رغم ما يواجهه المستوطنون من مخاطر أمنية على حياتهم في الضفة الغربية بفعل عمليات المقاومة، فإن سلطات الاحتلال تسعى لمساعدتهم في ما تسميه “تطبيع” سيطرتهم على المنطقة “ج” من خلال الجيش والحراس الأمنيين.
ويتزامن ذلك مع التحريض الذي تشهده السنوات الأخيرة في الكنيست ووسائل الإعلام الإسرائيلية على ما تسميه استيلاء الفلسطينيين على هذه المنطقة، رغم أن هذه الأصوات تناقض الواقع على الأرض، في حين تتعارض السلوكيات الميدانية مع القانون الدولي، الذي ينص على أن هذه المنطقة مثل باقي الضفة الغربية، أرض فلسطينية محتلة من الاحتلال العسكري الإسرائيلي.
وتأتي التطورات في الضفة، مع ما أصدرته فرانشيسكا ألبانزا المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة لفحص حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة من تقرير مؤثر حول وضع حقوق الإنسان للفلسطينيين تحت الحكم العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية، وذكرت فيه أن إسرائيل تستغل تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق أ، ب، ج، وفق اتفاق أوسلو، لتعزيز المشروع الاستيطاني، والسيطرة الكاملة على الموارد الطبيعية في المنطقة “ج”، بما فيها مصادر المياه والأراضي الزراعية.
يوناتان كانونيتش رئيس قسم الأبحاث في منظمة “ييش دين” ومؤلف كتاب “إضفاء الطابع الإسرائيلي على المنطقة ج وانتهاك حقوق الإنسان للفلسطينيين”، ذكر في موقع “محادثة محلية” أن “سلطات الاحتلال تعمل على مستويين لتأسيس الضم الفعلي للمنطقة “ج”، أولهما دعمها لمشروع الاستيطان غير القانوني في الأراضي المحتلة، وثانيهما تعزيز الشرعية العامة للوجود المدني في الضفة الغربية من خلال عمليات إسرائيلية في المنطقة “ج”.
وأضاف في مقال ترجمته “عربي21” أن “ما يعزز التوجهات الاحتلالية الإسرائيلية في المنطقة ج، ما حدده اتفاق أوسلو من فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، ما أدى لتقسيم الضفة الغربية لثلاثة أنواع من المناطق، وخلق مساحة مجزأة تضم أكثر من 100 “جزيرة” من المناطق أ و ب، تم فصلها عن بعضها، مع أنها تضم 60٪ من مساحة الضفة الغربية، ومعظم أراضيها الزراعية للفلسطينيين، لكن اتفاق أوسلو نص على أن جميع السلطات الحكومية فيها ستبقى للفترة الانتقالية تحت السيطرة الكاملة الإسرائيلية، وتنتقل تدريجياً إلى السلطة الفلسطينية”.
وأشار إلى أن “هذه الفترة الانتقالية “المؤقتة” كان يفترض أن تنتهي في 1999، لكننا اليوم أمام قرابة الـ30 عاما منذ اتفاق أوسلو، وأهم تغيير حدث في المنطقة “ج” هو عدد المستوطنين، ففي 1995، تواجد فيها 134 ألفا، ومنذ ذلك الحين، وتحت رعاية الحكومة والجيش، تضاعف العدد 3 مرات، ويزيد اليوم على الـ450 ألفا موزعين في 282 مستوطنة وبؤرة، مقابل منع الاحتلال لتطوير التجمعات السكنية الفلسطينية فيها، باستخدام صلاحيات الإدارة المدنية في مجالات التخطيط والبناء والتنفيذ”.
تكشف هذه الحقائق الدامغة أن حكومات الاحتلال تدعم عملية إضفاء الطابع المؤسسي الإسرائيلي على المنطقة ج، بهدف تحويلها إلى جزء لا يتجزأ من إسرائيل، رغم أنها تقع خارج حدودها، وقد تعرضنا مؤخرًا للعاصفة التي سببتها في موقع بوكينغ السياحي الذي حذر عملاءه من انتهاك محتمل لحقوق الإنسان في هذه المنطقة، وطلب وزارة التعليم من بلدية تل أبيب إزالة الخرائط التي تظهر الخط الأخضر من المدارس، وكأنها ترمز لمحاولة تشتيت حدودها.
الواقع القائم اليوم يشير إلى أن الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية اليوم بات أوسع بسبب سياسات الجيش والمستوطنين، وأجزاء كبيرة من الجمهور الإسرائيلي تتعامل مع المنطقة ج على أنها أراضٍ إسرائيلية، وهناك انتشار للإسرائيليين هناك، يأتي الآلاف منهم كل يوم إليها للقيام بأنشطة يومية روتينية، والصناعة والتجارة، والأوساط الأكاديمية، والسياحة والسفر، والترفيه، والموسيقى والرياضة، بمن فيهم طلاب جامعة أريئيل الاستيطانية، وزيارة مراكز التسوق، وتنظيم العروض الفنية، وهذه ليست أعمالا بريئة.
ومن الواضح أننا أمام أعمال سياسية معبّأة وموجهة، ممولة من الحكومة الإسرائيلية، تهدف لطمس الخط الأخضر الذي يفصل دولة الاحتلال عن الأراضي المحتلة، وتكون بمثابة وسيلة لتعزيز آليات القمع والسيطرة على الفلسطينيين في الضفة الغربية.
وما التوافد اليومي للإسرائيليين للمنطقة “ج” إلا زيادة بشكل كبير لانتهاك حقوق الفلسطينيين، وشرعنة للمشاريع الاستيطانية الاستعمارية، وتحويل ما هو غير شرعي إلى قاعدة مقبولة، وزيادة القوة العسكرية المتمركزة في الأراضي المحتلة، والتسبب في تقييد حرية تنقل الفلسطينيين في موطنهم.
الرابط المختصر https://insanonline.net/?p=137943