موجة غضب عارمة في المملكة المتحدة ترفض نقل السفارة البريطانية إلى القدس

التحذير من إلحاق الضرر بالمصالح البريطانية، كان حاضرا في غالبية المواقف المعترضة على اعتزام رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس مراجعة موقع السفارة البريطانية لنقلها من تل أبيب إلى القدس المحتلة. صرخات الاعتراض في بريطانيا تعالت من جهات مختلفة بينها أحزاب المعارضة الثلاثة وهي حزب العمال والحزب الليبرالي الديمقراطي والحزب الوطني الاسكتلندي
وجاء في رسالة «إننا أعضاء الجالية الفلسطينية في المملكة المتحدة نكتب إليك لنعبر عن معارضتنا المطلقة لنقل السفارة البريطانية الى القدس المحتلة. ولقد أعلنت أنك ستفكرين ولكن ليس هناك حاجة للتفكير.
إن نقل السفارة سيكون خرقا أحاديا للقوانين الدولية التي كتبتها المملكة المتحدة وصادقت عليها. وهيئات دينية إسلامية ومسيحية، وديبلوماسيون بريطانيون سابقون ومسؤولون وخبراء في الأمم المتحدة، هذا إضافة إلى غضب يسود وسط الجاليات العربية والإسلامية وخاصة الجالية الفلسطينية في بريطانيا.

وعن كل ذلك يقول سفير فلسطين في المملكة المتحدة حسام زملط في تصريح خاص لـ«القدس العربي»: «إننا نرفض وندين قرار رئيسة الوزراء البريطانية بشأن نيتها في إجراء مراجعة بشأن موقع سفارة بريطانيا لدى إسرائيل ونقلها إلى القدس، فليس هناك إي شيء يمكن مراجعته لإن الوضع القانوني والديني والسياسي للقدس غير خاضع للمراجعة على الإطلاق، وأي خطوة في هذا الاتجاه نعتبرها انتهاكا صارخا للقوانين الدولية والمسؤوليات التاريخية للمملكة المتحدة صاحبة وعد بلفور غير القانوني وغير الأخلاقي الذي تسبب وما زال بمأساة الشعب الفلسطيني، ونحذر من أن أي «تغيير في الوضع القائم من شأنه أن يقوض حل الدولتين ويشجع جيش الاحتلال وجماعات المستوطنين المتطرفة في استمرار الاعتداءات على شعبنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية في القدس، ويسبب الضرر لبريطانيا في علاقاتها الثنائية مع دولة فلسطين ومع العالمين العربي والإسلامي، ويؤدي إلى إخراج بريطانيا من المساعي الدولية للتوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية».
وبشأن تعالى الأصوات البريطانية المعارضة لنقل السفارة إلى القدس والمساعي المبذولة لوقف هذا المسار الذي تنوي رئيسة الوزراء البريطانية انتهاجه بشأن نقل السفارة، أوضح السفير الفلسطيني قائلا: «نحن لدينا تواصل مع شرائح بريطانية مختلفة منها على مستوى حكومي رسمي وعلى مستوى حزب المحافظين وأحزاب المعارضة وخاصة حزب العمال والديمقراطيين الأحرار وممثلي الكنائس ومسلمي بريطانيا ومؤسساتهم ومساجدهم وأعضاء البرلمان ومؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان إضافة إلى الإعلام البريطاني، ونحن نلحظ موقفا واضحا من مجمل هؤلاء بأن هكذا خطوة – أي نقل السفارة البريطانية إلى القدس- هي خطوة مدمرة ولا تفيد أحدا، وأن رئيسة الوزراء ليز تراس هي المصممة على ذلك وليس الشعب البريطاني وممثلوه، ولذا فنحن نعمل على ثنيها عن القيام بتلك الخطوة الكارثية المدمرة بكل معنى الكلمة».
وأضاف زملط: «إن هدفنا هو أن تتراجع ليز تراس فورا عن هذا النوع من التفكير وأن تصرف وقتها ورأسمالها السياسي تجاه خلق فرص لتحقيق السلام العادل والشامل وليس لتقويضه وإضعاف فرص الحصول عليه، وننتظر أيضا من رئيسة وزراء بريطانيا أن تصحح الخطيئة التي ارتكبتها بريطانيا بحق الشعب الفلسطيني، وهي خطيئة وعد بلفور الذي ما زلنا لحد الآن نعيش نتائج مأساته والمعاناة التي تسبب بها، وبالتالي فإن المنتظر من رئيسة حكومة بريطانيا أن تعترف بدولة فلسطين وأن تعتذر للشعب الفلسطيني عما تسببت به المملكة المتحدة على مدار السنوات الماضية وأن تعزز من إمكانيات حل الدولتين الذي تتبناه المملكة المتحدة على مدار حكوماتها المختلفة وهو ما يتبناه العالم عبر قرارات مجلس الأمن الدولي وما شابهها».

وأشار السفير الفلسطيني الى «أنه آن الأوان لرئيسة الحكومة البريطانية أن تسمع صوت الرفض من الشعب البريطاني وكافة ممثليه السياسيين والمدنيين والدينيين والإعلاميين وعدم الاقتصار على سماعها صوت أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين، وعلى رئيسة وزراء بريطانيا أن تصحح الأخطاء وتأخذ الدروس والعبر مما حصل جراء وعد بلفور المشؤوم على مدى مئة وخمس سنوات، بينما ظل الشعب الفلسطيني في حالة نضال وثورة مستمرة لتحقيق حقوقه رغم سياسة الاضطهاد التي تمارسها إسرائيل – الدولة التي تسببت بريطانيا في تأسيسها، والتاريخ يقول إنه ينبغي التعلم من الأخطاء وعدم تكرارها».
ومن المواقف الرافضة أيضا كان موقف رئيس كنيسة ويستمنستر الكاردينال فينسنت نيكولاس الذي كتب رسالة بهذا الصدد إلى ليز تراس يدعوها فيها إلى عدم نقل السفارة إلى القدس.
كذلك أعلن المجلس الإسلامي في بريطانيا – في رسالة أرسلها إلى ليز تراس – عن قلقه ومخاوفه الجدية من تبعات نقل السفارة البريطانية إلى القدس، وقال: «إن هذا الإجراء سيضفي شرعية على الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية وسيشكل خرقا للقانون الدولي، وخاصة لقرار مجلس الأمن رقم 478 الذي ينص على أن محاولة إسرائيل لتغيير طابع ووضع مدينة القدس الشريف تشكل انتهاكا للقانون الدولي وتمثل عقبة خطيرة أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم».
وجاء في الرسالة أيضا: «سيكون من غير المعقول أن تدير المملكة المتحدة ظهرها لكل هذه الالتزامات التي تم التمسك بها لفترة طويلة منذ صدور قرار مجلس الأمن قبل أكثر من أربعين عاماً، حيث رفضت الحكومات البريطانية المتعاقبة والمجتمع الدولي مقترحات نقل السفارة البريطانية إلى القدس».
وأوضحت الرسالة الموجهة إلى تراس «الأهمية البالغة لمكانة القدس لدى المسلمين باعتبارها ثالث أقدس موقع في الإسلام، وبالتالي فهي قضية عميقة الجذور في مجتمعاتنا، كما أن المدينة عزيزة أيضًا على أتباع الديانات الأخرى بمن في ذلك على وجه الخصوص المسيحيون الفلسطينيون الذين يرفضون بالمثل الاحتلال الإسرائيلي».
أما على الصعيد السياسي فقد أجمعت أحزاب المعارضة البريطانية وهي حزب العمال والحزب الليبرالي الديمقراطي والحزب الوطني الاسكتلندي على رفض ما تنوي ليز تراس فعله بنقل سفارة بلادها إلى القدس. ونقل موقع «ميدل إيست أي» عن ممثلي أحزاب المعارضة الثلاثة قولهم «إنهم يرفضون نقل السفارة البريطانية إلى القدس، وإن لدى المملكة المتحدة سفارة في تل أبيب مثل معظم البلدان».

وقال متحدث باسم حزب العمل وهو حزب المعارضة الرئيسي «إن موقفنا من هذا الأمر لم يتغير، ولا نريد أن تحدث هذه الخطوة (بنقل السفارة إلى القدس). كذلك قالت ليلى موران المتحدثة باسم الشؤون الخارجية للحزب الديمقراطي الليبرالي: «إن نقل سفارة المملكة المتحدة في إسرائيل إلى القدس سيشكل استفزازًا ولا ينبغي للمملكة المتحدة تحت أي ظرف من الظروف أن تتخذ خطوات قد تؤدي إلى تأجيج التوترات والإضرار بآفاق السلام».
أما الحزب الوطني الاسكتلندي فقد أدان خطوة ليز تراس ووصفها بأنها «تتعارض مع القانون الدولي ولا تفعل شيئًا للمساعدة في تحقيق حل الدولتين سلميا».
كذلك حذر خبراء في الأمم المتحدة من خطورة نقل السفارة البريطانية إلى القدس وركزوا على ما حصل من تردي الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 تاريخ احتلال وضم إسرائيل للقدس الشرقية. وكتبت فرانشيسكا ألبانيز ـ المقررة الخاصة للأمم المتحدة ـ على تويتر يوم الخميس «أن الأفعال التي تغير طابع أو وضع أو ديموغرافية القدس ليس لها أي أثر قانوني وهي لاغية وباطلة ويجب إلغاؤها، وإن حماية إسرائيل من المساءلة أو التغاضي عن أفعالها غير القانونية يشوه مصداقية المجتمع الدولي.
هذا الموقف تحدث به أيضا كل من مايكل لينك الذي كان مقررا خاصا للأمم المتحدة، وأردي إمسيس الذي عمل لمدة 12 عامًا في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
ووجه المسؤولان رسالة إلى وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي يوم الثلاثاء قالا فيها «لا شك أن رئيسة الوزراء ليز تراس ستطلب منكم أن تتولى المسؤولية عن تسويق ما وعدت به أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين». وأضافت الرسالة: «نقول كصديقين للمملكة المتحدة إنه لا يوجد شيء للمراجعة، ويجب أن تبقى السفارة البريطانية في تل أبيب ما لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام شامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتكون القدس عاصمة مشتركة لدولتين «.
وذكرت الرسالة ـ التي اطلع عليها موقع ميدل إيست آي ـ «أن المملكة المتحدة تدعم منذ فترة طويلة القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي التي تنص على أنه لا يمكن لإسرائيل فرض مزاعم السيادة على أي جزء من الأراضي الفلسطينية التي تحتلها، ولقد رأينا في أماكن أخرى من العالم كيف أن المملكة المتحدة قد أيدت المبدأ القائل بأن الدول لا يمكنها ضم الأراضي المحتلة، بما في ذلك ما يتعلق بغزو روسيا لأوكرانيا واحتلالها غير القانوني لشبه جزيرة القرم، كما رفضت المملكة المتحدة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في عهد دونالد ترامب في عام 2017 ولا نرى سببًا وجيهًا لضرورة مراجعة القيام بخطوة مماثلة من جانب المملكة المتحدة الآن، إذ لن يكون القيام بذلك منسجما ً مع التأكيد العلني للمملكة المتحدة على أنها تقف بحزم إلى جانب احترام القانون الدولي».
وكان عشرة دبلوماسيين بريطانيين سابقين قد أكدوا في رسالة موحدة نشرتها صحيفة «التايمز» «أن السفارة البريطانية يجب أن تبقى مكانها حتى تحقيق قيام دولة فلسطينية».
ورغم تلك المعارضة فإن رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس قالت أمام النواب المناصرين لإسرائيل في حزب المحافظين «إنها صهيونية كبيرة وداعمة بشدة لإسرائيل» وكتبت أيضا في نشرية تابعة لهم «إنني أتفهم أهمية وحساسية موقع السفارة البريطانية في إسرائيل وأنا ملتزمة بالمراجعة للتأكد من أننا نعمل على أقوى أسس مع إسرائيل». وعن هذا الموقف قال ديبلوماسي عربي سابق لصحيفة «القدس العربي»: « إن موقف تراس لن يتغير إلا في حال مارست الدول العربية والإسلامية ضغطا حقيقيا يدفع في اتجاه تراجعها عن خطتها لنقل السفارة على القدس».
وأضاف «أن من أساليب ذلك الضغط هو التنفيذ العملي على أرض الواقع لما جاء في الكتاب الذي وجهه سفراء عرب إلى الخارجية البريطانية بأن نقل السفارة سيؤثر على اتفاق التجارة الحرة مع مجلس التعاون الخليجي».

ويوضح الدبلوماسي الرفيع السابق ـ الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه ـ أن السياسة البريطانية لحزب المحافظين بعد إخراجهم بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستكون أكثر التصاقا بالسياسة الأمريكية بعدما أدارت لندن ظهرها تماما للعواصم الأوروبية واتجهت بقوة أكبر نحو واشنطن، وهي تسعى لشراكة واسعة معها على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وبالتالي فإن اعتزام تراس نقل السفارة يأتي تماشيا مع الخطوة التي كان أقدم عليها دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السابق عام 2017. وكانت صحف بريطانية بينها الغارديان قد حذرت «من ان مصالح بريطانيا ستصاب بالضرر مع العالم العربي والإسلامي وكذلك الدول التي يوجد فيها المسلمون إذا تم نقل السفارة البريطانية إلى القدس المحتلة». وبهذا الشأن قال منيب المصري رئيس التجمع الوطني للمستقلين الفلسطينيين: « إن الخطوة البريطانية ستكون ضد القانون الدولي وستترتب عليها تبعيات قانونية لأن بريطانيا كانت من بين الذين صوتوا على حل الدولتين في الأمم المتحدة التي تعتبر القدس الشرقية هي أرض محتلة». ورأى المصري «أن موقف ليز تراس يعود إلى وعد انتخابي كانت تقدمت به لأجل نيل أصوات الداعمين لإسرائيل حتى أصبحت زعيمة لحزب المحافظين ورئيسة للوزراء».

وأضاف «أن نقل السفارة البريطانية من تل أبيب إلى القدس سيكون عملا غير أخلاقي وغير قانوني، خاصة أن إسرائيل تضرب عرض الحائط بحل الدولتين، فقول إسرائيل إنها كانت توافق على حل الدولتين يعتبر أكبر كذبة إسرائيلية بل هي تريد مد سيطرتها على كل الأراضي الفلسطينية ليكون الفلسطينيون – كما اعتبرهم وعد بلفور – أطيافا غير يهودية وغير صهيونية تسكن في فلسطين بحيث أن أكثر ما يمكنهم الحصول عليه هو حكم ذاتي». وختم المصري بالقول «إن على بريطانيا أن تعتذر عما قامت به بحق الشعب الفلسطيني وتقدم له تعويضات وأن تعمل كل جهدها لتحقيق حل الدولتين خاصة وأنها اعترفت بالمبادرة العربية للسلام، كما أن 180 دولة اعترفت بدولة فلسطين وينبغي لبريطانيا أن تدعم حل الدولتين وتعود للقول إن القدس الشرقية هي أرض محتلة من إسرائيل وتبقى السفارة البريطانية في تل أبيب»:
يذكر أن المصري ينوي رفع دعوى قضائية على بريطانيا بشأن وعد بلفور.

المصدر: القدس العربي