدود المصرية الفلسطينية وأغلقت الأنفاق التي كانت تدخل منها مواد البناء حيث أصبح القطاع شحيحًا بالإسمنت.

وقال المملوك: "هممت في شهر أيار (مايو) الماضي لإتمام بناء منزلي وصب سقف بالبيت بالإسمنت بعدما جهزته لذلك حيث كلفني ذلك ألفي دولار دون ثمن الإسمنت المفقود من السوق، وذلك حتى أتمكن من السكن قبل دخول فصل الشتاء".

وأضاف: "اعتقدت أن معي وقت طويل قبل دخول فصل الشتاء لكي أتم بناء منزل أقطنه إلا أن عدم دخول الإسمنت وفقدانه ووصول ثمن كيس الإسمنت الواحد إلى 70 دولارا جعلني انتظر لحين ما يرخص، ولكن دون جدوى".

وأشار إلى أنه بعد ذلك جاءت الحرب على غزة مطلع شهر تموز (يوليو) الماضي واستمرت لمدة 51 يوما و"اعتقدنا بعد إبرام التهدئة والتعهد بإدخال مواد البناء ورفع الحصار أن مواد البناء ستدخل بشكل طبيعي قبل أن نفاجأ بالتعقيدات الكبيرة التي وضعتها الأمم المتحدة والسلطة ودولة الاحتلال لإدخال الإسمنت ومواد البناء" . وفق قوله.

 
الإسمنت بالقطارة
 
وقال المملوك: "مع هذه التعقيدات ودخول الإسمنت بالقطارة وفقط لمن دمرت منازلهم وعدم طرحه للمواطنين العاديين ودخول فصل الشتاء لم يكن أمامي حلاً سوى أن أقوم في فك الخشب والحديد لهذا السقف ووضع سقف من صاج (زينقو) كي أحتمي أنا وعائلتي في البيت".

أضاف: "بالفعل قمت بشراء الزينقو ورفعت الخشب والحديد عن السقف بعدما ظل ينتظر الإسمنت ستة شهور".

وقدر المملوك خسارته جراء ذلك إضافة إلى الوقت ألفي دولار، مشيرًا إلى أنه قام بهذا العمل مضطرا بعدما لم يتمكن من الوصول إلى الإسمنت.

وقال: "كل طلبي فقط هو عدد قليل من أكياس الإسمنت كي أقوم بإتمام بناء منزلي وأنا غير متضرر من الحرب، ولكن أملي أن يصبح لي بيت صغير أحتمي به مثل بقية الناس".

وأضاف: "ولكن مع آلية الأمم المتحدة في إدخال الإسمنت لا أعتقد أنه يتم بناء غرفة واحدة، وليس آلاف المنازل التي دمرت وغيرها لمن لم تدمر منازلهم كحاجة طبيعية لاستمرار الحياة".

وتساءل المملوك: "هل يجب أن أكون متضررا أو هدم منزلي حتى أحتاج للإسمنت؟ هذا لا يعقل ويجب التفكير في طرق أخرى لإدخال الإسمنت لغزة ولا نكون رهينة لإملاءات الاحتلال والأمم المتحدة ومن يحاصر هذا الشعب". وفق قوله.

من جهته اتهم خبير ومحلل اقتصادي دولة الاحتلال والأمم المتحدة بتشديد الحصار على قطاع غزة باستخدام تقنيات إلكترونية حديثة لجعل قطاع غزة تحت الرقابة المباشرة على مدار الساعة ولإعاقة إعماره، مطالبا بالتوقف عن استخدام هذا الأسلوب وفتح المعابر بشكل كامل وإنهاء الحصار.

وقال الدكتور ماهر الطبّاع الخبير والمحلل الاقتصادي: "إنه وبعد إعلان وقف إطلاق النار في السادس والعشرين من آب (أغسطس) الماضي تفاءل المواطنون في قطاع غزة بانتهاء حقبة سوداء من التاريخ استمر بها الحصار على مدار ثمان سنوات عانى خلالها المواطنون من العديد من الأزمات والمشاكل، ولكن للأسف الشديد وبعد مرور فترة بسيطة على انتهاء الحرب؛ تم الإعلان عن التوصل لاتفاق ثلاثي بين السلطة و"إسرائيل" والأمم المتحدة للبدء في إدخال مواد البناء الضرورية لإعادة إعمار قطاع غزة".

 
تجميّل الحصار
 
واعتبر هذا الاتفاق تجميل واستمرار لحصار قطاع غزة برعاية دولية أممية وليس إنهاء الحصار، وهو ما أطلق عليه بعد ذلك "خطة روبرت سيري، مشيرا إلى أن تلك الخطة بدأت تظهر مجموعة من المنظمات الأممية التي لم نسمع بها بقطاع غزة والتي تهدف إلى الرقابة على قطاع غزة ومن ضمنها "UNOPS" وهو مكتب للأمم المتحدة ويعتبر الذراع التشغيلي لها لدعم التنفيذ الناجح لمشاريعها الإنسانية والإنمائية.

وأوضح أنه تم إسناد تنفيذ وتطبيق الرقابة الدولية لدخول مواد البناء إلى قطاع غزة لتلك المنظمة والتي بدأت بوضع الشروط الأمنية والرقابية الواجب توفرها في مخازن مواد البناء ومنها تركيب كاميرات مراقبة تعمل على مدار الساعة، تركيب شواحن خاصة لتلك الكاميرات حتى تبقى مستمرة بالعمل في حال انقطاع التيار الكهربائي، أسوار مرتفعة للمخزن، حراسة للمخزن على مدار 24 ساعة، ضرورة توفر خط إنترنت، وهذا يسمى (سجن الإسمنت(.

وقال: "بعد تجميّل الحصار يحاولون تجميّل خطة روبرت سيرى العقيمة لإدخال مواد البناء، المطلوب هو إنهاء الحصار الظالم وليس تفاهمات وآليات إضافية".

وأضاف: "إن هناك تفاھما إضافيا لسيري، بدءًا من الأسبوع الجاري سيتمكن ما يقارب من 25000 من أصحاب المنازل في غزة من الوصول إلى مواد البناء من أجل ترميم بيوتھم المتضررة ".

وتابع: "هو (سيري) كان لازم يقول هكذا لأن ذلك تم خلال حفل استقبال الوفود المشاركة في مؤتمر الهيئات الدولية للتضامن مع الشعب الفلسطيني" .

وقال الطبّاع : "حسب كلام سيرى ولو افترضنا أن كل صاحب منزل بحاجة في المتوسط طن إسمنت واحد يعني من المفروض أن يدخل إلى قطاع غزة خلال الأسبوع الجاري ما يزيد عن 25000 طن إسمنت، تقريبا 5000 طن في اليوم"، مضيفا: "دعنا نرى ونراقب الوضع."

وتابع: "حتى الآن لم يتم الإجابة على المواطن العادي غير المتضرر ويريد الإسمنت، كيف سوف يحصل عليه؟".

 
إعمار شكلي

من جهته اتهم النائب جمال الخضري، رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، الاحتلال الصهيوني بأنه يريد إعمارًا شكليًا، مشيرًا إلى أن ما سمح بإدخاله من مواد بناء منذ انتهاء العدوان قبل ثلاثة شهور لا تكفي لإعمار بناية واحدة.

وقال الخضري: "منذ انتهاء العدوان لم تبنَ غرفة واحدة من البيوت التي تم تدميرها والبالغ عددهم أكثر من 60 ألف وحدة سكنية دمرت بشكل كلي أو جزئي".

وأضاف: "إن غزة تحتاج يومياً 20 ألف طن من مواد البناء وهو ما يضمن انتهاء الإعمار خلال عامين"، مبيناً أن كسر الحصار هو الخطوة الأولى والحقيقية لعملية الإعمار وأن فتح المعابر جميعها مطلب فلسطيني لا يمكن التنازل عنه حيث إن معبر كرم أبو سالم المفتوح جزئياً لا يكفي.

وبين أن ما دخل لا يكفي ورغم ذلك ما زالت موجودة في مخازن مغلقة لا يستطيع ملاكها التجار التصرف فيها لذرائع صهيونية واهية ومكشوفة .

وأكد الخضري أن الجهات المانحة في مؤتمر الإعمار في القاهرة تعهدوا مشكورين بالتزامات مالية، لكن هذا الملف ما يزال رهينة في يد "إسرائيل" لأنها تتحكم بالمعابر وتغلقها وتمنع دخول مواد البناء والمواد الخام.

ودعا المانحين لمتابعة القضية وزيارة قطاع غزة وعدم تمكين "إسرائيل" من التحكم فيها.

وقال الخضري إن عملية إعادة الإعمار لا تزال شكليةً، ولم ير المواطن تغيراً على أرض الواقع، مشدداً على أن بناء ما تم تدميره خلال العدوان الصهيوني حق قانوني وأخلاقي واستحقاق إنساني للمواطن.

وشدد على أن ما يفرضه الاحتلال من قيود على دخول واستخدام مواد البناء هو حصار المحاصر أصلاً، وعقابه على صموده في وجه حصارٍ دام أكثر من سبع سنوات وثلاثة حروب قاسية.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام