“عصر الزيتون”..مهنة موسمية تنتعش في غزة

تنشط مهنة استخراج زيت الزيتون في قطاع غزة مع انطلاق موسم قطف الثمار، اعتبارا من منتصف أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام.

هذه المهنة الموسمية، واحدة من عدة مهن مُرتبطة ببدء قطاف الزيتون، وتخلق فرص عمل للآلاف من العمّال والعاملات الفلسطينيين، وفق تقدير وزارة الزراعة بمدينة غزة.

ومن المهن الأخرى، التي يُنعشها موسم قطف الزيتون “تخليل الثمار وإنضاجها، والتشريح، والنقل، إلى جانب استخدام زيته في بعض الصناعات التجميلية”.

هذا العام، يتوقع أن يبلغ إجمالي إنتاج زيت الزيتون في فلسطين (الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة)، قرابة 31 ألف طن وفق تقديرات وزارة الزراعة الفلسطينية.

ويبلغ إجمالي عدد أشجار الزيتون بحسب بيانات وزارة الزراعة (في رام الله) 12.5 مليون شجرة، منها قرابة 10 ملايين شجرة مثمرة.

وقال محمد أبو عودة، المتحدث الفني باسم وزارة الزراعة بغزة، إن مساحة الأراضي المزروعة بالزيتون في القطاع تبلغ نحو 44 ألف دونم، بينهم 35 ألف دونم مُثمر، و9 آلاف دونم غير مُثمر.

وأضاف عودة، في تصريح لوكالة الأناضول، إن وزارته تتوقع إنتاج نحو “35 ألف طن من الزيتون (قبل عصره إلى زيت) لهذا العام”.

وأردف قائلا: “4 آلاف طن من المتوقع أن يتم تخصيصه للتخليل المنزلي أو المصانع، و31 ألف طن سيتم عصره بمعاصر الزيتون”.

ويتوزع في محافظات قطاع غزة، بحسب أبو عودة، نحو 40 معصرة لاستخراج زيت الزيتون، منهم 32 معصرة حديثة (أوتوماتيكية)، و6 معاصر تقليدية (نصف أوتوماتيكية)، ومعصرتين يدويتين تعتمد على الحجر القديم.

وتُفضّل شريحة واسعة من الفلسطينيين الحصول على زيت الزيتون المُستخرج عبر التقنيات التقليدية البدائية، باستخدام حجارة الجرانيت، باعتبارها واحدة من الموروثات الثقافية.

كما يعتقد أصحاب التقنيات التقليدية في استخراج الزيت الأخضر، أن هذه الطريقة تحافظ على الفائدة والجودة، حيث تطحن حبات الزيتون مع أنويتها التي تحتوي على عدد من العناصر الغذائية.

وهناك حالة من التباين بين أصحاب المعاصر التقليدية والحديثة حول احتفاظ الزيت المستخرج من كل منهما بقيمته الغذائية.

انتعاش موسمي

الفلسطيني إبراهيم مقداد (61 عاما)، صاحب معصرة بدائية (نصف أوتوماتيكية)، وسط قطاع غزة، يشرف صبيحة كل يوم على عملية استخراج الزيت الأخضر.

فبعد تنقية ثمار الزيتون من الأوراق، يتم وضعها داخل خزان كبير تجهيزا لغسلها وتمريرها إلى وعاء الطحن بحجارة الجرانيت.

يتم وضع المادة المطحونة (مهروس الزيتون) على قُفف (مصنوعة من القش)، لتُرتّب الأخيرة تحت مكبس لاستخراج الزيت، ومن ثم تصفيته وتنقيته للحصول على المُنتج النهائي.

يقول مقداد، الذي عمل في مهنة عصر الزيتون التي ورثها عن أجداده، منذ أكثر من 40 عاما، إن حجارة الجرانيت المستخدمة لطحن الزيتون، إيطالية المنشأ، تم استيرادها منذ السبعينات من القرن الماضي.

وأضاف، لوكالة الأناضول، إنه يتمسك بهذه المهنة للحفاظ على الموروث الفلسطيني القديم من الاندثار في ظل انتشار التقنيات الحديثة.

ويعتقد أن “الفائدة الصحية والغذائية العائدة من الزيت المستخرج عبر الطحن بالحجارة أكبر من ذلك الذي يتم استخراجه بالطرق الحديثة”.

ويقول وهو يفحص نقاوة الزيت الأخضر اللامع، الذي أنتجه لتوّه، “هناك عدد من الفروق التي تشير إلى أصالة هذا الزيت ومنها رائحته العبقة ومذاقه الحلو”.

ويستكمل مضيفا: “يتم إنتاج الزيت في الطرق التقليدية بوقت وجهد أكبر من ذلك الذي تحتاجه الطرق الحديثة”.

وتعمل هذه المعصرة، بحسب مقداد، لمدة تتراوح بين 30-40 يوما سنويا، يتم خلالها عصر الزيتون وتخزينه وبيعه.

وبيّن أن عدد أيام عمل معاصر الزيتون يعتمد بشكل أساسي على قوة موسم قطاف الزيتون، واصفا هذا الموسم بـ”الجيد”.

ويشير إلى أن هذه الأيام القليلة من العمل داخل المعصرة بالكاد توفر مصدر دخل يكفي لتلبية احتياجات العاملين فيها لفترة قصيرة فقط.

وبسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية، فإن مقداد لا يتمكن من توظيف أيادٍ عاملة داخل المعصرة حيث يعتمد في ذلك على أفراد من عائلته.

وينتج عن 100 كيلو من الزيتون نحو 14-18 لترا من الزيت الأخضر، وفق قول مقداد، حيث تصل تكلفة التنكة الواحدة (وعاء من الصفيح)، بحجم 16.700 لترا، نحو 100-127 دولارا.

وأشار إلى أن جودة زيت الزيتون الذي يتم إنتاجه في قطاع غزة يضاهي الزيوت التي تنتج في الخارج، إذ أن القطاع قادر على المنافسة في حال فُتحت له أبواب التصدير التي يقيّدها الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ نحو 16 عاما.

مهن أُخرى

الفلسطيني رياض أبو يوسف، يستغل هذا الموسم لتوفير مصدر رزق له ولعائلته، حيث يعكف على شراء كميات من الزيتون تصل أحيانا إلى 100 رطل، وتحويلها إلى زيت طبيعي لبيعه والاستفادة من أرباحه لتوفير احتياجات عائلته.

ويقول أبو يوسف، لوكالة الأناضول، إن “الزبائن الذين اعتادوا على شراء زيت الزيتون منه يطلبون بشكل خاص ذلك المُستخرج عبر الطرق التقليدية، لاعتقادهم بقيمتها الغذائية الكبيرة”.

ويوضح أن تراجع القوة الشرائية لدى المواطنين أثر على قدرتهم على تخزين كميات زيت الزيتون، بحيث تلجأ عشرات العائلات على شراء كميات قليلة منه تصل إلى لتر أو لترين فقط.

ويشير إلى أن زيت الزيتون يحظى بمكانة كبيرة لدى العائلات الفلسطينية بحيث يتم استخدامه كمادة غذائية أساسية ويومية، فضلا عن فائدته العلاجية والتجميلية.

ويعاني قطاع غزة الذي يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني وتحاصره إسرائيل منذ يونيو/ حزيران 2007، أوضاعا اقتصادية ومعيشية متردية.

وبحسب تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، في مايو/ أيار الماضي، فإن نسبة البطالة في قطاع غزة بلغت 47 بالمئة.

المصدر: الأناضول