في الوقت الذي تواصل فيه دولة الاحتلال تطبيع علاقاتها مع عدد من الدول العربية والإسلامية في المنطقة، لكنها في الوقت ذاته لا تخفي حذرها الدائم أمام تصاعد التهديدات المتغيرة على مدار الساعة، صحيح أن اتفاقات التطبيع التي تم التوصل إليها في السنوات الأخيرة رافقها إنجاز بالغ الأهمية للاحتلال، لكنها لا تغير من المخاطر التي تحيط بدولة الاحتلال، التي لم تنجح في إجراء غسيل دماغ لشعوب المنطقة بأنها جزء لا يتجزأ منه، بل ما زالت في نظرهم غريبة ومحتلة ومغتصبة.
مع العلم أن ساسة الاحتلال ومنظريه ودبلوماسييه لا يخفون خيبة أملهم من هذه الحقيقة الدامغة، ومفادها أن دولتهم مختلفة تمامًا عن دول الشرق الأوسط الأخرى اليوم، هكذا يراها سكان المنطقة، وأهلها الأصليون، فهم يعتبرون الإسرائيليين أجانب في الشرق الأوسط الحالي، ليس أجانب فقط، بل يعتبرونهم تهديدًا، ويواصلون النظر إليهم كمستوطنين استعماريين قادمين على حساب الشعوب الأصلية، خاصة الفلسطينيين.
أرنون غروس، الدكتور المستشرق والصحفي السابق في “صوت إسرائيل بالعربية” لأربعين عاما، وضابط مخابرات مشهور، أكد أن “الإسرائيليين واليهود بنظر سكان الشرق الأوسط نوع من شخصيات الأشباح الذين أتوا من بين الأموات لإزعاج بقية السكان الحاليين بمطالب حقوق الملكية لأراضيهم هم، ما يجعل إسرائيل اليهودية تشكل تهديدًا للنظام الحالي في الشرق الأوسط، الذي يسود اليوم غالبية العرب والمسلمين، وهذا هو الرأي السائد منذ سنوات بين الغالبية العظمى منهم، حتى اليوم”.
وأضاف في مقال نشره موقع زمن إسرائيل، ترجمته “عربي21″، أن “انتشار استخدام وسائل الاتصال الجديدة وشبكات التواصل الاجتماعي كثّف من حالة العداء العربي والإسلامي تجاه الإسرائيليين اليهود، رغم ظاهرة جديدة من بعض التعاطف تجاههم من دوائر محدودة حول العالم، لكنها لا تذكر مقارنة بموجات العداء، مع العلم أن هذا العداء العربي والإسلامي لإسرائيل في المنطقة له بعد آخر، يرتبط برغبة الأنظمة الحاكمة بالتقرب من شعوبهم، وكسب تعاطفهم، بتقديم أنفسهم كمقاتلين شجعان ضد إسرائيل”.
وأشار إلى أن “التقارب الجاري بين عدد من دول المنطقة التي تناصب إسرائيل العداء يزيد من أزمتها الحقيقية، لاسيما ما يحصل بين إيران وتركيا، صحيح أن الأخيرة استأنفت علاقاتها معنا، لكن الأمر لا يعني تغير عداء الرئيس أردوغان لإسرائيل بقدر ما قد يكون التقارب لأسباب اقتصادية بحتة، دون تخليه عن طموحاته بعيدة المدى، رغم الاعتدال الظاهري في سياسته، لكن دخول تركيا كلاعب فاعل في المنطقة بجانب إيران، يعرض إسرائيل لوضع أمني معقد جديد، لأنه قد يغير ميزان القوى في المنطقة”.
تشكل هذه السطور اعترافات إسرائيلية لا تخطئها العين، بأن امتلاكها لقوة نووية أو قدرات عسكرية أو علاقات تطبيعية في المنطقة لا يعني أنها أصبحت آمنة من أي مخاطر تحيط بها، فتطلعات إيران النووية ستؤدي لجهود مماثلة من تركيا ومصر والسعودية والإمارات، ما يجعل التخلص الإسرائيلي في الماضي من مشاريع العراق وسوريا النووية مسألة ليست مضمونة مع دول أخرى، وسيكون من الصعب تكرارها.
أما تركيا، فرغم التقارب الجاري بينهما، إلا أن القناعة الإسرائيلية السائدة أنها ما زالت في قرارتها تتخذ موقفا معادياً لها، خاصة أنها قوة إقليمية تتمتع بقدرات عسكرية وتكنولوجية على مستوى أعلى بكثير من إيران، ولديها إمكانية وصول جغرافي أكثر ملاءمة، ورافعات ضغط على إسرائيل في شكل سيطرة على مرور المواد الاستراتيجية إليها كالغذاء والطاقة، والقدرة على تهديد سبل عيشها عبر البحر المتوسط ، وتأثير أكبر من إيران على الرأي العام العربي.
الخلاصة الإسرائيلية أن هذا الواقع الأمني العسكري الناشئ في المنطقة يبدد أمام الاحتلال مزاعم التفوق على جاراته العربية والإسلامية، ما قد يستدعي منه تحسين موقعها على المدى الطويل، بتعزيز قدراتها العسكرية والتكنولوجية، والتركيز بشكل خاص على رفع مستوى قدرات البحرية في جميع أنحاء شرق البحر المتوسط؛ لأن زعزعة استقرار النظام العالمي نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا تضع منطقة الشرق الأوسط في خطر خاص؛ بسبب عدم استقرارها، ما يجعل الاحتلال أمام سيناريوهات غير متوقعة.
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=137562