غزة..خبراء يطالبون بوضع حلول مستدامة لمواجهة تداعيات الكثافة السكانية

حذر خبراء وممثلو منظمات المجتمع المدني وحقوقيون ومؤسسات القطاع الخاص من تداعيات الزيادة السكانية المطردة في ظل النقص الكبير والمتسارع في الموارد واستمرار تحكّم الاحتلال الإسرائيلي في كافة مناحي الحياة من خلال الحصار والاعتداءات الاسرائيلية والانقسام السياسي لأكثر من 15 عاما.

وأوصوا بضرورة تنسيق كافة الجهود بين مختلف القطاعات من أجل مواجهة التحديات الناجمة عن الكثافة السكانية التي يعانيها قطاع غزة، إذ تسجل ارتفاعاً سنوياً بمعدل 3.5% في ظل محدودية مساحة الأرض، داعين إلى وضع الخطط لتمكين مؤسسات المجتمع المدني للقيام بواجبها بدلاً من تضييق الفضاء المتاح لها من أجل المساهمة في وضع الحلول لقضايا المجتمع.

جاء ذلك خلال مؤتمر “دور منظمات المجتمع المدني في مواجهة التحديات الناجمة عن الكثافة السكانية في قطاع غزة”، الذي نظمته شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية ضمن مشروع “تعزيز قدرات المجتمع المدني للاستجابة للاحتياجات الناتجة عن النمو السكاني المتسارع في قطاع غزة” بالشراكة مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية في مدينة غزة.

وقال مدير شبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا في كلمته خلال افتتاح المؤتمر إن قطاع غزة أحد أكثر أماكن العالم اكتظاظا من حيث الكثافة السكانية ليعيش 5936 نسمة في الكيلومتر الواحد، وتزداد الكثافة السكانية في المناطق المبنية لتصل إلى 13,789 نسمة لكل كيلومتر مربع، ويعتبر هذا الرقم ضخم جداً.

وأشار الشوا إلى أن النمو السكاني في القطاع يتزامن مع تراجع مؤشرات التنمية وضعف البني التحتية واستمرار الحصار الإسرائيلي والانفسام السياسي ، مما يخلق تحديات جمة أمام القطاعات المختلفة المرتبطة بالسكان من صحة وتعليم وحماية اجتماعية وبنية تحتية ومياه وكهرباء. مؤكداً على أهمية البحث عن حلول مستدامة لمواجهة التحديات التي يواجهها السكان في قطاع غزة.

ولفت الشوا إلى أن المؤتمر يأتي بعد صدور مجموعة من الأوراق التي تناولت التحديات الناجمة عن الكثافة السكانية سواء على الواقع الاقتصادي أو الاجتماعي، وقطاع تكنولوجيا المعلومات، والحماية الاجتماعية والحق في السكن وغيرها، وقدمت الأوراق توجهات ورؤى للمنظمات الأهلية بما يمكنها من المساهمة في مواجهة التحديات.

وفي كلمته، قال نائب رئيس مجلس ادارة الشبكة تيسير محيسن “لقد أدى الحصار والعدوان الاسرائيلي إلى تدمير أجزاء متعددة من البنية التحتية والمرافق الإنتاجية والأبراج السكنية والبنية الاقتصادية وعملت جائحة كورونا على خلق حالة من الكساد الاقتصادي وتراجع معدلات الإنتاج والتنمية بالمجتمع مما زاد الأمور تعقيداً مع الكثافة السكانية في قطاع غزة”

وأكد محيسن أن هذا المؤتمر يستعرض بإيجاز العلاقة بين الكثافة السكانية في قطاع غزة والتحديات التي تواجه القطاعات الرئيسية مع مراجعة للمؤشرات الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والتي تشير بإجلاء إلى كارثية الوضع المعيشي في قطاع غزة مطالبا بتنسيق وتكثيف الجهود من كافة الاطراف من أجل مواجهة تداعياتها.

بدوره، طالب ممثل مؤسسة فريدريش إيبرت د. أسامة عنتر بوضع حلول مستدامة لأزمات قطاع غزة والعمل من أجل التخفيف من آثار الكثافة السكانية على القطاعات المتعددة مشيراً إلى أن جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والحياتية في قطاع غزة سوداوية وتسير إلى الأسوأ بشكل متسارع.

وأكد عنتر على أن “الشراكة مع شبكة المنظمات الأهلية هذا العام تحاكي وضع مجموعة من المؤشرات لمستقبل أفضل لقطاع غزة.”

وفي الجلسة الأولى للمؤتمر التي ترأستها عندليب عدوان مدير مركز الاعلام المجتمعي قال الاستشاري المهندس مأمون بسيسو في ورقته حول “العلاقة بين النمو السكاني في قطاع غزة والتحديات للقطاعات المختلفة والحلول الممكنة”، إن “الانفجار السكاني في ظل محدودية الموارد يمثل كارثة كبرى فلن يحصل المواطن على الحد الأدنى من الخدمات الأساسية مما يعمق الأزمة الإنسانية وحالة الفقر والعوز والانكشاف في ظل غياب استراتيجية وطنية جامعة لإنقاذ السكان”.

وأكد بسيسو على أن الكثافة السكانية ينشأ عنها زيادة كبيرة في الطلب على الكهرباء وهذا يشمل الوحدات والمدن السكنية الجديدة إضافة إلى محطات الصرف الصحي وتنقية المياه وإنارة الشوارع والمناطق الصناعية حيث أنه من الواضح أن مصادر الكهرباء الحالية لا تفي بحاجات السكان الحالية والمستقبلية. مطالباً بضرورة إيجاد حل جذري لأزمة الكهرباء وتحييد الجانب السياسي من الأزمة وإدارتها على أسس مهنية واحترافية فقط.

وفي ورقته حول “دور منظمات المجتمع المدني في مواجهة التحديات الناجمة عن الكثافة السكانية في قطاع غزة” أكد محسن أبو رمضان مدير مركز د. حيدر عبد الشافي للثقافة والتنمية أن المنظمات الأهلية ساهمت في تقديم الخدمات الإغاثية والبرامج التنموية لصالح الفئات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة سواءً بصورة مباشرة أو من خلال الضغط والتأثير لاعتماد قوانين وتشريعات وسياسات مناصرة لهذه الفئات المهمشة والفقيرة”.

وأشار أبو رمضان إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يعتبر المعيق الرئيسي لعمل المنظمات الأهلية وقد برز ذلك جليًا في إعلان سبع منظمات أهلية بوصفها منظمات لها علاقة بالإرهاب، بالإضافة لشروط التمويل المسيسة وآلياته التي تعمل على تقليص مساحة عمل المنظمات الأهلية المحلية التي ترفض مثل هذه الشروط وتعترض على آلية التمويل التي أصبحت تحدد أولوياتها وموضوعاتها من قبل المؤسسات الدولية أكثر من اعتمادها على المقترحات النابعة من منظمات العمل الأهلي.

وفي ورقتها حول “واقع المرأة وسبل تعزيز دورها” تطرقت نادية أبو نحلة مديرة طاقم شؤون المرأة في غزة إلى أن المجتمع في قطاع غزة فتي إذ تبلغ نسبة الأفراد في الفئة العمريـة (0-14 سنة) نحو 41% من سكان القطاع غزة وهذه الفئة تحتاج إلى العناية وبرامج إعالة وتعليم وبرامج صحية والحماية الاجتماعية وهذه مسئولية الدولية لتوفير كافة هذه البرامج.

وأشارت أبو نحلة إلى أنه بسبب العدوان المتكرر فقد ازداد عدد الأسر التي تقودها امرأة إلى 12% من إجمالي عدد الأسر بسبب وفاة/استشهاد الرجل رب الأسرة وقد بلغت نسبة الأرامل 3% والنسبة في ازدياد خصوصاً السيدات الأرامل في مقتبل العمر.

وفي الجلسة الثانية التي أدارها مدير الجمعية الوطنية للتأهيل جمال الرزي وفي ورقته حول “الرقمنة والتوجهات المستقبلية”، قال أشرف اليازوري نائب رئيس مجلس إدارة شركات تكنولوجيا المعلومات (بيتا) ، إن “قطاع تكنولوجيا المعلومات قطاع عابر للحدود ولذلك استمر رغم الحصار وازداد عدد العاملين فيه عن بعد بشكل كبير وانتشر نظام التعهيد ونظام العمل الحر حيث يقدم هؤلاء خدمات في دول أخرى. وهذا أدى بدوره إلى زيادة الطلب على مساحات العمل الحر والتي توفر مكاناً للعمل تتوفر فيها الكهرباء بلا انقطاع والإنترنت فائق السرعة”.

وأكد اليازوري على أن النمو السكاني المتزايد، ينشأ عنه زيادة كبيرة في الطلب على شبكات الإنترنت والهاتف الخلوي سواء للاستخدام الشخصي أم للأعمال. وشبكة الاتصالات الحالية لا تفي بالحد الأدنى المطلوب، وطالب بضرورة الانتقال إلى تقنية الجيل الخامس مما ينتج عنه قفزة كبيرة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتمنح فرصا أفضل للعاملين في هذا المجال لتصدير خدماتهم عبر الإنترنت إلى الخارج.

ومن جهتها أكدت نهى الشريف منسقة المناصرة والإعلام في الإغاثة الزراعية في ورقتها حول “القطاع الزراعي وسبل تعزيزه” على أن الكثافة السكانية زادت الطلب على الغذاء مع محدودية الإنتاج المحلي بسبب الزحف العمراني وتقلص المساحات الزراعية حيث أن معدل النمو السكاني أكبر من معدل الزيادة السنوية في إنتاج الغذاء.

وأوضحت الشريف أن تحسين الأمن الغذائي هو مسؤولية حكومية بالدرجة الأولى من خلال دعم القطاع الزراعي لتوفير الغذاء ومحاربة البطالة من خلال خلق فرص عمل، ونشر الوعي والثقافة الغذائية بين المواطنين، إلا أن منظمات المجتمع المدني لها دور مهم في الضغط والمناصرة ليكون الأمن الغذائي أولوية لدى الحكومة والمانحين وتوجيه التمويل باتجاه تحسينه. كما أن القطاع الخاص له دور مهم أيضا في سلسلة الأمن الغذائي من خلال الاستثمار في القطاع الزراعي وخلق فرص عمل أكثر استدامة.

وفي ورقته حول “القطاع الصناعي ودوره في الإنعاش الاقتصادي”، قال أحمد النبريص ممثلا عن اتحاد الصناعات الفلسطينية أن الاتحاد يضم أكثر من 4000 مصنعاً في قطاع غزة والضفة الغربية ويشغل آلاف العمال المهرة وغير المهرة مع التركيز على الاقتصاد الوطني والمنتج الفلسطيني. وتطرق النبريص في كلمته إلى التحديات التي تواجه القطاع الصناعي بدءا بالمعابر واحتياجات قطع الغيار والطاقة، والقوانين والتسهيلات الحكومية المطلوبة وانتهاء بالدعم المقدم لقطاع الصناعة.

واختتم السيد النبريص كلمته بتوجيه بعض التوصيات لتنمية القطاع الصناعي في فلسطين بصفته العمود الرئيسي للاقتصاد الفلسطيني من خلال توفير مصادر الطاقة المستدامة والبحث عن بدائل والعمل على تطوير خطوط الإنتاج لملاءمة مصادر الطاقة المتوفرة حالياً. وضرورة دعم برامج تطوير وتحديث الصناعة، من النواحي الإدارية والفنية وأهمية الحماية للمنتج الوطني كمشجع رئيسي للقطاع الصناعي والعمل على بناء القدرات اللازمة للعمال مؤكدا ان القطاع الصناعي بحاجة إلى العديد من الإجراءات التي من خلالها يجب أن يتم توفير التسهيلات المواد الخام، والحماية بقرارات حكومية وطاقة مستدامة وموافقات من أجل تسهيل عملية التصدير، حتى تنعكس هذه على القطاع الصناعي بزيادة الطاقة الإنتاجية وحماية المنتج الوطني وحتى يتمكن من تشغيل العمالة والمساهمة في الاقتصاد.

ومن أبرز التوصيات التي خرج بها المؤتمر إنشاء مناطق صناعية وتجارية حرة تسهم في فتح فرص العمل، وتعزيز الوصول إلى المناطق الحدودية التي تعد سلة غذائية مهمة، ومواءمة مخرجات التعليم مع السوق، لتصبح مفيدة وذات جدوى للعملية الإنتاجية والاقتصادية، إضافة إلى دعم مدخلات المشاريع والمبادرات الصغيرة ومتناهية الصغر التي تحرر أصحابها من الفاقة والاعتمادية.

ودعا المشاركين في المؤتمر إلى توفير وحدات سكنية باعتماد البناء الرأسي، وتخفيف وطأة الازدحام السكاني في بعض الأحياء السكنية ومخيمات اللاجئين، مؤكدين ضرورة تعزيز دور القطاعين الزراعي والصناعي وزيادة حصتهما في الموازنة العامة.

وطالبوا المجتمع الدولي بضرورة الضغط على سلطات الاحتلال لرفع الحصار كاملاً عن قطاع غزة، وتمكينه من استثمار الموارد الطبيعية خاصة الغاز، وإيجاد مصادر دائمة للطاقة، وتمكين المرأة اقتصادياً مشددين على ضرورة إنهاء الانقسام السياسي وأهمية التكامل بين قطاع غزة والضفة الغربية.