بفن الأرابيسك..فلسطيني يبقي ذاكرة القدس حيّة

يطمح الفنان الفلسطيني عزام أبو السعود، لإبقاء ذاكرة القدس حية من خلال فن “الأرابيسك” عبر الإبقاء على هذا الفن ومنعه من الاندثار.

وقال أبو السعود، متوسطا مجموعة من أعمال الأرابيسك في منزله بحي رأس العامود في القدس الشرقية، للأناضول: “رسالتي هي الإبقاء على هذا الفن ومنعه من الاندثار”.

وأبو السعود (73 عاما)، هو كاتب أيضا وعمل لسنوات طويلة مديرا للغرفة التجارية في القدس، وهو خبير بتاريخ المدينة ما ساعده في محاكاة هذا التاريخ عبر لوحات فنية.

ويجمع فن الزخارف العربية “الأرابيسك” ما بين الخشب المحفور والزجاج الملون والمعدن والرسومات الهندسية الجميلة لعمل لوحات تزين شبابيك المنازل والأماكن الدينية والمؤسسات.

وعلى مدى التاريخ استخدم هذا النوع من الفن لتزيين شبابيك المنازل والمؤسسات والأماكن الدينية بما فيها المساجد والكنائس بمدينة القدس.

ولكن هذا الفن تراجع على مدار السنين في المنازل المقدسية ولكنه بقي في المساجد والكنائس التاريخية بالمدينة.

الزخارف في قبة الصخرة

وقال أبو السعود: “مصلى قبة الصخرة بالمسجد الأقصى أعظم أثر موجود في العالم لفن الزخارف العربية وهو التعريف الصحيح لكلمة ارابيسك، فما نراه في قبة الصخرة من الخارج خصوصا في المداميك العليا وآيات القرآن هي ترميم عثماني حيث تم استبدال الفسيفساء التالفة بالقيشاني الموجود حاليا”.

وأضاف: “الخطوط العربية جزء من الزخارف والتي تطورت على مر الزمن، فنعرف أنه في العهد الأموي لم يكن هناك تنقيط باللغة فكانت الآيات تكتب بدون نقط ومع تطور الخط العربي أصبح هناك الخط الزخرفي العربي وهو خط جميل، وتم هذا في مراحل، ففي العهد العباسي ظهر الخط الكوفي وخطوط أخرى وهذه الخطوط دمجت في خطوط الزخرفة وأصبحت جزءا من خط الزخرفة العربي”.

وتابع: “البيوت في مدينة القدس كانت فيها شبابيك ملونة، وفي منازل الأثرياء كانت الشبابيك الملونة مكثفة ولكن القدس تعرضت لزلازل عدة عبر التاريخ وهو ما أدى الى تهديم جزء كبير من الفنون الخارجية التي كانت تزين منازل القدس ومعظمها كان من الخشب المحفور والزجاج الملون”.

وبدأ تعلق أبو السعود بهذا الفن منذ أن كان صغيرا وعاد لممارسته بعد خروجه على التقاعد، وقال: “كان خالي يعمل بالحفر على الخشب ما قبل العام 1967، وأنا تعلمت منه ذلك عندما كان عمري 12 عاما”.

وأضاف: “في ذلك الوقت جرى ترميم مسجد قبة الصخرة المشرفة وجاء طاقم فنانين من إيطاليا لترميم شبابيك المسجد”.

وأردف: “كنت أنا والأطفال نلعب في المسجد الأقصى وفي حينه كنت أنظر إلى العمل الذي يقومون به ومن ثم عملت معهم بالحفر على الجبص وتعلقت وأحببت هذه الحرفة”.

العودة بعد التقاعد

وقال: “لكن بسبب التعليم والعمل، لم أمارس هذه الحرفة إلى حين خرجت على التقاعد عام 2013 حيث رغبت بأن أجدد هواياتي، فعدت إلى الأرابيسك بالتزامن مع استمراري بالكتابة للصحف المحلية وكتابة الروايات وللمسرح حيث ألفت مجموعة من الروايات التي مصدرها التاريخ الشفوي لمدينة القدس”.

وأضاف: “بدأت بقراءة الكثير عن الأرابيسك، وزرت الكثير من الدول للتعرف أكثر على هذا الفن مثل الأندلس ومصر والمغرب وتركيا، وكنت أتمنى أن أزور دمشق أو حلب ولكن وصلتني الكثير من الصور من هناك”.

وتابع: “زرت إسطنبول ومدن تركية أخرى واطلعت على التطوير الذي قام به الأتراك خلال فترة الحكم العثماني لمدينة القدس بما في ذلك في قبة الصخرة والمساجد الأخرى”.

انهمك الفنان الفلسطيني بدراسة فن الأرابيسك، من خلال القراءة والمشاهدة الحية، قبل أن يبدأ بترجمة ذلك إلى لوحات.

وقال: “الدراسة جعلتني أحاكي فن الزخرف بلوحات حديثة الصنع استخدمت في معظمها الآلة وجهاز الحاسوب”.

واستدرك: “ولكن يبقى العمل اليدوي الخاص بالتعشيق وتلوين الزجاج هو العنصر الأساسي بعد التصميم وتحويله إلى لغة تفهمها الآلة والحاسوب، ومن ثم تعشيقه بالزجاج أو استخدام الزجاج الملون وإنارته داخليا علما بأن الإنارة كانت عبر التاريخ من خلال الشمس وكان الأساس بالزجاج إعطاء جمالية للمساجد والبيوت”.

فن إسلامي مسيحي

وما زالت العديد من المساجد والكنائس بالقدس الشرقية تستخدم هذا الفن في تزيين شبابيكها معتمدة على انعكاس أشعة الشمس عليها لإضفاء جمالية كبيرة عليها.

وثمة بعض المنازل في المدينة التي ما زالت تحتفظ بهذا النوع من الفن منذ سنوات طويلة.

ولكن المشربيات، وهي تصميم خشبي كان يزين شرفات العديد من المنازل بما في ذلك بالبلدة القديمة، اندثرت بشكل كبير.

وكانت المشربيات بتصاميمها وألوان زجاجها تبهر الناظر إليها من الخارج وتضفي مع أشعة الشمس المنعكسة عليها أجواء جمالية في داخل المنازل نفسها.

وأوضح أبو السعود: “التداخل الإسلامي المسيحي موجود في القدس، حتى في زخارفنا، ونعرف أنه في العام 1922-1924 تم بناء كنيسة الجثمانية في القدس وتسمى كنيسة كل الأمم لأنه تشاركت دول عديدة في بنائها وجلبوا لها فنانين من كل أنحاء أوروبا”.

وأضاف: “الفنانون تأثروا بفن الشرق حتى في بنائهم وزخرفتهم للكنيسة، وعندما شاهد أهل القدس عملهم استخدموهم لتزيين بيوت أثرياء فلسطينيين، وهذا ما نشاهده مثلا في زخارف العديد من المنازل في الناصرة وعكا والرملة والمدن الأخرى”.

ويعرض أبو السعود لوحاته في الطابق الأرضي من منزله المطل على البلدة القديمة والأقصى، وفيه يعمل لوحاته ويبيعها لتمويل عمل المزيد من اللوحات التي يقول إن عمل مكلف ماليا بسبب الأدوات الخاصة المستخدمة فيه.

حلم وجهد

وقال: “مشروعي هو متحف يعيد تعريف الزائرين بفنون الحفر العربية الإسلامية والمسيحية على حد سواء”، مبينا أنه في هذا السياق أقام معارض في القدس ورام الله والخليل، معرباً عن أمله أن ينقل معرضه إلى مناطق أخرى من العالم.

ويأمل أبو السعود “أن يتم تدريب عدد من شباب وفناني القدس وفلسطين للإبقاء على هذا الفن، لأن الإسرائيليين يحاولون أسرلة المظهر العام لمدينة القدس وإطفاء مظهر أكثر يهودية على المدينة وشوارعها”.

وشدد قائلا: “واجبنا أن نحافظ على المظهر العربي الإسلامي والمسيحي في القدس، وبمعنى آخر أن نعيد المشربيات أو الشبابيك الملونة إلى شوارع المدينة وهذا عمل ضخم، ولكن إن تم فسيشعر الزائر أنه في مدينة عربية إسلامية مسيحية”.​​​​​​​

المصدر: الأناضول